ناطق الإصلاح: العمل السياسي لم يعد ترفاً بل واجباً لحماية حق اليمنيين في الحرية والكرامة    المبعوث الأممي يحذر من مخاطر التصعيد في اليمن ويطالب بوقف الاعتقالات والإفراج عن موظفي الأمم المتحدة    خلال شهر.. مليشيا الحوثي تقر باختطاف 86 شخصا بمحافظة الضالع    بيان إدانة    شبكة المسيرة تعلن تضامنها مع صحيفتي 26 سبتمبر واليمن    أكاديمية الدفاع البريطانية تحظر الطلبة الصهيانة على خلفية حرب إبادة غزة    الذهب يسجل أعلى مستوى تاريخي جديد    التضخم في السعودية يسجل أعلى وتيرة ارتفاع منذ أكثر من عامين    خاصموا بشرف.. الحرية ل"جميل شريان"    ضبط كمية من الذرة المجروشة غير الصالحة للاستخدام في تعز    تدشين العمل بشق قناة تصريف مياه الأمطار في بني الحارث بمبادرة مجتمعية    ما زال الموت يذكرنا بأصدقائنا المنسيين    شرطة العاصمة عدن تستعيد مسروقات ثمينة من فندق في خور مكسر وتطيح بالمتهم.    من يملك الأرض يملك القرار: رشاد العليمي لن يجرؤ على الرفض    حالتها مستقرة.. جلطة ثانية تصيب حياة الفهد    ديسمبر.. «شمس الزناتي 2» في دور العرض    اليمن يدعو إلى تدابير عربية واسلامية لكبح السياسات الصهيونية التوسعية في المنطقة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة عبدالله يحيى الآنسي    افتتاح مدرسة الطارفة في أبين بعد توسعتها بتمويل إماراتي    وسائل إعلام: 17 شهيدا منذ فجر اليوم بغارات إسرائيلية على قطاع غزة    محافظ شبوة يستقبل فريق مبادرة دليل شبوة الطبي الإلكتروني    اطلاق اسم الشهيد وزير العدل على صرح قضائي هام    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    محور تعز يدشن احتفالات الثورة اليمنية بصباحية شعرية    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    خبير روسي: الوحدة اليمنية "وهم خطير" والحل في اعتراف دولي بدولتين منفصلتين    صحيفة أمريكية: رغم العقوبات الأمريكية صنعاء تواصل أطلاق الصواريخ والمسيرات    ميان والعنود تدعمان دفاع سيدات القادسية    المرة الأولى منذ 2019.. النصر يبدأ الدوري بفوزين    برشلونة يكتسح فالنسيا بسداسية    إصابة جنديين واعطاب قاطرة وقود في هجوم مسلح من عصابات بن حبريش    ضروري من قنبلة دين وضمير    الدكتور عبدالله العليمي يؤكد دعم مجلس القيادة الرئاسي للبنك المركزي اليمني    وزارة الداخلية تدعو المواطنين إلى عدم تصوير أماكن القصف    منظمة صحفيات بلاقيود : مجزرة إسرائيل بحق الصحفيين جريمة حرب    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    المقالح: سلطة صنعاء تمارس الانفصال كما يمارسه الانتقالي    شبوة.. تدشين مخيم لجراحة العيون يجري أكثر من 400 عملية مجانية    مانشستر سيتي يكتسح اليونايتد بثلاثية في قمة الدوري الإنجليزي    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    قرارات تعسفية لمليشيا الحوثي تدفع الغرفة التجارية للإضراب في صنعاء    محافظ حضرموت يرعى توقيع عقود مشاريع تحسين لشوارع مدينة المكلا    توقف تطبيق إلكتروني لبنك تجاري واسع الانتشار يثير الجدل على منصات التواصل الاجتماعي    أحلام تُطرب جدة    يوفنتوس يقتل إنتر في ديربي إيطاليا    شباب المعافر يصعق شعب إب ويتأهل إلى نصف نهائي بطولة بيسان    الدوري الايطالي ... يوفنتوس يحسم لقاء القمة أمام إنتر ميلان برباعية    ما أجمل روحك وإنسانيتك، قاضي حاشد    عدن .. مصلحة الجمارك تضع اشتراطات جديدة لتخليص البضائع في المنافذ الجمركية    في محراب النفس المترعة..    تعز.. مقتل مواطن إثر خلاف تطوّر من عراك أطفال إلى جريمة قتل    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلفية الثقافية: منذ المدرسة

جميل حمودي العراق
محمد بنعزيز *
"ليس صدفة أن تهيمن السلفية على الذوق الشعري، وليس صدفة أن يعلو صوت الفقهاء وتسيطر المسكنة القدرية على الأرواح، وليس صدفة أن تفتقد ثورات الربيع العربي/الأمازيغي لشعراء يصدحون باسمها. والشعر وقود الثورة والشعراء أنبياؤها... لذا قتل بابلو نيرودا. وثوراتنا اليوم بلا شعراء، لذا فهي عوراء لا تجد طريقها بسهولة، وهي مهددة بالوقوع في غرام العسكر. "
«لقد عرف العصر الجاهلي التعصب القبلي وانعدام الاستقرار والغزو والنهب واستباحة النساء والشهامة والكرم في أقوى صوره، وتميّز رجاله بالحنكة والحكمة ورجاحة العقل... عرف العصر ظهور الشعر العربي الكامل، وهو الشعر الأصل لما سيأتي بعده عبر اتّباع أصله وهو عمود الشعر وشروطه هي جزالة اللفظ واستقامة اللفظ ومشاكلة اللفظ للمعنى وشرف المعنى...».
هكذا يُعرّف بالشعر كتاب مادة اللغة العربية بالسنة الثانية الثانوية بالمغرب. وقد اكتشفت بعد سنوات من تكراري للدروس نفسها على تلامذتي أني أمرر عدداً من الأفكار المقدسة حول العصر الجاهلي وعهد الخلفاء الراشدين والسلف الصالح. عصر المروءة والكرم والصلاح.
وكنت أختم الدرس بإملاء ما يلي: «إن الشاعر التزم بأصول الشعر، سواء كان جاهلياً أو إسلامياً أو أموياً أو عباسياً». ولا تنتهي مهمتي عند تحصيل إجماع قسري في الفصل الدراسي حول «الأصول الثابتة» المصاغة في «عمود الشعر العربي»، الذي نخره السوس ولم يسقط بعد لينمو مكانه غصن شعري أخضر، بل إن مهمتي مزدوجة، إذ عليّ أن أدين العصر الجاهلي أخلاقياً لأنه عرف عبادة الأوثان وأن أمجّد فحوله الذين صاغوا الشعر العربي ناضجاً منتهياً.
وهذا ما أفعله يومياً، لأن تلامذتي ملزمين بالمرور من امتحان يطرح أسئلة حول قضايا حسم فيها المرزوقي وابن رشيق!! لا يطرح المقرر التعليمي أسئلة مثل: ألا يؤدي تمجيد نموذج الإبداع البدوي الذي ينطلق من السليقة، إلى النفور من المفاهيم؟ ألا يؤدي تمجيد الحرص على التصوير الحسي البسيط، إلى عرقلة تشكل عقل تجريدي لدى التلميذ؟ كيف يمكن الجمع بين الحكمة والتعصب القبَلي؟ وآخر مثال عالمي (كي لا نظلم العرب) جاء من الهند حيث أمر شيوخ قرية في 2014 باغتصاب فتاة لها علاقة بشاب غريب عن قريتها.
كان الرجال الجاهليون يئدون بناتهم، بينما يقول الكتاب المدرسي إنهم تميزوا بالكرم الشديد وبرجاحة العقل، فمن يمكنه أن يزعم بأن الرجل الذي يدفن طفلته حية عاقل؟ثم إن المرحلة عرفت حروباً لامتناهية، مما أثر على الإنتاج الحيواني والزراعي وعلى طرق التجارة في رحلات الشتاء والصيف، ومع ذلك هناك وصف أسطوري لقصص الكرم، عن أخ «رفيع العماد كثير الرماد».
كرم يتعارض مع الحقيقة الاقتصادية، يتعارض مع قلة الحطب في الصحراء، ويتعارض مع حرص النفس البشرية على ما تملك في وقت الرخاء، فكيف الحال وحروب داحس والغبراء مزمنة؟ ثم وفي ظل اقتصاد رعوي غير مستقر، من أين كان ينفق كرماء القبائل؟ إن من يصدق مدائح الكرم في الشعر الجاهلي سيتأسف لأنه لم يعش في ذلك العصر ليشبع. بل سيحزن لأن العصر الذهبي أفلت منه.
إنه تمجيد الماضي مهما كان الثمن. صيغ المقرر التعليمي وفْق رؤية سلفية تجد كل الخير والأمل في الماضي الذي ينبغي أن نستعيده على الأصعدة كافة... وهذا دفاع عن مُقدس ثقافي يجعل الماضي مرجعاً لكل إبداع، ماضٍ نهدف إلى استعادته للسير نحو المستقبل. إن لبّ هذه السلفية الثقافية هو أن كل الأسئلة قد طرحت، وأجاب عنها القدماء بنباهة، ما علينا إلا أن نسلك الطريق نفسه، الحافر على الحافر، لنعثر على الإجابات المرصّعة بالأصالة. الغريب أن تصميم المقرر قد استند إلى الجزء الأول من كتاب أدونيس «الثابت والمتحوّل»، وخاصة على عنوانه الفرعي «بحث في الإبداع والإتباع عند العرب».
وقد ركّز واضعو المقرر التعليمي على الاتباع وتجاهلوا الإبداع.
للإشارة، يتحدث أدونيس عن الاتباعية في الخلافة والسياسة، في السّنة والفقه، ثم في الشعر والنقد... بل يتحدث عن الحركات الثورية التي لا تسلم للشاعر والإمام من قريش... لكن كل هذا حذف حرصاً على لمعان الماضي الذهبي. كما حذفت قراءة أدونيس المادية التاريخية للشعر العربي واحتُفظ بالشكل الفني فقط. مما يعطي فكرة خاطئة عن عمل أدونيس الذي يؤكد أن الاتباعية في الشعر لا ترجع إلى أسباب فنية.تكرر التعامل نفسه مع الشعر في السنة الثالثة الثانوي (البكالوريا).
إذ يتحدث المقرر التعليمي عن الرومانسية من جانبها السوداوي. نسمع الشاعر الرومانسي يحاور ناره التي تخبو في غرفته. ويتم تجاهل صوت الشابي «إذا الشعب يوماً أراد الحياة»، لأن في استجابة القدر تحدياً «لما كتبه الله لنا»، وطبعاً لا نجد في المقرر صوت درويش يدوّي بعد الهزيمة: بيروت غصتنا، بيروت اختبار الله... يا ألله جرّبناك جرّبناك... وبما أن الشعر الحر «معقّد»، فنادراً ما تقدّم نصوصه في امتحان البكالوريا. وهذا عامل إضافي لإبعاد التلاميذ عن النصوص المشاغبة. وبذلك ألغي كل صوت غير اتباعي، ألغي الزخم الفكري والثوري الذي رافق الشعر الحر. تلاشى السخط على الواقع وتم الاحتفاظ فقط «بالأدبية» وكأنها تجربة معزولة عن السياق الذي ظهرت فيه.
ولا يفسر المقرر للتلاميذ الفارق في التسمية بين «مدرسة أبولو» و«حركة» الشعر الحر. فالحركة فعل، «أكشن»، وهذا هدف شعراء يريدون تغيير العالم لا تأمله. في المقرر الذي درَستُه حين كنت تلميذاً، صُنف شعر محمود سامي البارودي باعتباره كلاسيكية، وشعر جبران خليل جبران باعتباره رومانسية.
في المقرر الحالي استبدلت الكلاسيكية ب شعر «البعث والإحياء» والرومانسية ب شعر «سؤال الذات»، وقد تسبب استبدال المفاهيم بقطع صلة التلميذ بحركة النقد العالمية كما يقدمها محرك البحث غوغل.
هكذا يُدرَّس الأدب داخل المؤسسة التعليمية، لما لهذه المؤسسة من خصوصيات، كطابع المحافظة وترويج خطاب الدولة وحراسة القيم الاجتماعية. لذا يفرض أن تكون النصوص التي تدرس قد مرت من غربال ذي ثقوب جد ضيقة. ثم إنه ولأسباب سياسية، تم ربط المقررات التعليمية المغربية في مواد التاريخ والأدب بالجزيرة العربية. فكتاب التاريخ يزعم أن الأمازيغ، سكان المغرب الأقدمين، قد جاؤوا إلى المغرب من الجزيرة العربية عبر الحبشة وليس مصر. وكتاب الأدب يقول إن الشعر الحقيقي جاء من الجزيرة العربية.
لذا ليس صدفة أن تهيمن السلفية على الذوق الشعري، وليس صدفة أن يعلو صوت الفقهاء وتسيطر المسكنة القدرية على الأرواح، وليس صدفة أن تفتقد ثورات الربيع العربي/الأمازيغي لشعراء يصدحون باسمها. والشعر وقود الثورة والشعراء أنبياؤها... لذا قتل بابلو نيرودا. وثوراتنا اليوم بلا شعراء، لذا فهي عوراء لا تجد طريقها بسهولة، وهي مهددة بالوقوع في غرام العسكر.
يناير 31st, 2014 in آراء ومقالات, الصفحة الرئيسية |
التجمع من اجل الديمقراطية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.