GMT 7:30 2014 الثلائاء 4 فبراير GMT 7:42 2014 الثلائاء 4 فبراير :آخر تحديث * هل تسمح لي بالمرور؟ منير العبيدي، من سلسلة يوميات حمامة في المدينة طباعة باللينو في الحافلة 1 في الحافلة، بعد صفين من المقاعد و في مقعد يقابلني تجلس امرأة مستها السنون برفق فأبقت على جمالها و اشراقة وجهها... أنظر اليها بتأمل، تصغرني ببضع سنين. هذه المرأة التي تجلس في المقعد الذي يقابلني و تصغرني ببضع سنين لا تحس بوجودي، تنظر الى رجل في منتصف العمر واقف في المسافة بيني و بينها، يصغرها ببضع سنين. الرجل الواقف الذي تنظر اليه المرأة التي تكبره ببضع سنين لا يحس بوجودها، ينظر الى شابة تصغره ببضع سنين. الشابة التي ينظر إليها الرجل الذي يكبرها ببضع سنين و الذي تنظر اليه المرأة التي تكبره ببضع سنين و التي ينظر إليها أنا الذي يكبرها ببضع سنين، تجلس بجانبي لا تنظر الى الرجل، لا تحس به و لا بنا، إنما تنظر في كتابها باستغراق. لديها الكثير من الوقت و تحسب، أن في الوقت متسعاً و أن العمر طويل. في الحافلة 2 تجلس السيدةُ العجوز، كما هي عادتُها، على الجانبِ الايمن في مقدمة الحافلة، تنظرُ الى الصاعدين في كل محطةِ توقفٍ و إلى المقعد الخالي الى يسارها، تفكر "من سيجلس بجانبي سوف اتحدث إليه هذه المرة". تتوقف الحافلة في المحطة اللاحقة، يقف طابورٌ من الناس. يبدأ الطابور بالتقلص صعودا، يختفي عندها من المشهد الخارجي عبرَ حاجز الزجاج و يظهرُ في المشهد الداخلي، داخل الحافلة.. في آخر الطابور يقف شابٌ يفسح مجالاً للآخرين. "عسى أن يجلس بجانبي" تفكر " يذكرني بشخصٍ ما .. يرتاح له قلبي". يتقاطرُ الصاعدون مروراً بالمقعد الخالي عندها إلى عمق الحافلة. تبتهل أن يمروا جميعا و أن يجلس هو. يختفي الشاب من المشهد خلف الزجاج فيلوح في مقدمة الحافلة ، يعرض بطاقته على السائق و يسير في الممر بين المقاعد. في هذه اللحظة تحيد بنظرها عنه، تتظاهر انها تنظر عبر زجاج النافذة دون أن يغيب عن بالها. يجتاز الشابُ المقعدَ الفارغ الى عمق الحافلة. تشعرُ بالأسى. يجولُ بعينية متفحصاً المقاعد. يعود فيجلس بجانبها. تلتفت إليه نصفَ التفاتة فترى وجهَه الطفولي، تهم أن تقول شيئا هيأته و كررته مع نفسها كما كلّ مرةٍ، و قبل أن تفعل، يُخرج الشاب من حقيبته كتابا و ينغمر بالقراءة. تشعر بعجزها فتلتفت جهةَ الرصيف، تنظر بأسى. موقفُ الحافلة ينسحب الآن إلى الخلف، يتبعه الرصيفُ، صفُ الاشجار و قرميدُ السطوح، يتسارع انسحابُ الاشجارِ و الاشياءِ و البشر، يزداد تسارعا، تتحول الألوان و الاشكال إلى خطوط أفقية.....ثم و ....رويدا... رويدا.... يتباطأ، تستعيد الاشياء شكلها الحقيقي... تتوقف الحافلة في موقف لاحق. يعاود موقفُ الحافلة الانسحاب ترافقه الاشجار و المباني، بتسارعٍ.... ثم ....يتباطأ .. تتوقف الحافلة، تصل العجوز الى حيث تسكن، تترجل بمهل مُوهَنٍ، تدخل البناية و .... عند شقتها الصغيرة تضع المفتاح في ثقب الباب و تعود الى حيث لا أحد تتحدث معه. شايلوك المتعب في "تاجر البندقية" حين يفشل شايلوك في النيل من خصمه بأن يقتطع من لحمه رطلا كما نص الاتفاق في حالة عدم الوفاء بالدين و بعد ايقن شايلوك انه خاسر، يشعر بالتعب و يطلب كرسيا ليجلس. هنا يسألنا مدرس الانكليزية ادريس: لماذا كتب شكسبير هذا المقطع جاعلا من شايلوك متعبا محبطا؟ جال ادريس ببصره ناظرا الى الصف الصامت و بعد هنيهة أيقن أن عليه هو نفسه أن يجيب: يريد شكسبير أن يجعل من الانسان الشرير المتجبر مثيرا للرثاء و العطف، ذلك لأنه انسان في نهاية المطاف. حين تشاكسنا الاشياء نفطن احيانا لأشياء لم نحسب له حسابا، ثم بلمح البصر نكتشف أمراً طالما تكرر في حياتنا، فنسأل انفسنا و نحن جالسون في الحافلة الذي تأخر عشر دقائق: أليس للأشياء تفكير و سلوك؟ هل تنتقم منا احيانا حين تشعر بالغضب لأنها عوملت بإزدراء باعتبارها خادمة مطيعة؟ تعاملنا حاجاتنا اليومية احيانا بشكل مشاكس و تختار بخبث التوقيت، تحديدا حين نكون على عجالة، القميص يرفض ان يتزرر.. نعيد ربط الحذاء عدة مرات و يفلت... الكيس الذي وضعناه على الطاولة لكي نأخذه معنا يميل... نديره و نركنه على جانب آخر، يعود و يميل... يسقط من الطاولة.... محفظة النقود التي وضعناها في مكانها اختبأت تحت ورقة... حافظة الاوراق لا تدخل في الحقيبة... سحاب الحقيبة يحشر و يرفض الحركة.. المفتاح لا يدخل في ثقب الباب.. نخرج مشعثي الشعر نركض .. يمر الحافلة قبل ان نصل الى منطقة التوقف... ننتظر حتى الحافلة اللاحق الذي تأخر عشر دقائق. الاشياء التي سخرناها طويلا لخدمتنا، تقرر في لحظة تمردٍ جماعي الانتقام منا. برلين أواخر 2013 أوائل 2014 ايلاف