ابتعد الفنان السوري بسيم الريس، عن التشوهات التي كان يتعمد إظهارها في أعماله السابقة، ليضع نفسه أمام مشروع ينطلق من اللوحة ليصل الى الكتابة والفيديو، تحت عنوان «مستر واي». ولم يُحمّل هذه الشخصية التشوهات الإنسانية التي أثقلت لوحاته السابقة، بل أتت أكثر انطلاقاً نحو الحياة، شامخة ودوماً تنظر الى الأعلى، حيث يضعنا في لوحاته أمام حوار بين شخصه والآخر، ليروي من خلال الشخصية التي ابتكرها الكثير من الأحداث، ويصورها ضمن مواقف متباينة. أما أبرز العلامات الفارقة في لوحاته، فكانت أنه يدمغها بدمه في وسط توقيعه الخلفي للوحة. سيرة فنية ولد الفنان السوري بسيم الريس عام 1970 في دمشق، وقد تخرج في الهندسة الزراعية، التي تركها لاحقاً ليتفرغ للفن. شارك في مجموعة من المعارض الجماعية، وله معارض فردية. وإلى جانب الفن يحمل تجربة أدبية، وقد حاز جائزة غانم غباش عن القصة القصيرة «الرجل والكرسي المتحرك». توقيع بالدم يوقّع بسيم الريس لوحاته بالدم، حيث يقوم ببصم اللوحة من الخلف بدمه في وسط توقيعه في قلب حرف «واي». ولفت الى أن هذه الخطوة يقوم بها منذ زمن طويل، وقد اختار هذه الوسيلة للتعبير كون اللوحة تشكل حياته وعمره وعمله، وهي تجربته وخياله ومعرفته، وبالتالي يبقى أن تحمل جزءاً عضوياً، وحتماً ستكتمل من خلال البصمة بالدم. على كل جدار لوحة قدم الريس منذ عام 2011 مشروعاً تحت عنوان «على كل جدار لوحة»، وقدم من خلال المبادرة مجموعة من اللوحات إلى أي شخص في العالم يريد أن يقتني لوحة. وقال عن المشروع، «رسمت مئات اللوحات لمدة سبعة أشهر، ووصلت أعمالي الى الكثير من البلدان، وكان هدفي من المشروع اعطاء الدهشة للناس، وقد تلقيت الكثير من الرسائل التي تبرز فرح الناس بإمكانية الحصول على لوحة». أما في ما يتعلق بثقافة اللوحة واللون في المنزل، فقد لفت الريس الى أنه قدم من خلال مشروعه «مجموعة من الرسائل تصب في أهمية اقتناء لوحة، وكذلك ايصال اللوحة للناس»، مشيراً الى ان المبادرة لم تلق الدعم الكافي بسبب التوقيت، حيث تزامنت مع الثورة التونسية. وقدم الريس في المعرض الذي افتتح أخيراً، في غاليري بوجنسكايا في أبراج بحيرات الإمارات، 24 عملاً، اعتمد فيهم على التكثيف اللوني، حيث جاءت أبجديته مختصرة، تدخل في أعماق النفس لتخرج كل ما تكتنزه من طاقات تبعث على الأمل. هذا الأمل الذي يقدمه الريس ينبع من الحاجة الملحّة له في الوضع الراهن الذي يخيم عليه التوتر والحزن. وقد كرس لشخصيته مجموعة من الأدوار الحياتية واليومية التي تجعله يبدو مشاكساً في بعض الأحيان، بينما أقرب للمسالمة في أحيان أخرى، فهو السياسي، وأحياناً الحكواتي، وأحياناً العظيم، أو حتى المهرج، أو البطل، أو الطفولي. انه شخص يحمل أهدافاً وآراء في الحياة، مولود يبث السلام أينما حلّ. كل هذه الإيجابيات، تشكل النقلة في أعمال الريس تشبه عملية تخلص من بقايا الحزن الذي رافق أعماله لفترة طويلة. على الرغم من حرص الريس على بثّ الحياة في اللوحات الا انه مازال يحتفظ ببعض التشوهات التي كانت تسيطر على أعماله، فحمّل «مستر واي» ثلاث أقدام في احدى اللوحات، أو ست أصابع في القدم الواحدة، فهو مازال حريصاً على استخدام هذه التكوينات الفائضة عن الحاجة البشرية ليبرز مشكلات عصرية انهكت المجتمع. اما الحرف الذي أدخله على اللوحة، فهو شكل من أشكال التواصل واللغة، فالرموز هي الأساس، وهذا يتضح من خلال ربطة العنق أو التفاحة التي وجدت في الكثير من اللوحات. وقال الريس ل«الإمارات اليوم»، ان «هدف الشخصية التي ابتكرتها أن أخرج من ذاتي، وهي شخصية أتحاور معها يومياً، وهو مشروع اكبر من لوحة، سيبدأ بلوحة ثم النصوص ثم الفيلم، وقد ابتكرت الشخصية كي اقتل الوحدة في مرسمي، ونتحاور معا على نحو دائم». ولفت الى أن الشخصية تحمل الكثير من المقولات في السياسة والاقتصاد، ولد في القمة وسيبقى محلقاً، ولديه أهداف وهموم. واعتبر الريس ان هذا المشروع يخرجه من التشوهات التي شغلت أعماله، موضحاً أن الحياة فيها الكثير من الأوقات الجميلة التي يجب أن ننقلها. وبيّن أن اللوحات التي قدمها حملت الكثير من الألم والوحدة، ولكن الأوضاع الراهنة اليوم تجعلنا بحاجة الى بصيص أمل والبحث عن الفرح. واعتبر أن الواقع السوري أثر في كل الفنانين السوريين، مبيناً أنه تأثر بالأوضاع وعمل عليها في بداية الأزمة، ولكن الإدراك بعد فترة يتطور، لذا فإن التحدث عن الحدث يجب أن يكون بعد انتهائه وليس في لحظة انفعالية معه. وشدد على أن انفعاله قاله بشكل صريح، فهو ضد السلاح والقتل من اي جانب، وان التعبير يجب ألا يكون تحت صوت السلاح، لذا العمل الحالي هو المحافظة على القوة والحياة، وبث الطاقة والتحفيز على الحياة، فلابد من النهوض من تحت انقاضنا البشرية. ورأى الفنان السوري أن الحركة التشكيلية السورية في حالة ارتجاج، وليس من السهل ان نقرر ماذا سنقدم، لابد ان يكون الفنان بحالة انتظار، وليس تقديم العمل المباشر، فاللوحة ليست نشرة اخبارية، وهذا يعتمد في الاخير على وعي الفنان. واعتبر الريس ان اللوحة هي الرقم واحد في حياته، فهي أول اهتماماته، وهي التي تأخذه وتقوده، فقد ترك وظيفته والهندسة الزراعية لأجل اللوحة، مؤكداً أنه ليس من السهل على الفنان المضي في الطريق، وانما هو قرار يتخذه. أما في ما يتعلق بالاقتناء في العالم العربي، فلفت الى أن البعض يستثمر في الفن بالعالم العربي، فهناك من يستثمر الفنان المغمور ويخرجه الى العالم، ولكن احياناً الفنان لا يكون ضمن الدائرة التي ترتبط بالعالم المالي. وشدد على أنه لا يؤمن بالمؤسسات وعملها في دعم الفرد، بل يؤمن بقوة الفرد. وفي موضوع الاحتكار الفني، أشار الريس الى أن بعض العقود الاحتكارية مع الغاليريهات، لا تناسب الفنانين في بعض الأحيان، فأحياناً العقود تكون لمصلحة الغاليري وليس للفنان، وأوضح وجود بعض العقود الاحتكارية التي تكون عادلة للفنان وهي مقبولة، ولكن في الاخير هذه الامور كلها يحكمها حبّ المتفرج للوحة. الامارات اليوم