اعتبرت افتتاحية الواشنطن بوست الأسبوعية أن الثورة الأوكرانية أنهت فصلها الأول بنجاح بعد أن لفظت رئيسها الفاسد وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من التخلص من هيمنة الكرملين، لكنها بدخولها الفصل التالي تواجه تهديدين خطيرين: احتمال مواجهة الحكومة الجديدة لانهيار اقتصادي مع توقف الدعم المالي الروسي، واحتمال انفصال المنطقة الجغرافية المتاخمة لروسيا المعروفة بشبه جزيرة القرم، التي يتحدث أهلها الروسية والذين أبدوا رفضهم للنظام الجديد وعبروا عن تأييدهم للرئيس المخلوع ولروسيا عبر المظاهرات والاحتجاجات التي أعقبت تغيير النظام. وذكرت الافتتاحية بهذا الصدد أن فرار الرئيس فيكتور يانكوفيتش من كييف خلال عطلة نهاية الأسبوع أدى إلى تفكك إدارته وإحلال البرلمان الأوكراني رئيسًا جديدًا محله، والإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة تجري في مايو المقبل. وقد أدى هذا الحراك الديمقراطي إلى أن تدار كييف الآن من قبل أحزاب موالية للغرب، تضع على رأس جدول أعمالها إنفاذ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي أوقفه الرئيس المخلوع قبل نحو ثلاثة أشهر، بما شكل أحد الأسباب الرئيسة في اندلاع الثورة. وترى الافتتاحية أنه يمكن تجنب الكوارث المتوقعة بعد تغير نظام الحكم بأن يلجأ قادة أوكرانيا الجدد إلى تبني سياسات تصالحية لطمأنة الأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية، وبأنهم لن يتعرضوا للانتقام أو التمييز، وأنه سيتم تطبيق الديمقراطية وفرض سيادة القانون ليشمل ذلك كافة الأراضي الأوكرانية. كما ينبغي استقطاب بعض أعضاء حزب الرئيس المخلوع في الحكومة الجديدة، وأن تجري ملاحقة مجرمي النظام السابق على نطاق ضيق. أما فيما يتعلق بمواجهة مخاطر الانهيار الاقتصادي المتوقع في ظل وقف الدعم الروسي المالي، فإنه لابد لأوكرانيا من الحصول على تمويل من صندوق البنك الدولي، وهو ما يتطلب تدابير تقشفية قاسية، مثل خفض دعم الطاقة. لكن توقيع اتفاق مع الصندوق لن يتحقق قبل انتخاب الحكومة الجديدة. وهو ما يتطلب أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات عاجلة لكييف، وسوف يتعين على الحكومات الأوروبية التي كانت تبدي ترددًا في السابق إزاء تقديم الدعم لهذا البلد الذي ظل يعاني من الفساد منذ عقدين، أن تغير نظرتها لأوكرانيا الآن بعد أن بدأت تبتعد عن دوائر الفساد مع تغير النظام. وتضيف الافتتاحية أن القادة الغربيين، بما في ذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل حاولوا جاهدين إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم عرقلة التغيير في أوكرانيا. فالبلاد ليست في حاجة إلى أن تصبح بمثابة رهينة لعبة يتبارى فيها الشرق والغرب وتكون نتيجتها صفرًا، وإنما يمكن لأوكرانيا أن ترتبط مع الاتحاد الأوروبي برباط الشراكة دون الحصول على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي، وتحتفظ في ذات الوقت، بروابطها الاقتصادية مع روسيا. كما أن القادة الأوكرانيين الجدد يتفقون مع نظرائهم الأوروبيين بأنه من الأفضل عدم انضمام أوكرانيا للناتو لطمأنة روسيا. لكن لا يمكن استبعاد الاحتمال بإمكانية أن يكرر بوتين في أوكرانيا ما سبق وأن فعله عام 2008 بغزوه جورجيا، لاسيما في ظل الحقيقة بأنه من السهل على روسيا التصالح مع نظام ديمقراطي مستقل في أوكرانيا، وهو ما يتطلب من الغرب التأكيد على أن أي تدخل عسكري روسي في أوكرانيا سيكون كارثيا ليس بالنسبة لأوكرانيا فقط ، وإنما أيضًا بالنسبة لروسيا أيضًا. لكن في ظل الصمت الذي يلوذ به بوتين حتى الآن يظل السؤال قائمًا: هل يقبل سيد الكرملين أن تخرج أوكرانيا عن سيطرته ..أم سيعمل على دعم الانفصاليين في القرم؟.. هذا ما ستكشف عنه الأيام القليلة المقبلة. صحيفة المدينة