عقد وزراء الخارجية العرب في الكويت أمس، اجتماعهم التحضيري للقمة العربية العادية الخامسة والعشرين، بعنوان «قمة التضامن من أجل مستقبل أفضل»، بعدما أقروا مشاريع القرارات للقمة، متجنبين التطرق الى المواضيع الخلافية المتعلقة بالعلاقات بين دول مجلس التعاون حتى لا تجهض القمة التي تبدأ أعمالها غداً ليومين، تحت وطأة الأزمات المثقلة والهموم العربية الكثيرة. الكويت (السفير) وفي ما يمكن أن يشكل مؤشراً على الأجواء التي تخيم على القمة، التي يمكن وصفها بقمة النأي بالنفس عن الخلافات العلنية، فإن الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، قد يكون الغائب الأبرز عن القمة، في حين تمثلت الرياض أمس، بنائب وزير الخارجية الأمير عبد العزيز بن عبدالله. أما الإمارات فقد تمثلت بوزير الدولة سلطان بن أحمد سلطان الجابر، في انتظار أن يرأس الوفد الإماراتي غداً حاكم الفجيرة حمد الشرقي. وفي وقت أكدت فيه وكالة الأنباء القطرية«قنا» أن الأمير تميم بن حمد آل ثاني سيتوجه إلى الكويت اليوم للمشاركة في أعمال القمة، أعلن الديوان الملكي البحريني أن ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة سيترأس وفد المملكة في القمة. وفي هذا السياق، أشار الأمين العام المساعد للجامعة العربية للشؤون السياسية فاضل جواد إلى وساطة كويتية ستكون على هامش أعمال القمة لرأب الصدع بين الجيران الخليجيين ومحاولة حلحلة الأزمة، إلا أن وزير الخارجية المصري نبيل فهمي استبعد حصول مصالحة حقيقية ما لم تتبدل المواقف والسياسات لبعض الدول. وبحث الوزراء خلال اجتماعهم، العديد من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، أبرزها الأزمة السورية وما يترتب عليها من معاناة إنسانية للاجئين والنازحين والقضية الفلسطينية وملفات عملية السلام في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مناقشة التضامن العربي الكامل مع لبنان وتوفير الدعم السياسي والاقتصادي له. وفي كلمته الافتتاحية، تناول رئيس القمة النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي صباح الخالد الحمد الصباح القضايا العربية وفي مقدمتها الأزمة السورية، مجدداً مطالبة السلطات السورية «بالكف عن شن الهجمات ضد المدنيين ووقف الاستخدام العشوائي للأسلحة في المناطق المأهولة بالسكان». ودعا صباح الخالد المبعوث الدولي والعربي المشترك إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي إلى الاستمرار في بذل المزيد من الجهود لمواصلة عمله مع جميع الأطراف لاستئناف المفاوضات، مؤكداً أن «لا حل عسكرياً للأزمة في سوريا». وفي الشأن الفلسطيني، شدد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي وخاصة مجلس الأمن واللجنة الرباعية بشكل عاجل لوقف الاعتداءات الوحشية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة مؤخراً، والحصار الجائر الذي تفرضه على القطاع وكذلك الانتهاكات المستمرة لحرمة المسجد الأقصى وتغيير التركيبة الديموغرافية لمدينة القدس واستمرار سياسة الاستيطان. قطر من جانبه، دعا وزير الخارجية القطري خالد العطية، في كلمة خلال الاجتماع، إلى تحقيق مصالحة فلسطينية حقيقية، معرباً عن الدعم الكامل لكلّ ما يحافظ على وحدة الشعب السوري ويحقّق تطلعاته، مؤكداً أنّ الوضع في سوريا بات أكثر تعقيداً، ما يؤكد ضرورة تضافر الجهود لانتشال سوريا من هذه المحنة. وطالب العطية بالدعم السياسي والمادي والتضامن بحزم وتدعيم قدرات «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، وحثّ مجلس الأمن الدولي على «تحمّل مسؤولياته لإنهاء عملية القتل والتدمير التي يرتكبها النظام السوري ضد الشعب، وفرض وقف لإطلاق النار بقرار من مجلس الأمن وفق الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة». العربي من جهته، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي أن ترؤس دولة الكويت لأعمال هذه القمة وما تتمتع به من إدارة حكيمة «سيكون له أبلغ الأثر على تقريب وجهات النظر، وتنقية الأجواء العربية لخدمة المصالح العربية الكبرى وتفعيل قيم التضامن العربي طبقاً لشعار القمة». وفي ختام أعمال القمة، قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، في حديث إلى الصحافيين، إنه «لم يكن هناك توتر بأي شكل من الأشكال، والكويت البلد المضيف عمل على تسهيل النقاشات». وأوضح الوزير العراقي أن مسألة «استدعاء السفراء لم تطرح والأجواء كانت إيجابية جداً»، مؤكداً أنه تمت الموافقة على جميع مشاريع القرارات بالإجماع. من جهته، قال وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة إن «كل المسائل لم تناقش خلال الاجتماع، وتم التطرق إلى بعضها على الهامش»، من دون أن يقدم تفاصيل إضافية. كما قال وزير الدولة المغربي للشؤون الخارجية صلاح الدين مزوار إن الاجتماع تطرق إلى سبل مكافحة الإرهاب، إلا أنه لم يتم التطرق إلى احتمال وضع جماعة «الإخوان المسلمين» على لائحة المنظمات الأرهابية. وقال الأمين العام المساعد للجامعة العربية للشؤون السياسية فاضل جواد إنه سيتم تخصيص جلسة خاصة خلال القمة للمواضيع الخلافية بين الأعضاء. إلا أن وزير الخارجية المصري نبيل فهمي استبعد حصول مصالحة في القمة العربية، قائلاً، خلال مؤتمر صحافي، «لا أتوقع أن نخرج من قمة الكويت والأطراف مقتنعة أن الأمور تمت تسويتها لأن الجرح عميق». وأضاف أنه «وحتى إذا توصلنا إلى صيغة وهذا مستبعد.. نحتاج جميعاً إلى فترة لكي نقيم ترجمة هذه الصيغة إلى التزام حقيقي بمواقف وخطوات تنفيذية تعكس تغييراً في السياسات»، مؤكداً أنه لم يلتق نظيره القطري خلال الاجتماعات التحضرية للقمة. وأعرب فهمي عن أمله بأن تشهد القمة «بداية معالجة حقيقية» للقضايا العربية «لأن عملية المصالحة الوقتية لا تنفع.. والقضايا أعمق من هذا». ودعا مشروع قرار حول الوضع في سوريا، مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته بعد فشل مؤتمر «جنيف 2» بين النظام والمعارضة. ودعي رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض أحمد الجربا إلى إلقاء كلمة أمام القمة، إلا أن مقعد سوريا خلال القمة لن يعطى إلى الائتلاف بانتظار ترتيب وضعه الداخلي بشكل أفضل. ومن بين مشاريع القرارات أيضاً، هناك دعوة لإعطاء السلطة الفلسطينية مئة مليون دولار شهرياً. كما أقر وزراء الخارجية العرب شرعة المحكمة العربية لحقوق الإنسان، التي سيكون مركزها في البحرين، وتم الاتفاق على أن تعقد القمة المقبلة في العاصمة المصرية، في دورتها السادسة والعشرين في آذار العام 2015. وبحث الاجتماع الأوضاع في ليبيا واليمن وتأكيد سيادة الإمارات الكاملة على جزرها الثلاث «طنب الكبرى» و«طنب الصغرى» و«أبو موسى»، وملف دعم السلام والتنمية في السودان، والوضع في الصومال، ودعم جمهورية القمر المتحدة، بالإضافة إلى النزاع الجيبوتي - الأريتري مع تأكيد ضرورة احترام سيادة جيبوتي ووحدة وسلامة أراضيها. وناقش الوزراء أيضاً قضايا مكافحة الإرهاب الدولي ومخاطر التسلح الإسرائيلي على الأمن القومي العربي، والسلام الدولي وجهود إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، إلى جانب التحضير العربي ل«المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية»، وكذلك العلاقات العربية - الأفريقية والشراكة الأوروبية - المتوسطية ومشروع النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان وتقارير وتوصيات بشأن إصلاح وتطوير الجامعة العربية. إلى ذلك تأكد حضور 13 رئيس دولة، أبرزهم المصري عدلي منصور، والفلسطيني محمود عباس، واللبناني ميشال سليمان، والسوداني عمر البشير، والملك الأردني عبدالله الثاني. واللافت هو غياب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، حيث سيرأس وفد العراق القائم بأعمال رئاسة الجمهورية خضير الخزاعي. وافق مجلس وزراء الخارجية العرب على مشروع القرار الذي قدمه وزير الخارجية والمغتربين اللبناني جبران باسيل أمس، إلى الاجتماع التحضيري للمجلس، لتقديم الدعم العسكري للجيش اللبناني وتعزيز قدراته. وكان باسيل دعا في كلمته نظراءه، أن «لا تقاطعوا لبنان ولا تنقطعوا عن السياحة فيه، ولا تحذروا مواطنيكم من المجيء إليه مغبة سوء أمن سياسي تجاهكم. فلبنان لم يؤذ يوماً أي دولة عربية عمداً». ورأى أن «للبنان مخرجاً أكيداً من ديونه وأزمته الاقتصادية إن هو استفاد سريعاً من ثروة نفطية وغازية نائمة في أعماقه؛ ولبنان عندها لن يكون عالة على أي منكم، بل سيكون عنده رفاه يعطيه استقلالاً مالياً يريحكم ولا ينتقص من أي منكم تأثيراً أخوياً أو نفوذاً معنوياً، بل يعطيكم بدائل طاقوية ويؤمن لكم باحة استقرار واستثمار على شاطئ المتوسط ربطاً بكل منافذه ومنفذاً غربياً لكم». وكرر وزير الخارجية اللبناني الكلام عن أزمة النازحين السوريين، التي «هي أزمة كيان ووجود للبنان، والتي استصدرتم مشكورين في دورتكم العادية (141) القرار رقم 7738، تاريخ 9/3/2014، بغية أن تتحملوا معنا أعباء النازحين وأعدادهم وتساعدوا الدولة اللبنانية وأجهزتها في تحمل أعبائهم، كل ذلك بهدف وقف تزايدهم فوراً، وإعادة توزيع أعدادهم إليكم وإلى مخيمات آمنة خارج أراضي لبنان، وصولا إلى إعادتهم إلى سوريا بأقرب وقت ممكن نتيجة حل سياسي سلمي لأزمتها. بل جئت إليكم ثالثاً لأطلب دعمكم لجيش لبنان». وسأل «هل يصدق أحد أن 400 مسلح في طرابلس يحتجزون ويتكلمون باسم 400 ألف مواطن طرابلسي؟ إن المصيبة واقعة وشعب لبنان محتجز من إرهاب حاقد أعمى لا يمكن أن يحرره منه سوى جيش لبنان الذي يخلصكم أنتم بالتالي من وصوله إليكم. فجيش لبنان القوي يمكن أن يكون جيش العرب أجمعين في مواجهتهم للإرهاب، وجيش لبنان القوي هو ما يؤسس للبنان قوي ولدولة قوية فيه تكون أقوى من كل أطرافها من دون أن تستقوي على أي منهم إلا بالقانون». وأكد أنّ «التحدي كبير أمامكم في معركتنا المشتركة ضد الإرهاب، ولبنان ساحتها الأولى إن هو اختار أو لا وإن نأى بنفسه عنها أو أقحمها؛ ولبنان ساحة الاختبار دائماً، قدره أن يدفع عن نفسه وعن غيره ثمن تجارب وأزمات ونكبات». وكان باسيل عقد جلسة عمل أمس، في فندق «شيراتون»، مع نظيره القطري خالد العطية على هامش الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب، تناولا فيها قضايا ثنائية، منها قضية المحتجزين في سوريا، وأخرى متعلقة باللبنانيين. وبعد اللقاء الذي استغرق 45 دقيقة أكد باسيل أن لبنان «قدم مشروع قرار بخصوص دعم الجيش في مقاومة إسرائيل ومكافحة الإرهاب»، آملا «أن نلقى دعماً عربياً جامعاً وكاملاً». وطمأن «اللبنانيين إلى أن كل الشائعات والمخاوف غير صحيحة في موضوع وجودهم في قطر، ومعاملات إقامتهم فيها وغيره»، كاشفاً أن «الوزير العطية أكد لي أن كل الأمور تحلّ، وليس هناك أي نية لأي إجراء جماعي ضد اللبنانيين». وفي شأن موقف لبنان النأي بالنفس عن موضوع إشغال «الائتلاف الوطني» لمقعد سوريا، أكد باسيل «أن موقف لبنان واضح ومكرر، وهو النأي بلبنان عن هذا الموضوع، لأن هناك خلافاً سورياً - سورياً في ظل عدم توافق سوري - سوري على هذا الموضوع، معنى ذلك أن لا مصلحة لسوريا»، معتبراً أنه «يجب على الجامعة ان يكون لديها الهامش من الحركة، ومن القدرة على أخذ المبادرة اللازمة والقدرة على التحرك بالنسبة للموضوع السوري بما يحقق المصلحة». من جهة أخرى، عرض باسيل مع نظيره العراقي هوشيار زيباري بعض القضايا ذات الاهتمام المشترك الواردة في جدول أعمال المجلس وقضايا ثنائية تهم البلدين. وقبيل مغادرته لبنان، تلقى باسيل برقية تهنئة من نظيره الروسي سيرغي لافروف لمناسبة توليه مهامه الجديدة في الوزارة. /2819/ وكالة انباء فارس