لم يعد وقت القارئ منفسحًا أمام كُُتّاب الرأي في الصحف ليكتبوا ما يريدون، وبالمساحة التي يرغبون، فمع دخول فضاءات عديدة أتاحت الفرصة أمام طرح الآراء بإيجاز وسرعة وحرية، بات من الضروري أن يأخذ كتّاب الرأي في الصحف ذلك في اعتبارهم، فمن المؤكد أن كثيرًا من المقالات المطولة في الصحف لم تعد جاذبة لقطاع عريض من القراء، كما أن المقالات التي لا تهتم بشأن الناس العام، لم تعد محل متابعة وحفاوة لدى القراء الذين يبحثون عما يخصهم أو يضيف إليهم بأوجز العبارات وأوضح الأساليب بعيدًا عن التطويل والإسهاب واستهلاك اللغة بصورة مجانية.. والواقع أن كثيرًا من الدراسات والأبحاث تسعى اليوم إلى سبر أغوار واقع تأثير كُتّاب الرأي العام في الصحف ومدى نفاذ آرائهم إلى الجمهور وكيفية تلقي هذه الآراء من قبل الجمهور والرسائل المرتجعة من قبلهم والإشارات التي تحملها، في عالم أصبح يختصر وجهة النظر والرأي في 140 حرفا عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ويكون هذا الرأي محل جدل واسع وكبير على كل المستويات، بينما نجد مقالة مطولة في إحدى الصحف الورقية أو الإلكترونية لا تحظى بعدد كبير من القراء علاوة على انعدام التعليقات والترشيحات للطباعة والحفظ. عدد من المثقفين ناقشوا في هذه المساحة واقع الحال بالنسبة لكتاب الصحف، وما عليهم أن يقوموا به إن أرادوا الاستمرار في ساحة التأثير في القراء.. تغيّر المعادلة بداية يقول الكاتب الدكتور سعود كاتب: إن كُتّاب الصحف الورقية لا يزالون يحدثون تأثيرًا على الرأي العام، ولكن يبقى الاختلاف في درجة هذا التأثير هل هو مرتفع أم منخفض، هل يكون في نطاق واسع أم ضيق، وهو ما يحتاج إلى دراسة علمية ومسحية من أجل تحديد مدى هذا التأثير، فمع التطورات الحديثة والتقدم التكنولوجي الهائل الذي نشهده في مجال الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي وظهور الصحف الإلكترونية وصحافة المواطن، يمكن أن نقول بأن درجة هذا التأثير انخفضت بسبب أن النخب تغيرت وتشكلت من جديد، فلم تعد النخب هي نفس النخب المثقفة قديمًا، فعندما ندخل على مواقع التواصل الاجتماعي في تويتر وغيره فإننا نجد نخبًا جديدة بدأت تؤثر على الرأي العام، ولها متابعون، وتحظى باهتمام كبير، وبالتالي فإن معادلة هذه النخب تغيرت ومعها تغير هذا التأثير الذي كان لكُتّاب الصحف وكُتّاب الرأي فيها، ولم تعد لهم نفس الدرجة من التأثير على الرأي العام كما كان في الماضي حينما كان هؤلاء الكُتّاب يؤثرون في تشكيل رأي الشارع، وعندما كان كل ما يكتبوه هو القدوة لكثير من المتابعين. ويتابع سعود حديثه مضيفًا: باختلاف معادلة النخب هذه مع ظهور الإعلام الجديد وتوسعه اختلفت معادلة التأثير وأصبح هؤلاء الكُتّاب يكتبون من منطلق ماذا يريد الشارع والرأي العام في محاولة أن يجاروا ماذا يريد الشارع، وأصبحوا يتبعون سياسة القطيع من بعد أن كانوا يشكلون هذه السياسة، وذلك من أجل البحث عن الشهرة التي فقدوها، وهذا الاختلاف والتغير كله ما كان ليتحقق لولا ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، وظهور نخب جديدة ليست من نخب المثقفين ولا من نخب كُتّاب الصحف إنما نخب جديدة تشكلت في هذه المواقع وأصبحت تشكل رأيًا مختلفًا، والواجب هو الالتفات إلى هذه النخب والاهتمام بها. ويخلص سعود إلى القول: لكي يضمن كُتّاب الصحف بقاء ما تبقى لهم من التأثير على الرأي العام أو حتى إعادة مكانتهم في التأثير فإن عليهم اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي الجديدة لكي يروجوا من خلالها ما يكتبون والاستفادة من هذه المواقع لإيصال صوتهم ورأيهم لأكبر شريحة من المتابعين، حيث إننا اليوم نجد أن نسبًا كبيرة من أرقام توزيع هذه الصحف الورقية التي يكتبون فيها قد انخفضت، وفي المقابل نجد أن بعض الكُتّاب يكون لهم متابعون على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي يقرءون لهم ويتابعونهم أكثر بكثير ممن يقرأ لهم فقط من خلال الصحف الورقية، ولذلك هم بحاجة إلى الاستفادة من هذه الوسائل الحديثة لضمان وصول صوتهم وإحداث التغيير الذي يريدونه. فرز وتحليل ويقول الكاتب والمترجم خالد الغنامي: إن لكُتّاب الصحف دورا كبيرا في مجتمعنا خاصة أولئك الذين لكُتّابهم مصداقية ولآرائهم قيمة، وهذا لا ينطبق على كل الكُتّاب إنما ينطبق على من يثق فيهم فرأيهم قد يمثل بذرة في تكوين رأي عام حول قضية مهمة أو خطيرة أو ما إلى ذلك، والكاتب المهم وصاحب المصداقية الذي له اسم على الساحة هو من استطاع اليوم أن يثبت وجوده في ظل ظهور الإعلام الجديد، فالمتابع اليوم أصبح لديه وعي أكثر مما كان في السنوات السابقة، وأصبحت لديه قدرة على الفرز والتمييز بين كاتب وآخر، كما أن لدى بعض المتابعين ما يعرف بالأجندات الخاصة لكل كاتب، فهم يميزون بين كاتب موثوق فيه، وآخر غير ذلك، وآخر يناقش بعض القضايا أفضل من الآخر، وهكذا فنجد أن لدى المتابع اليوم القدرة على الفرز والتحليل لحال الكُتّاب وكُتّاباتهم، فالكاتب الذي استطاع أن يثبت مصداقيته وقدرة قلمه لدى الرأي العام هو من استطاع أن يندمج بكل سهولة مع الإعلام الجديد بحيث ان هذا الإعلام يعد رافدًا للإعلام الورقي أو التقليدي بعيدًا عن اعتبار الأمر بمثابة عداوة وأيهما أفضل أو أيهما أحق بأن يتابع ومن يتميز على من، فاندمج كثير من كُتّاب الصحف بشكل عادي عبر هذا الإعلام الجديد وأصبح تويتر يمثل لبعضهم رافدًا مهمًا. مضيفًا: إن الشعور العام في العالم اليوم يتمثل في أن الصحف الورقية بدأت تفقد قراءها لصالح الإعلام الجديد وعالم الانترنت والشبكة العنكبوتية، فمثلًا تويتر قد كشف لنا عن واقع بعض الكُتّاب حيث تجد كاتبًا له عشرات السنين يكتب في بعض الصحف وله عمود ثابت فيها وله شهرة عالية وكبيرة ومع ذلك وحينما دخل عالم تويتر مثلًا تفاجأ أن متابعيه لم يتجاوزوا ال500 شخص، بينما شخص لم يكن أحد يعرفه وحينما بدأ يخوض الكتابة في تويتر وجدنا متابعيه يفوق الآلاف، وإن كنت أتحفظ على بعض تلك الأرقام من المتابعين وما قد يحصل فيها تلاعب، ومع ذلك فهذه الأرقام تعتبر مؤشرا كبيرا يمكن أخذه في الاعتبار. ويمضي الغنام في حديثه بقوله: ما زال لدى كثير من كُتّاب الصحف اليوم ربكة كبيرة تجاه هذا العالم الجديد وكيفية التعامل معه أو محاولة الاستفادة منه لإيصال صوتهم ورأيهم للمتابعين، ومع ذلك لا يحق لنا أن ننظر باتجاه أن هذا العالم الافتراضي خصم أو عدو بل هو حقيقة معاشة لا بد أن نتعامل معه ونكيفه لصالح المصلحة الشخصية والمصلحة العامة ومصلحتنا الوطنية بالدرجة الأولى، فنحن بحاجة إلى أن يستمر هؤلاء الكُتّاب في بث الوعي للناس، فالناس لا يزال فيهم جهل وغوغائية، وهذا دورهم للحد من الكثير من الإشاعات المغرضة ضد الوطن، وتغيير كثير من المفاهيم الخاطئة في أذهان الناس، وكل ما نجده اليوم وما كشفه تويتر تحديدًا لابد أن يعالج بطريقة فعالة وبمشاركة هؤلاء الكُتّاب الواعين وأصحاب الأقلام الراشدة لا بطريقة الحجب والمصادرة، والتعامل مع جيل الشباب الذين لديهم الكثير من التساؤلات ولديهم الكثير من الإشكاليات بالمشاركة والتوعية وليس بالرفض واستحضار الخصوم فالأمور لا تؤخذ بهذه الطريقة. ويخلص الغنام إلى القول: مهمة الكاتب الصحفي اليوم هي التعقل والانضباط في كل ما يكتب، ومحاولة تثقيف الناس وخاصة تثقيفهم إعلاميًا في ظل هذا العالم الإعلامي الواسع، كما أن الخبر لم يعد اليوم هو القضية في الصحف الورقية أو ما يبغي أن تهتم به بل قضيتها اليوم هي وجود الكاتب المتميز على صفحاتها والذي تتابعه الناس ويطلبه الجمهور ويهتمون لما يكتب وما يطرح من آراء وما ينطلق فيه من حكمة وفلسفة تهم الجميع وبالتالي يجب الاهتمام به فهو البقية الباقية للصحف الورقية اليوم، وفي ظل الحرص الذي نجده من قبل الكُتّاب على صحفهم التي يكتبون فيها لما تمنحه لهم من امتيازات وقيمة أكثر قل أن يجدوها في بعض المواقع الأخرى. استطلاع للقياس ويرى الكاتب والدكتور حمزة المزيني أن النظر إلى واقع تأثير كُتّاب الصحف في الرأي العام بحاجة إلى معلومات لقياس رأي الناس، فالرأي مسؤولية ولا يمكن أن نقول في هذا الأمر شيئا إلاّ عند وجود حقيقة وقياس موجودة عن هذه المسألة، مشيرًا إلى أنه لا يهتم بما يثار من قبل القراء والمتابعين حول مقالته التي يكتبها بشكل أسبوعي، حتى انه لا يعلم من يقرأها ومن لا يقرأها، فهو -كما يرى- يقوم بواجبه في التعبير عن رأيه وبعد ذلك فالناس أحرار لهم الحق مثله في أن يفكروا في أشياء مختلفة عنه في الموضوع الذي ناقشه أو كتب عنه، لذلك فهو لا يبحث عمن قرأ ومن لم يقرأ فهذا لا يهمه لأنه يحترم الناس، فلهم الحق في أن يقرأوا كما يريدون ولمن يريدون. ويضيف: الحكم بأن لمقالتي أو لمقالات الكُتّاب الآخرين أثرا أو ليس لها أثر فهذا لابد أن يكون مبنيًا على استطلاع واستقصاء ومعرفة لشريحة كبيرة من المتابعين ولا يجوز فيه الجزم برأي واحد، لأن هذا قد يخل بأحد مكونات الدراسة المتكاملة في هذا المجال. كما أن إعطاء رأي في مثل هذا الموضوع لابد أن يبنيه صاحبه على مصداقية عالية وطرق كثيرة لكي يكون متيقنًا من هذا الرأي والمعلومات المكونة له، ولا ينبغي أن يصدر الشخص كلامًا إنشائيًا، فمراكز المعلومات والدراسات مهمة في تكوين صورة واضحة عن مثل هذا الموضوع، أما الرأي الانطباعي فلكل كاتب أو متابع رأي مختلف عن الآخر. معيار عدد القراء وقريبًا من رأي المزيني يقول الدكتور خالد الدخيل: لا شك أن تأثير كُتّاب الصحف لا يزال واضحًا، لكن الإجابة عن مثل هذه التساؤلات المتعلقة بتأثيرهم في عالم اليوم لا نستطيع الإجابة عنها دون أن نملك قياسا لاتجاهات الرأي العام، وكل ما يمكن أن يقال غير هذا هو مجرد انطباع، ولكن يبقى المؤشر الوحيد الذي يمكن أن ننطلق من خلاله هو مقدار عدد القراء لهذا المقال أو ذاك، وأتذكر أن بعض القراءات لبعض مقالاتي أو لواحد منها وصل إلى 75 ألفًا، بينما تجد عدد القراء لمقال آخر لا يتجاوز 7-10 آلاف، فهذا هو المؤشر الوحيد، وكوننا لا نملك في البلد عملية قياس رأي عام في القراءة فإننا سنلجأ إلى هذه الأحكام الانطباعية التي قد تكون موجودة في تويتر أو غيره، وما هو مهم في مدى معرفة تأثير كُتّاب الصحف على الرأي العام هو وجود دراسات ميدانية من خلال استمارات وأسئلة لقياس الرأي العام وتطرح على الناس بشكل دوري عن قضايا معينة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو ثقافية وغيرها ومن خلالها يمكن أن نلحظ العلاقة بين ما يكتبه كُتّاب الصحف وبين اتجاهات الرأي العام، ونستطيع أن نقيس تأثير هذا الكاتب أو غيره على الرأي العام من خلال هذه القياسات المتكررة، والتي قد لا تستقر إلاّ بعد فترات طويلة. مبينًا أن ما يمكن أن يطرح الآن هو مجرد انطباعات شخصية، وخاصة مع غياب قياس الرأي العام ومراكز قياس الرأي العام التي قد نجدها في دول كثيرة ولا توجد لدينا، والواجب على الصحف في هذه الحالة أن تقوم بهذا الدور، وعلى الصحفيين أيضًا دور كبير في قياس مدى تأثير كُتّاب الرأي على الرأي العام في تبنيهم لمثل هذا الأمر. مؤكدًا أنه على الصحف أن تبادر في معرفة مدى شعبية وتأثير هذا الكاتب عن غيره لكي تصبح لديهم معلومات أفضل في عملية الاستكُتّاب وبالتالي تستطيع أن تحدد من يبقى في الصحيفة ومن يرحل، وهذا يمكن أن يلاحظ من خلال موقع الصحيفة الإلكتروني بالدرجة الأولى، إذ ليس كل الكُتّاب يحصلون على أرقام مرتفعة في عدد القراء والمتابعين، وحتى الكاتب الذي له شعبية ليست كل مقالاته تحظى بنفس الاهتمام، فالاعتماد دائمًا ما ينصب على أداء الكاتب في المقالة وعلى القضايا التي يناقشها وتهم الناس سواء كانت أسبوعية أو شهرية، فقد يكتب كاتب عن موضوع له أهمية كبيرة ولكن قد تكون معالجته في مقالته أقل من المستوى المطلوب من قبل المتابعين والمهتمين وبالتالي لا تشكل أثرًا كبيرًا لدى القراء أو لدى الرأي العام. انتهاء الصلاحية ويرى الدكتور نايف الرشدان أن الكاتب قد يؤثر بشكل محدود اليوم وخاصة في شريحة معينة مازالت تقبل التأثير ومازالت مؤمنة بأن كل ما يكتبه هؤلاء الكُتّاب الصحفيون أمر مسلم به، مبينًا أن الأهم من ذلك هو أن يكون للقارئ أو المتابع وعي مختلف عن الوعي الذي ينطلق منه الكاتب، وحينما يلتقي هذان الوعيان وعي الكاتب ووعي القارئ فإن الهدف من القراءة يتحقق، مؤكدًا على أن عصرنا الحالي لم يعد يحفل بكثير من المقالات والكتابات المطوّلة التي تحوم حول الموضوع دون الخوض فيه بشكل مباشر، وما يهم القارئ بشكل كبير اليوم هو الموجز الذي يمس المعنى بشكل دقيق وصريح. ويضيف أن الكُتّاب الذين لا يزالون يتناولون الموضوعات اليومية والمستهلكة التي لا تقدم ولا تؤخر انتهت صلاحيتهم منذ زمن، أما من يتناول الموضوعات المهمة والتي تلبي تطلعات كثير من القراء فهي تلك الموضوعات التي قد تحدث تغييرًا وتحظى بالقبول والمتابعة شريطة أن تبرز القدرة العالية على الكُتّابة وانعكاس ثقافة الكاتب على ما يكتب وبراعته العالية في الرؤية الفنية لمعالجة ما يطرح. مبينًا أن ما هو مطلوب من الكاتب العصري اليوم هو التمتع بالمرونة والثقافة الجادة والإحساس الصادق والاهتمام بالقارئ المستهدف من الكُتّابة وتسليط الضوء على كثير من قضاياه وعدم التطرق إلى قضايا أخرى بعيدة عن هذا الواقع، وفي المقابل فإن على المتابع أو المستهدف من قبل الكاتب ومن تعنيه الرسالة أن يكون ملتزمًا بالتواضع وعدم المكابرة ليستقبل الكُتّابة سواء كانت على هيئة إجابات من ظهر الواقع أو من خلال مجموعة من الأسئلة التي تذكي الفكرة وتثير دلالاتها وتحفز على فهم أبعادها، وعند ذلك قد يتحقق المطلوب بين الكُتّاب والرأي العام ويحصل التأثير المطلوب. صحيفة المدينة