عندما فاز رجب الطيب إردوغان بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام كتبنا مقالة بعنوان: (بالعلمانية خدم الإسلام) لقَّبناه فيها ب(أتاتورك الثاني)، مبدين إعجابنا الشديد بهذه العقلية البراجماتية التي عرفت كيف تنتقل بحزب أستاذه/ نجم الدين أربكان (الرفاه الإسلامي) من فكر الحركة المؤدلجة إلى فكر الدولة التي تتقن فن الممكن، وتسأل نفسها دائماً: ماذا يريد الناس ليصوِّتوا لي غير (العدالة والتنمية)؟ وها هو ينهي ولايته الثالثة ويسلم المايكرفون للتاريخ الذي لا يظلم ولا يرحم ليتحدث عن إنجازاتٍ حققتها حكومته وليس الحزب تعد إعجازات بمقياس الزمن ومراعاة حال بلدٍ كان يئن بين بساطير العسكر وفسادٍ إداري استشرى حتى في القضاء وذاق لوعته إردوغان نفسه، فقد فاز حزبه برئاسة (عبدالله غول) وهو في السجن، وخرج ليخوض أولى معاركه لاسترداد حقه في ممارسة العمل السياسي متعهداً بحماية (علمانية الدولة)! لقد أدرك منذ البداية أن البطيخة تقطَّع بالسكين وليس بالمقص، كما في الأسطورة الحجازية التي تحكي عناد العنصر التركي وثباته على مبدئه مهما خالفه خصومه فتقول: إن الحاكم سأل تُرْكِيَّاً: بِمَ تقطَّع البطيخة؟ فقال: بالمقص يا افندم! ولم يزده تصحيح الناس وسخريتهم منه إلا إصراراً على رأيه، حتى غضب الحاكم وأمر بإغراقه في البحر ليغير رأيه، وكلما أوشك على الغرق أخرجوه وسألوه، فيجيب الإجابة نفسها! فأمر السلطان ألا يخرجوه حتى يغير إجابته أو يغرق، وسألوه فما كان منه إلا أن رفع يده وهو تحت الماء مشيراً بالسبَّابة والوسطى كناية عن المقص! قبل أيام فاز في معركةٍ هي الأشرس والأقذر في حياته، وبنشوة الانتصار توعد إردوغان (أبو مقص) خصومه وأرعد وأزبد، فهل يفيق ويعي أنه في معركة سياسية (علمانية)، لا في خطبةٍ إيديولوجية (إخوانية)؟ وقد كفاه الله تعالى شر خصومه، فمن يكفيه شرِّ أصدقائه و(حزبه)؟ نقلا عن مكة صحيفة المرصد الاماراتية