تحقيق: عايدة عبد الحميد شكا عدد من سكان مدينة الشارقة من امتداد ظاهرة إعلانات القصاصات الورقية من قبل "الشغالات" بنظام الدوام الجزئي، التي وصلت إلى أبواب الشقق، بشكل مكثف، وأكدوا أن الإعلانات تروج لتوفير "عاملة منزلية" دائمة أو بدوام جزئي، وبينوا أن خطورة الإعلانات لا تكمن فقط لكونها تشوه الوجه الحضاري للشارقة ولكنها تتعدى هذا في حال عدم صدقية هذا الإعلان ما يؤدي إلى عمليات نصب واحتيال . وطالبوا بضرورة منع هذه القصاصات وتغليظ الغرامة على صاحب المحل أو البناية كي لا يسمح لأحد بممارسة هذا السلوك غير الحضاري . فيما قالت الجهات المختصة إن تشغيل العمالة المخالفة ينطوي على خطر كبير، يتمثل في عدم القدرة على استرداد الحقوق، لأن العامل الهارب يعتبر خارج دائرة القانون، وقد يكون من المتسللين، وبالتالي لا توجد له بيانات لدى الدولة . وأكدت أن هذه المشكلة ما تزال بحاجة إلى الدراسة والتحليل وإيجاد الحلول المناسبة التي تحد من هذه الجرائم، وتعمل على معالجة المشكلات المترتبة على هذه الأوضاع . تجربة مريرة قضية قصاصات "الشغالات" لها خطورتها في حال اضطرت إحدى العائلات إلى استخدامها، هذا ما أشارت إليه المهندسة فاطمة عبد اللطيف، التي أكدت أنها تجد يومياً أمام منزلها "قصاصات" تعلن عنهن، ومعظمهن هاربات من كفلائهن . وقالت إن إحدى الأسر الصديقة مرت بتجربة مريرة جراء استخدام إحداهن من خلال هذه الإعلانات حيث قامت بسرقة منزل الأسرة وفرت هاربة . ولاحظت عائشة عبد الله معلمة، خلال الفترة الأخيرة ازدياد إعلانات الشغالات اللواتي يبحثن عن عمل، حيث تجد 8 إعلانات لهن مثبتة على باب شقتها خلال أقل من أسبوع، وجميعها بنفس الكيفية والصيغة وتتضمن أرقام هواتف مختلفة . وقالت: نتعرض إلى سيل عارم من هذه الإعلانات التي غزت المباني السكنية التي نقطنها، لشغالات يطلبن العمل في المنازل، سواء بدوام جزئي أو كلي . اعتداء واعترفت نهى حمدي بتعرضها للاعتداء من قبل شغالتها، إلا أنها أحجمت عن إبلاغ الشرطة عنها، خوفاً من الوقوع تحت طائلة القانون، كونها ليست على كفالتها . ولفت محمد سعيد حارس بناية إلى أنه لاحظ حركة دؤوبة لشغالات يلجأن إلى البيوت بحثاً عن عمل، ويقمن بتعليق وتوزيع ملصقات خاصة بهن، للتواصل معهن . وأوضح أن بعض السكان سألوه عن مدى مشروعيتهن، وإذا كان من الممكن التعامل معهن، حيث أكد لهم أنهن قد يكن مخالفات لقوانين الإقامة، ويترتب على تشغيلهن مخالفة للقانون . من جانبه قال عادل عبيد - من أحد مكاتب جلب الأيدي العاملة في الشارقة، إن طلبات الشغالات في ازدياد بسبب ترحيل الكثيرات منهن عقب مهلة المخالفين العام الماضي، ولذلك لجأن إلى الإعلان عن شغالة الدوام الجزئي، ولا تقتصر على جنسية واحدة بل تتنوع فئاتها، لكن تبقى الجنسية الإندونيسية في صدارة الطلبات لما تملكه من خبرة كافية في إعداد الأكلات الخليجية عامة، والمحلية خاصة . خطر على المجتمع من جهتها، قالت د . ليلى حبيب البلوشي، الخبيرة والمدربة الدولية في التنمية البشرية، إن نسبة العمالة المنزلية داخل الدولة في تزايد مستمر، ما يعني اعتماد أغلب الأسر على الشغالات في رعاية المنازل والأطفال . وأشارت إلى أن نسبة كبيرة من الأسر، خصوصاً الأسر الوافدة، تعتمد بشكل كلي على العمالة السائبة، لسهولة الحصول عليها دون تكبد تكاليف كبيرة، مقابل تحمل نسبة المخاطرة، لارتفاع تكلفة جلب شغالة من بلدها بشكل رسمي، إذ يتم تحصيل مبالغ كبيرة سنوياً عند تجديد بطاقتها ، إضافة إلى اشتراطات الضمان الصحي والالتزامات التي تفرضها السفارات الأجنبية على الكفلاء . وذكرت أن العاملات المنزليات المخالفات يشكلن أخطاراً أمنية تحيق بالمجتمع، لاسيما أنه لا يوجد لهن سجلات أو معلومات في مؤسسات الدولة، الأمر الذي يزيد من خطورتهن، لذلك وجب على الجميع مكافحتهن . آثار سلبية وبحسب العقيد سلطان عبد الله الخيال مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام بشرطة الشارقة فإن القيادة العامة لشرطة الشارقة حذرت كثيراً من الآثار والتداعيات السلبية لظاهرة الاعتماد على العاملات المنزليات والمربيات وخطورتها على واقع الأسرة وانعكاساتها على تنشئة الأطفال ولغتهم وسلوكياتهم وعاداتهم، حيث بدأت كثير من الأسر تعاني تأثر أطفالها باللغات واللهجات والعادات الغريبة التي أصبحوا يكتسبونها من البيئة المحيطة بهم، ثم تطور الأمر إلى جرائم ترتكبها بعض هذه الفئات وخاصة الشغالات كالسرقة من مخدومهن والهروب من الكفيل للعمل في منزل آخر والاعتداء على الأطفال والتواصل مع الغرباء وإدخالهم إلى المنزل في غيبة أفراد الأسرة وغير ذلك من أنواع الجرائم التي أصبحت تتورط بها الشغالات، ورغم الجهود التي بذلت في الحد من هذه الجرائم والمحاولات المتكررة لمعالجة ظاهرة هروبهن فإن الظاهرة استمرت في التصاعد . وعزا أسباب تزايد مشاكلهن في عدة نقاط أهمها زيادة أعداد هذه الفئات بصورة كبيرة، وقدومهن من شتى بقاع العالم، وتعدد جنسيات وثقافات وعادات العاملات المنزليات، وانعكاس ذلك على واقع الأسرة والأبناء، وحاجة بعض الأسر المقيمة إلى تشغيلهن دون أن يكون بإمكانها استيفاء الشروط القانونية المتعلقة بذلك مع مغالاة بعض مكاتب جلب العمالة في رفع تكاليف جلبهن مما أدى لظهور "سوق سوداء" لهن تتيح للهاربات فرص العمل بنظام الساعات لدى بعض الأسر مقابل أجور مرتفعة تتجاوز بكثير ما يحصلن عليه من أجور لدى كفلائهن الأصليين مما يشجعهن على الهرب والعمل لدى غير الكفيل، إلى جانب ظهور أشخاص يقومون باستغلالهن في جرائم الاتجار بالبشر من خلال إغرائهن وتحريضهن على الهروب وإيوائهن واستغلالهن لحسابهم فيما يشبه الجريمة المنظمة . مخالفة القانون إلى ذلك أكّد المستشار راشد العمراني المحامي العام لنيابة الشارقة الكلية أنه يحق للجهات الشرطية تحريك الدعوى ضد أي مواطن أو مقيم يثبت أنه قام بتشغيل مخالفين لقانون دخول وإقامة الأجانب . كما يعتبر الإبلاغ عن الجرائم التي يرتكبنها المخالفات بمثابة اعتراف من جانبهم بتشغيل المخالفات دون النظر إلى المدة التي عملت خلالها الشغالة، إلا أن المحكمة التي تحال إليها القضية لنظرها تأخذ في الحسبان قبل إصدارها الحكم بالإدانة من عدمه مدى توافر القصد الجنائي، وكذلك مدى إحاطة المواطن أو المقيم بمخالفة الشغالة وجميع ملابسات الواقعة . وأوضح أن القانون الاتحادي بشأن دخول وإقامة الأجانب تضمن تغليظ العقوبات الموقعة على كل من صاحب العمل الذي يشغل مخالفين أو من هم ليسوا على كفالته، إذ وصلت الغرامة إلى 50 ألف درهم، وتتضاعف في حال تكررت مع الحبس للمواطن والإبعاد للمقيم، وهو ما يجعل تشغيل العاملات المنزليات الهاربات فيه الكثير من المخاطرة . وشدد على ضرورة أن يبلغ الكفيل وزارة العمل والجهات المختصة في حال هروب العامل وخاصة العمالة المنزلية، وأشار إلى أن كل من يتأكد من هروب عامل يجب أن يبلغ عنه، وألا يكون البلاغ كيدياً . استغلال الأسر إن جلب الشغالات يتطلب ميزانيات سواء كانت نظامية أو جزئية، هذا ما أكدته الدكتورة سعاد الشريف أستاذة الاقتصاد في جامعة الشارقة في حديثها، وأضافت: الإنفاق المباشر على الشغالات يؤثر في دخل العائلة بشكل مباشر، والمستفيد الوحيد هنّ الشغالات لأنهنّ يحولن 90% من رواتبهن إلى بلادهنّ، ومع هذا لا نستطيع الاستغناء عنهن لأن الاعتماد الكلي يلقى على عاتقهن حتى في تربية الأبناء، وعندما تغيب الشغالة يوماً تتأثر الأسرة وتتشتت بسبب ذلك الغياب . وأشارت الى أن مكاتب جلب العمالة المنزلية تلعب دوراً أساسياً في استغلال الأسر وتفرض عمولات وزيادات في الأجور من دون رقيب لجلب الشغالات، كما أنها تروّج لهن في مواسم مثل شهر رمضان وبدء العام الدراسي بالدوام الجزئي "البارت تايم"، وهو يلقى رواجاً كبيراً لدى الأسر لحاجتها الماسة لهذه الفئة . تحريض على الجرائم أوضح العقيد سلطان عبد الله الخيال مدير إدارة الإعلام والعلاقات العامة بالقيادة العامة لشرطة الشارقة أن تردي الأوضاع الصحية للشغالات الهاربات ،يزيد من مشكلتهن نتيجة الظروف التي يعشنها بعد هروبهن وتكدسهن في مجموعات لا تتلقى أي نوع من أنواع الرعاية الصحية أو الاجتماعية، مما يجعل من هذه التجمعات بؤراً لتفشي الأمراض والأوبئة بينهن، ومن ثم إلى من يقمن بخدمتهم ورعاية أطفالهم من الأسر . ويقوم البعض باستغلال الشغالات في جرائم السرقة من المنازل وتحريضهن على السرقة من الأسر والمنازل التي يعملن فيها بنظام الساعات، دون أن يكون لدى الأسرة أي معلومات عن هوية الشغالة أو معرفة اسمها الحقيقي، وموقع سكنها، وعدم توفر أي بيانات عنها مما يساعدها على الهرب والتخفي بعد ارتكاب جريمة السرقة ويعرقل الوصول إليها من قبل أجهزة البحث الجنائي، إضافة إلى وقوع العديد من الجرائم التي لا يتم الإبلاغ عنها نتيجة خوف الأسر التي تقوم بتشغيل الهاربات من المساءلة القانونية والتعرض للعقوبات والغرامات المالية المفروضة على ذلك . الخليج الامارتية