الثلاثاء 29 أبريل 2014 11:29 صباحاً مرة أخرى تتضح عدن وتتضح المكلا في 27 ابريل.. مدينتان نابتتان من جرحٍ واحد وتحت شمسٍ واحدة ، ومرة أخرى حضور قوي لشعب الجنوب كعادته في تتابعٍ (مليونياتي) امام العالم الذي اصبح يراقب بصمت وكأنَّ في نفسه أشياء لم يقلها، او لم يحن الوقت لان يقولها. لا مشكلة عند الشعب الجنوبي ولا مثيل لإصراره وتضحياته، سيستمر دون ان ينتظر احد، لن يتعثر ولن يُنَكِّس الراية وكلما زوّروا اراداته فاجأهم بصَخَبه.. فهو يولد مع كل شمس ومع كل قطرة دم ومع كل وخزة ألم أو عضّة جوع او تنهيدة ذكريات، وهو يولد أكبر حين يحس بالخذلان. الجنوب يعلم بعد معاناة ان وجوهاً مدهونة في الداخل وخلف البحور ماتزال بعيدة عن الفكرة الاساسية، لم يمضِ ماضيها ولم يحضر حاضرها بعد، ومازالت تطلق النار على أقدامها.. وعليك ان تضع اصبعك على اي تاريخ لتراها أمامك مثلما هي الان واقفة كمسمار قديم. مرَّ وقت صعب وكان هناك صمت وترقب بعد مجازر أوجعت الضمائر والقلوب وبعد ان انتهى حوار صنعاء، وبروز مشروع الأقاليم، ثم قرار مجلس الأمن.. فكانت هناك أسئلة اكثر من الإجابات وهمس بذبذبات أعلى من الأصوات وتمتمة تطغى على الخطابة. مشروع الأقاليم هو معضلة الجنوب الحالية، والصراع من أجل وحول (حضرموت) ،كجغرافيا طبيعية مثالية، هو العنوان الأبرز.. ففيه تتقاطع مصالح مختلفة، لا اسمّي أطرافها في الداخل والخارج، لكنها تتسابق وتعمل على إرساء قواعد التقاسم التدريجي بالتوازي مع فرض الامر الواقع على مراحل. ضداً على ذلك تستميت القوى الاسلامية المتطرفة ( أنصار الشريعة بامتداداتهم) على الارض هناك بهدف إقامة مشروعها الافتراضي ما أن ينزلق الوضع العام للفوضى... وبالطبع تقابل هؤلاء مجتمعين من زاوية اخرى هواجس الحراك الذي اصبح في سباق حيوي مع الاحداث. لا احد يعلم ما يدور في ماكينات مراكز التخطيط الاستراتيجي الخارجية، حتى في دول الجوار أو دول التماس، لكننا وبعيد عن نظرية المؤامرة نفهم بان الأقاليم ليست وليدة الحوار وحسب، بل هي مشروع له عيون وآذان وبوصلة. فالتقسيم بشكله الحالي يشار اليه بأنّه قام أساساًعلى فكرة الإقليم الشرقي. نحن نحب حضرموت بالمطلق دون أنانية، الا انه يجب التنبيه أنَّ الأقاليم ستضع الجميع على شفير الوهن والتبعية المستدامة لا محالة، فلن تصبح حضرموت لحضرموت كما سيبدو في الظاهر الإداري، ولا الجنوب سيبقى جيوسياسيةً واحدةً ومتماسكة. المرحلة القادمة إذاً بالغة الدقة وتحتاج الى عقول سياسية، وآخر ما تحتاجه هو مزيد من التمزق جراء الاختلاف في المواقف ازاء الراهن السياسي، فلدينا أقطاب بعضها متصلبة حد الجمود والصنمية وبعضها لزجة حد السيولة الذائبة.. وكنّا سنحمد الله على حضورهم لو انهم استطاعوا لعب ادوار متكاملة على قاعدة عدم المساس بالأهداف الكبيرة. 27 ابريل هذا العام يجب ان لا ينتهي عند المليونية لان هناك شيء ما يجب ان يحصل على الارض يعيد للجنوب معنوياته المنفلتة ويمنحه القدرة على مواصلة النضال ومقاومة التقسيم ويشحن الحراك بطاقة الاستمرارية محافظا على حيويته وخياراته السلمية. من هذه الزاوية يجب ان تكون هناك خطوة كبيرة موازية للمليونيات تكمن في قيام جبهة جنوبية عريضة تضمُّ كافة التيارات المتجانسة لكي يكون هناك ما يحفظ للجنوب توازنه وتطلعاته ويثبّت ثقته بذاته وبنخبه السياسية. المرحلة القادمة مختلفة ستشهد مخاضات متضادة على الارض تتمثل في محاولات حثيثة لاعادة صياغة الواقع السياسي وفقا لإرادة صنعاء تقابلها نضالات مفتوحة للحراك الجنوبي التي تتطلب من الان التخطيط لاتخاذ خطوات محكمة لتنويع أشكال العمل السلمي والفعل السياسي بصورة مكثفة. وقبل كل ذلك هناك حاجة ملحة وفوريه الى مواجهة الذات للحفاظ على الحدود الضرورية لتقارب النخب السياسية باطيافها والتنسيق فيما بينها، ومد الجسور مع كل من يتضامن مع قضية الجنوب، دون ان يُترك الباب مفتوحا لاي حالة مضافة من التضاد والفرقة. ان السؤال المحوري يظل، مثلما كان، مركّزاً في كيفية خلق ديناميكية سياسية عقلانية لإدارة التنوع تنعكس في الحفاظ على العلاقات الضرورية وإيجاد آليات التنسيق وتقديم نموذج ربما يقنع العالم بان هناك جديد في السلوك السياسي للنخب الجنوبية يمكن البناء عليه، ينمو ليصبح واقعاً حقيقياً، يقود باستمرار الى ترسيخ القيم الحداثية في ادارة الخلافات السياسية ويصبح ضامن حقيقي للثبات والاستقرار في جنوب المستقبل . الايام حبلى بالآتي وفي البال أشياء كثيرة ستخرج في حينها، لكن الأهم الان ان يمتص الجنوب آلام الطَلْق لتذهب محصلة المخاضات باتجاه حصاد سياسي لمصلحته ووحدته، فهي مرحلة مفصلية والجنوب بحاجة الى حضور سياسي وشعبي قوي وفاعل كما ينبغي له ان يكون. عدن الغد