معلومات هذا التقرير وتفاصيله عن مخيم اليرموك في دمشق ليست عرضية، ولم تأتِ مصادفة، ولم يبتدعها كاتب كسول يؤمن بنسج نظريات المؤامرة على الإنترنت، وإنما جاءت بعد أشهر من دراسة الحالة السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية في مخيم اليرموك، واستناداً إلى سلسلة اجتماعات مع سكان المخيم السابقين، ورجال من منظمة التحرير الفلسطينية يعود نشاطهم في القضية الفلسطينية إلى العام 1980، أو قبل ذلك. واحتمالات بقاء اليرموك تدور في آفاق قاتمة تبدو قاتلة. إذا كان أحد يسمح لنفسه ببعض الخصومات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، والاضطرابات المستمرة فيها، فإنه من الصعب الهروب من الاستنتاج، وهو أن مخيم اليرموك، كما هي الحال مع أربعة مخيمات أخرى للاجئين الفلسطينيين في سورية، تعاني جراحاً عميقة بسبب الحرب الدائرة، لن تنجو من الأزمة على الأرجح. وبدأت عملية حصار هذا المخيم حينما دخلته جماعات من المسلحين فبادرت القوات الحكومية السورية إلى تطويقه، واشتبكت مع المسلحين الذين تمركزوا في المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وعدد من العيادات الصحية، وعدد كبير من المنازل التي تعرضت مع المستشفيات والمستوصفات والمتاجر للنهب، ووجد أهالي المخيم الذين امتنعوا عن الرحيل أو لم يرغبوا في ذلك، أنفسهم عالقين في وسط الأزمة المستمرة في إيذائهم حتى اليوم. %70 من فلسطينيي سورية بحاجة إلى مساعدات عاجلة تقدّر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا)، أن أكثر من 70% من اللاجئين الفلسطينيين في سورية، بحاجة ماسّة وعاجلة للمساعدات الإنسانية الأساسية الطارئة، في حين تم تشريد 50%، منهم داخل الأراضي والمناطق السورية. وفي مخيم اليرموك وحده قضى 142 شخصاً، بسبب الجوع ونقص العلاج والرعاية الطبية منذ يونيو الماضي. وحتى مع افتراض وجود القدرة والرغبة لدى اللاجئين الفلسطينيين في الجلاء والمغادرة، فإن الواقع لا يساعدهم على ذلك، نظراً لصعوبة استقبالهم من الدول الأخرى. وطلب 11 ألف لاجئ فلسطيني فروا إلى الأردن من سورية مساعدة من وكالة الأونروا، والحيلولة دون ترحيلهم عن الأراضي الأردنية، بينما توقع مسؤولو الوكالة ان يتجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين الفارين إلى الأردن قبل نهاية العام الجاري 20 ألفاً. تشريد سكان المخيم من شأن تدمير مخيم اليرموك وتشريد سكانه ترك أثر نفسي مضاعف على الفلسطينيين، الذين عاشوا لعقود في أمن وأمان في سورية، وتمتعوا بتعاطف شعبها معهم، حيث تحول هذا المخيم إلى رمز لمقاومة الفلسطينيين، وإشارة شديدة الوضوح إلى تمسكهم بحقهم في العودة. وعلى مدى ستة عقود عاش الفلسطينيون حياتهم الاقتصادية والثقافية كجزء متكامل مع نسيج المجتمع السوري، غير أن الحرب الأهلية الجارية في سورية، ربما تكون قد أعادت رسم المشهد. ولم يعد تحذير موفد الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية الأخضر الإبراهيمي، العام الماضي في دمشق من «صوملة» الوضع في سورية مجرد عبارة مجازية لأغراض البيان والبلاغة اللغوية، وانما اصبح واقعاً يومياً بالنسبة لمخيم اليرموك. تحذير الإبراهيمي من «صوملة» سورية يتجسّد يومياً في اليرموك. أ.ف.ب ونبهت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، العاهل الأردني (عبدالله الثاني)، بأن سياسته التي تقضي بإبعاد أي لاجئ فلسطيني يدخل أراضيه تعتبرانتهاكاً لمبادئ القانون الدولي الخاصة بحماية اللاجئين، وعدم تعريضهم للخطر بإعادتهم إلى البلدان والمناطق التي فروا منها. ومع أخذ الاعتبارات والفروق فإن هناك مخاوف واحتمالات حقيقية بأن يكون مصير مخيم اليرموك، وهو مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية مماثلاً لمخيمات تل الزعتر والنبطية ونهر البارد في لبنان. وهناك ثلاث فصائل فلسطينية ينتمي إليها المقاتلون الموجودون حالياً في اليرموك، وهي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، بقيادة أحمد جبريل ولديها نحو 800 مقاتل، وجبهة النضال الشعبي ولديها 100 مقاتل أو أكثر قليلاً و«فتح الانتفاضة» ولديها نحو 600 مقاتل. ولا تعترف جبهة النضال الشعبي بالسلطة الفلسطينية المنبثقة عن اتفاقات أوسلو، وتؤمن بأن تحرير فلسطيني لا يتم إلا بالمقاومة المسلحة وتنسق مع فتح الانتفاضة، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة بشأن مختلف القضايا. وتنحي نسبة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين الذي فروا من مخيم اليرموك، وممن ظلوا فيه، باللائمة على التنظيمات الفلسطينية الثلاثة في تردي الأوضاع العامة والمعيشية في المخيم وتفاقم معاناة سكانه، ويصل الأمر ببعضهم إلى حدّ اتهام التنظيمات الثلاثة بالخيانة، كما وصفها مسؤول في السفارة الفلسطينية في بيروت، حيث وصف مقاتليها ومسؤوليها وقادتها بأنهم ليسوا فلسطينيين على الإطلاق «لان أمرهم ليس في أيديهم، إنما بيد حكومة اجنبية، ولأنهم استهدفوا برصاصهم سكان مخيم اليرموك مرات عدة بحجة حمايته، وهم في حقيقة الأمر يتعاملون مع أزمة المخيم لأغراض سياسية وضمن حسابات مادية ومالية». ويمكن لأي شخص التأكد من مدى صحة هذا الكلام، إذا ما قام بجولة بين اللاجئين الفلسطينيين الذين هروبوا من سورية، ويعيشون حالياً في مخيمات شاتيلا وبرج البراجنة ومار الياس في لبنان. ويأمل عدد قليل من أهالي اليرموك في تثبيت اتفاق لوقف إطلاق النار يتيح ادخال المساعدات الإنسانية الأساسية وتوزيعها بعد ان انهارت تسعة اتفاقات على مدى العام الاخير. وانسحبت «جبهة النصرة» ومقاتلي حلفائها من المخيم لمدة 30 يوماً، ثم عادت أعداد منهم إليه بينما بقي مقاتلو التنظيمات الفلسطينية الثلاثة في المخيم، واتهموا «جبهة النصرة» وحلفائها بأنهم السبب في انهيار كل اتفاقات وقف اطلاق النار التي تم التوصل إليها، بينما تتهمهم الجبهة برفض ادخال المساعدات الإنسانية الأساسية إلى المدنيين المحاصرين واستقدام المزيد من المقاتلين والأسلحة إلى داخل المخيم، واستهداف السكان المدنيين برصاص قناصتهم. ويعتقد عدد كبير ممن فروا من مخيم اليرموك بأنه مازالت هناك بقية باقية من منازلهم وممتلكاتهم في المخيم، غير أن الحقيقة أمر مختلف، بينما يصطف آلاف اللاجئين الفلسطينيين أمام السفارات الغربية بحثاً عن مكان أكثر أمناً وحياة أفضل ليس لأنفسهم، وإنما لأطفالهم، بعيداً عن مخيماتهم أو وطنهم الأصلي فلسطين. ولا يغيب عن اذهاننا إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، عن جوائز وتعويضات مالية كبيرة ومغرية للفلسطينيين الذين يتنازلون عن حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم في «إسرائيل الآن». كما تردد معلومات في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن انه تم التوصل إلى اتفاق سري بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، بشأن تقديم تعويضات مالية مغرية للاجئين الذين يتخلون عن حقهم في العودة. وربما يحتاج الأمر لأن تصمت قعقعة السلاح نهائياً، حتى يتسنى لنا ان نعرف على وجه الدقة حجم الثمن الذي دفعه اللاجئون الفلسطينيون والمدنيون السوريون. ولكن ما أصبح واضحاً هو حجم العار الذي لحق بالمجتمع الدولي على هذا الصمت الذي سمح باستمرار المذابح والتقتيل والتجويع والترهيب ضد المدنيين، وهي جرائم مازالت مستمرة. فرانكلين لامب - كاتب ومحلل سياسي أميركي الامارات اليوم