مواضيع ذات صلة امينه أبو شهاب حين تقسم الشعوب نسباً وأجزاء مئوية من أولئك الذين يأمرهم دينهم بالوحدة واللحمة ولكنهم يخالفون متعمدين قوله الواضح ويمعنون في شق مجتمعاتهم بغية عزل منافسيهم السياسيين وإقصائهم واستعداء المجتمع عليهم، فإن النتيجة هي الخسران المبين لهؤلاء . نسبة الستة والخمسين في المئة التي حصل عليها التصويت على الدستور في مرحلته الأولى لم تكن النسبة التي ارتجاها الإخوان في مصر وإن كانت "نعم" وليس "لا" . لطالما أظهر الإخوان ومعهم الغرب حليفهم الآني الثقة التي لا يعتريها الشك أبداً بأن لهم النسبة الأعلى شعبياً وأن هذه النسبة مضمونة ومحفوظة لهم باعتبار أنها أحقيتهم على الشعوب . وبالنسبة للدستور المصري ومشروعه موضع التصويت فقد لوحوا بنسبة الثمانين في المئة التي سيحصلون عليها حتماً، وكان هذا التلويح عصا لإسكات الخصوم السياسيين من الأحزاب والقوى السياسية، بل وإرهابهم باعتبار أن الصندوق والجماهير هي الحكم وهي من سيحسم الجدل والنزاع . هذا الاستناد الواثق إلى الجماهير والرأي الشعبي وحسمه لمصلحة الإخوان أثبت أنه ليس سوى أرض متحركة ومهتزة وليست صلبة على الإطلاق . فليعد الكل إذن حساباته على ضوء هذه النتيجة: الغرب والمعارضة وقبل الكل بالطبع الإخوان المسلمون الذين أسقط في أيديهم مرة أخرى وبشكل أكثر إيلاماً وهم يرون آثار انحسار البحر الشعبي الذي طالما تصوروا أنهم يسبحون فيه براحة آمنين من فكرة جزره . البحر الشعبي هو ضرورة لازمة لكل حزب عقائدي سياسي خاصة إذا كان مثل الحزب الإخواني الذي لا يملك إنجازاً وطنياً بعد من نوع إعادة بناء فوق حالة الانهيار، وليس لديه حقيقة سوى صفته الدينية ونشاطه الدعوي والخيري . والسؤال هو: لماذا كان الإخوان مهيئين لفكرة الاكتساح لخصومهم في الاستفتاء على الدستور، ولم يكن لديهم العقل السياسي لرؤية متغيرات الواقع بعد وصولهم إلى الحكم وكيف كان انحسار بحرهم الشعبي يسير في خط منتظم باتجاه الجزر؟ لقد حصلوا على نسبة 77% في استفتاء 19 مارس/آذار عام 2011 ليصلوا إلى نسبة 25% في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة التي ارتفعت في الجولة الثانية إلى 51% بسبب تصويت الرافضين لأحمد شفيق من القوى السياسية والشبابية . بدل أن يأخذ الإخوان الخط البياني المتجه هبوطاً في شعبيتهم والذي تعززت الفكرة عنه من خلال حشود المعارضة الضخمة وغير المسبوقة، فإنهم استمروا في الارتكان إلى نسبتهم الكاسحة شعبياً وكانت تصريحات الزعامات الإخوانية في الفترة السابقة على التصويت على مشروع الدستور تدور حول أن حشود المعارضة في الشارع لا تزيد على الثلاثين ألفاً - من دون الأقباط وذلك في تكتيك تقسيمي ومحاولة لتشويه المعارضين بتبعيتهم للكنيسة أو لرأس المال القبطي في مصر - وإن كانوا يمنون النفس فعلاً بنسبة الثمانين في المئة أو تزيد فلا شك أنهم كانوا يطمحون أو يخططون إلى ضربة قاصمة للمعارضة التي ستعزلها النسبة وتثبت عدم شعبيتها حيث لن تأخذ المساحة السياسية التي تحتلها وذلك في تصورهم . كلمة "لا" التي تنتسب للمعارضة أحرزت نسبة ليست أقل كثيراً من النصف، رغم أن هذه المعارضة لم تعمل على الحملات السياسية إلا في الأيام الأخيرة فقط، وهنا من جديد السؤال وهو أين كان العقل السياسي للإخوان من توقع نتيجة كهذه وإعداد الرأي العام والعالم لها؟ هل يغلب الوضع السياسي الإخوان وهم بالفعل عاجزون عن الإلمام به وبحركيته وعاجزون كذلك عن الأداء الفاعل فيه والسيطرة على مجرياته؟ أم أن الإخوان كانوا يراهنون بثقة وقوة على نتاج جهدهم التقسيمي للمجتمع ومحاولتهم للفرز والاستقطاب فيه وصولاً لجني نتيجة وضع الشعب على محك الولاء لهم لصفتهم الدينية فحسب، فيما الآخرون المعارضون هم خليط من الأغيار الدينيين ومن العلمانيين والكفرة، بحسب الخطاب الشعبي الإخواني . إن تقسيم الشعب لا ينم عن نزعة حزبية وفئوية ضيقة وليس عن قدرات متجاوزة للوضع الحزبي لإدارة دولة ومجتمع متعدد المشارب والاتجاهات، وليس هذا فحسب، ولكن أيضاً عدم امتلاك برنامج ومشروع يغري الشعب بالولاء للرئاسة أو للحزب الذي تنتمي إليه . نتيجة التصويت في ما هي عليه تشير إلى أن الشعب المصري وخاصة في المدن الكبرى قد فطن إلى ما ينم عنه تقسيم المجتمع ومحاولة استعداء فئاته على بعضها البعض تحت الغطاء الإسلامي أو غطاء الشريعة، وهو بالتالي يرفض استخدام الورقة الدينية كما ظهر عليه هذا الاستخدام في الصراع السياسي المرافق لمشروع الدستور . لا شك أن الأداء السياسي لأي حكومة أو نظام منتخب يقاس شعبياً ويجب أن يقاس بالفعل بجهده في وحدة المجتمع وقوة كيان الدولة الداخلي . هذا المعيار قائم، وأساسي حتى في ظل الفشل في مناحي التنمية بأشكالها . لقد وضع الإخوان إسفين التفرقة والانقسام في الجسم الاجتماعي المصري فحصدوا النتيجة وهي مؤشر طبق الأصل من عملهم السياسي وصيغته: دستور انقسامي وخلافي . هكذا، إذن، ستترسخ الفكرة الاستنتاجية التي يظهر فيها الإخوان وقد أخذوا يستنفدون طاقتهم السياسية كخيار أول ومفضل وأثير للجماهير والشعوب في المنطقة، فمن كان يتوقع أن الفترات الانتقالية لبلدان الربيع ستعود على الإخوان بالخسارات وتنال منهم كخيار لم يقدم للاختبار قط؟