محمد المقالح أدَّعت جماعة الإخوان المسلمين في مصر وعبر خطاب صريح وواضح على إثر إعلان النتائج غير الرسمية للاستفتاء على الدستور أن نسبة 36% التي أحرزها تكتل المعارضة والمصوتون ب"لا" من أبناء الشعب وفقا للنتائج غير الرسمية في المرحلة الثانية من الاستفتاء، هي أصوات مسيحية 100%ناقص 6% فقط هي أصوات المعارضة السياسية ممثلة بجبهة الإنقاذ الوطني. ماذا يعني هذا ؟ والجواب وبصريح العبارة يحمل المعاني التالية :- -المعنى الأول أن التصويت تم على أساس طائفي بحت وأن من قالوا "نعم" للدستور هم المسلمون المصريون، ومن قالوا "لا" هم المسيحيون المصريون ومع أن هذا غير صحيح البتة وأن غالبية من قالوا "لا" هم أيضاً مسلمون، مع التأكيد بأن غالبية من صوت من المسحيين قالوا "لا" أيضاً ليس فقط بدوافع دينية وطائفة، ولكن أيضاً بدوافع سياسية واجتماعية مثلهم مثل بقية المصريين الآخرين مع التأكيد أيضاً أن كثيراً منهم صوَّت فعلا على أساس ديني وبجهود "إخوانية" بحتة كما سيأتي توضحه لاحقاً. - المعنى الثاني أن المعارضة المصرية ممثلة بجبهة الإنقاذ، وفقا لخطاب الإخوان، معارضة وهمية ولأوزن لها في الشارع المصري، وأنها عبارة عن ظاهرة صوتية وإعلامية ومدعومة من الخارج، وأن حقيقة وجودها الشعبي لا يتجاوز 6% إذا ما أخذ بمعيار التصويت سياسيا واجتماعيا وليس دينيا أو طائفيا . -المعنى الثالث أن الإخوان يتعاملون مع نتائج التصويت المعلنة من قبلهم ومن قبل إعلان الجهات الرسمية التابعة لهم أيضاً، وقبل البت في الطعون باعتبارها حقائق نهائية لا تقبل الشك أو التشكيك، متجاهلين الطعون القضائية وما تتحدث عنه الصحافة والمنظمات الحقوقية ولجان الرقابة والقضاة أنفسهم من تزوير فاضح وواسع النطاق في المرحليتين عبارة عن هراء وأكاذيب من قبل الطرف المهزوم شعبيا في الاستفتاء . -هناك معان أخرى ولكن أقل أهمية ولا مجال للتوقف أمامها هنا، والمهم هو ماذا تعني تلك المعاني في خطاب الإخوان حول نتيجة الاستفتاء تقسيم طائفي وكذب على الذات قبل الغير! ولتحليل ما يتضمنه خطاب الإصلاح ومحاولة الرد عليه نجد أنه وفي المعنى الأول، ومع التسليم جدلا بصحة ما يقوله الخطاب الإخواني حول التصويت الطائفي على الدستور، يكون الإخوان قد اعترفوا -وإن شئت نجحوا- في إحداث انقسام راسي خطير داخل المجتمع المصري، وبأن نتيجة الاستفتاء تقول وبصريح العبارة وفقا للخطاب الإخواني، الآنف الذكر أن الأمة المصرية لم تعد أمة واحدة، وأنها أصبحت أمتين إحداهما هي الأمة المسلمة المصرية وهي الأغلبية وحازت على نسبة 64% من الأصوات، والثانية هي الأمة المسيحية المصرية وهي الأقلية وحازت على نسبة 36% من أصوات المصريين، وإذا صح هذا التوصيف وهذا الانقسام الرأسي داخل المجتمع المصري على أساس ديني وتقسيم المجتمع على أساس "مسلم وقبطي" فهوا أمر خطير ويحصل لأول مرة في تاريخ مصر تقريبا، وبالتالي فإن مصر اليوم مقسمة نظريا وعمليا، وبالتالي فمصر قبل الدستور الإخواني هي غير مصر بعد الدستور الإخواني، سواء في وحدتها وهويتها الوطنية، أو في أمنها واستقرارها ومصيرها. وما يثير الرعب فعلا هو أن هنالك مؤشرات جدية على حالة الانقسام الديني والطائفي التي تعيشها وستعيشها مصر اليوم وغدا وبالذات إذا ما مر الدستور غير التوافقي ولم يتم التراجع عنه، وركن الإخوان على سياسة قهر الخصوم بقوة الدولة والبلطجة والخطاب الطائفي والانقسامي الذي مارسوه بوقاحة قبل وبعد وأثناء الحملة على الاستفتاء، إلى درجة أنهم افتعلوا معركة طائفية من العدم هي معركة "الدفاع عن المساجد والعلماء المسلمين من أشرار المسيحيين المصريين " على خلفية الخلاف السياسي والصدام الذي حدث على الساحات المحيطة بمسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية، والتي تسبب بأحداثها عمدا الإخوان وحلفاؤهم السلفيون، عشية الاستفتاء وبهدف التحريض والحشد لصالح التصويت ب"نعم" وأدت إلى إصابة أكثر من 60جريحاً، وفي هذه الحالة يكون الإخوان وليس غيرهم من المصريين هم من تعمدوا تقسيم مصر عموديا سواء في إصرارهم على تمرير دستور غير وطني وغير توافقي أو في حشدهم الناس وإثارة غرائزهم على أساس الدين وليس على أساس الوطن، والخلاف الديني والطائفي وليس على أساس الخلاف السياسي والموقف الاجتماعي من الأحداث والقضايا ..والخلاصة اليوم أن مصر مقسمة والإخوان يؤكدون تقسيمها بالخطاب وعلنا وحسب قراءتهم لنتائج الاستفتاء . الأمر الثاني في هذا المعنى ووفقا لخطاب الإخوان أنفسهم هو أن الإخوان يعترفون ضمنيا بأنهم "أقلية" سياسية وليسوا أغلبية سياسية كما يدعون، وأنهم ما كانوا لينجحوا في تمرير التصويت ب"نعم" على الدستور بشعبيتهم وبتأبيد غالبية الناس لبرنامجهم السياسي فقط ...ولو لم يلجأوا إلى جعل المسلمين أو غالبيتهم تقف إلى جانبهم باعتبارهم "مسلمين" وليس باعتبارهم "إخوان مسلمين" وباعتبار خصومهم "مسيحيين" وليسوا جبهة الإنقاذ الوطني، لما نجحوا في تمرير الاستفتاء الباطل وإقرار دستورهم غير التوافقي ...أليس كذلك ؟ - المعنى الثاني للخطاب، ويتعلق بشعبية المعارضة وأنها لا وجود لها على المستوى الشعبي سوى 6% بالكثير، وهذا القول فيه من التعالي الفارغ على الحقيقة الشيء الكثير، ويستهتر بسياقها التاريخي تماما، إذ أن هذا الادعاء يتجاهل تماما أن من يتحدث عنهم في جبهة الإنقاذ هم كل من حمدين صباحي وعمرو موسى ومحمد البرادعي وحزب الوفد وجميع ائتلافات الثورة الشعبية بما فيها ائتلاف خالد سعيد وغيرها .. وإذا ما أخذنا فقط شعبية كل من صباحي وموسى، فسنجد أنهما كانا مرشحين رئاسيين إلى جانب الرئيس مرسي وآخرين، وأن الإثنين فقط حصلا في الجولة الأولى من التصويت على أصوات أكثر من مرشح الإخوان محمد مرسي نفسه، ومع أن المزاج الشعبي يتغير بين استفتاء وآخر وانتخابات وأخرى، ولكن الافتراض هنا هو لصالح المعارضة وليس لصالح الرئيس الذي فشل أو أثار غضب الناس حول سياسته الانقسامية . أما إذا أخذنا معيار الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي دعت إليها هذه الجبهة منذ إعلان مرسي للقرارات الشمولية فسيكون الحديث عن 6% هي نسبة المعارضة، كما يتحدث الإخوان حديثا فارغا ومجردا من أي معنى أخلاقي أو سياسي، سوى معنى واحد هو الكذب الصريح الذي يمارسه الإخوان على أنفسهم وعلى شعبهم وعلى مدار الساعة للأسف . *المعنى الثالث هو ادعاء أن نسبة 36% للتصويت ب"لا"، ونسبة %64ل"نعم" هي نتيجة منطقية وصحيحة ونهائية كما يدعي الإخوان، وهذا غير صحيح أبدا وهناك من الحقائق الساطعة والتراكمية التي تؤكد زيفها تماما وستثبت الأيام أن الدستور المستفتى عليه باطل لا لشيء، إلا لأنه مزور بالكامل ومن أوله إلى آخره. *صحيفة اليمن اليوم