مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    الحوثيين فرضوا أنفسهم كلاعب رئيسي يفاوض قوى كبرى    انفجار الوضع بين الهند وباكستان    57 عام من الشطحات الثورية.    إنتر ميلان يحبط "ريمونتادا" برشلونة    حادث غامض جديد على متن حاملة الطائرات الأمريكية ترومان بالبحر الأحمر    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    الإمارات تكتب سطر الحقيقة الأخير    صرف النصف الاول من معاش شهر فبراير 2021    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    إنتر ميلان إلى نهائى دورى ابطال اوروبا على حساب برشلونة    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    الخارجية الأمريكية: قواتنا ستواصل عملياتها في اليمن حتى يتوقفوا عن مهاجمة السفن    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    أكثر من 80 شهيداً وجريحاً جراء العدوان على صنعاء وعمران والحديدة    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    اليمنية تعلق رحلاتها من وإلى مطار صنعاء والمئات يعلقون في الاردن    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    محمد عبدالسلام يكشف حقيقة الاتفاق مع أمريكا    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    صنعاء .. وزارة الصحة تصدر احصائية أولية بضحايا الغارات على ثلاث محافظات    تواصل فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة لليوم الثالث    الكهرباء أول اختبار لرئيس الوزراء الجديد وصيف عدن يصب الزيت على النار    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    اسعار المشتقات النفطية في اليمن الثلاثاء – 06 مايو/آيار 2025    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    حكومة مودرن    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    ودافة يا بن بريك    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تجوز التعددية السياسية في الدولة الإسلامية؟
نشر في الجنوب ميديا يوم 11 - 05 - 2014


* * * *
التعدد في اللغة:الكثرة وعدم التفرد، قال الفيومي: "التَّعَدُّدُ" الكثرة. المصباح المنير (ع د د).
والسياسة في اللغة:التدبير والمراعاة للشيء، قال الفيومي: "وَسَاسَزَيْدٌ الأَمْرَ يَسُوسُهُ سِيَاسَةً: دَبَّرَهُوَقَامَ بِأَمْرِهِ. المصباح المنير (س وس).
فالتعدديةالسياسية المقصود بهاكثرة الآراء السياسيةالمنبثقة -في الغالب- عن طريق ما يسمى بالأحزابالسياسية.
وكل حزب يتكون من مجموعة من الناسلهم آراء متقاربة حول قضايا عامة، ويحاول كل حزبأن يطبق هذه الآراء عن طريق التمثيل النيابي أوالوزاري أو حتى عن طريق الوصول لأعلى سلطة فيالدولة إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
الخلاف:
والاختلافأمر كوني، قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَمُخْتَلِفِينَ﴾[هود: 118]، والناس ليسواكحلقة مفرغة لا يُعلم أين طرفاها، فطبيعة الناسالاختلاف، وقد حدث الخلاف بين الأنبياء، وقد ذكرالله ذلك في قصة داود وسليمان إذ يحكمان في الحرث،وفي قصة موسى مع هارون في قصة عبادة بني إسرائيلللعجل.
ولو كان الناس على رأي واحد ما شرع اللهجل وعلا الشورى ولا أمر بها نبيه -صلى الله عليهوسلم- فقال جل شأنه في وصف المؤمنين: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىبَيْنَهُمْ﴾[الشورى: 38]، وقال لنبيه: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْوَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِيالْأَمْرِ﴾[آل عمران: 159].
والخلاف إن كان داخل مجلس الشورى فلا شك في جوازه،وهو لازم من الشورى المأمور بها شرعًا. وقد كانالنبي – صلى الله عليه وسلم – يشاور أصحابه، فكانتأحيانًا تأتي من غير طلب، كما في قصة الحباب بنالمنذر في غزوة بدر، وقصة أم سلمة في صلحالحديبية، وقد تكون من غير طلب لكنها معارضة لماعليه رأي النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما فيمعارضة عمر – رضي الله عنه – لصلح الحديبية، وكذافي الصلاة على عبد الله بن أبي بن سلول زعيمالمنافقين، وقد تكون متعارضة بين فريقين أو أكثرمن المسلمين فيختار النبي -صلى الله عليه وسلم – أحدها، وذلك كما في قصة أسارى بدر، وكما في قصةالخروج للقاء قريش يوم أحد، وكما في قصة المشورةحين فرت عير قريش قبل اللقاء يوم بدر. وقد تكونبطلب لكنَّ رأي أهل الشورى يخالف رأي النبي -صلىالله عليه وسلم- كما في قصة مشاورته للسعدين – سعدبن معاذ وسعد بن عبادة – في إعطاء بعض الأحزاب ثلثتمر المدينة مقابل الانصراف عن حصارهم للمدينة يومالخندق، فرفضا ذلك، فأخذبرأييهما.
وأما إن كان خارجًا عن مجلس الشورى، فله احتمالات،منها: أن يكون لجماعة من المسلمين رأي تتحقق بهمصلحة طائفة لهم، وهذا جائز؛ إذ لا مانع شرعًا منأن يَصِلَ المسلم إلى تحقيق مصلحة له، فإن كانتالمصلحة تخص جماعة لا فردًا فلا شك في تأكدالجواز، وإنما قد يأتي ما يعارض الجواز منخارج.
هل الشرعأمر بنظام سياسي معين؟
والناظر في طريقةنقل السلطة في العصر الأول يرى أن الشرع لم يأتِبشيء صريح في ذلك، شأنه في ذلك كشأنه في القضاياالتي هي محتملة للتغيير، ويظهر ذلك في تغير نقلالسلطة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينص على الخليفة من بعده، ولذا قام النزاع فيالسقيفة، واختار المسلمون أبا بكر رضي الله عنه،ثم قام أبو بكر بتعيين عمر بن الخطاب خليفة منبعده، ثم قام عمر بتعيين ستة ينتخب منهم واحد. وهذا يدل على سعة الأمر في طريقة التعيين، وأنهيجوز إظهار بدائل جديدة لا تخرج عن جوهر الأحكامالشرعية في هذا الأمر، فطريقة تعيين الخليفة الأولوالثاني والثالث تُبَيِّن أنه ليس هناك نظام معينفي ذلك من قِبَلِ الشرع، والفقهاء بَنَوا آراءهمالفقهية على ما تم حدوثه، ولميَتَعَدَّوه.
أدلة التعدديةالسياسية:
التعددية السياسية لم يأت ماينفيها، بل ورد ما يعضدها، فمن ذلك: موقف الأنصارمن الغنائم يوم حنين، وقصة سعد بن عبادة؛ فعن أبيسعيد الخدري قال: «لما أعطى رسول الله -صلى اللهعليه وسلم- ما أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائلالعرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء؛ وجد هذا الحيمن الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت فيهم القالة، حتىقال قائلهم: لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسولالله، إن هذا الحي قد وَجِدُوا عليك في أنفسهم ؛لِمَا صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومكوأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يكن فيهذا الحي من الأنصار شيء. قال: "فأين أنت من ذلكيا سعد؟" قال: يا رسول الله، ما أنا إلا امرؤ منقومي، وما أنا؟ قال: "فاجمع لي قومك في هذهالحظيرة"، قال: فخرج سعد فجمع الناس في تلكالحظيرة، قال: فجاء رجال من المهاجرين فتركهمفدخلوا، وجاء آخرون فَرَدَّهُم، فلما اجتمعوا أتاهسعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار. قال: فأتاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ...». وذكرتمام الحديث كما في مسند أحمد (3/ 76).
ووجهالدلالة: أن الأنصار اتخذت موقفًا فأصابهم وأقرهمالنبي -صلى الله عليه وسلم- على اتخاذ الموقف، ثمحاورهم في لب الأمر.
- وفي حديث البخاري عنالْمِسْوَر: "أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَوَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا،فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُبِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الأمْرِ،وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْمِنْكُمْ، فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَالرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ، فَمَالَ النَّاسُ عَلَىعَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنَالنَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلايَطَأُ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيحَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِيأَصْبَحْنَا مِنْهَا، فَبَايَعْنَاعُثْمَانَ".
فقوله: "فَمَالَ النَّاسُ عَلَىعَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنَالنَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلايَطَأُ عَقِبَهُ" دليل على التعددية السياسيةمتمثلة في هؤلاء الستة، ثم تفرق الناس فيهم،فاتبعت كل طائفة منهم واحدًا من الستة يطؤون عقبه؛لميلهم إليه، أو الاستماع إليهم بحيث ينتج قرارالتصويت بعد علم ورَوِيَّةٍ.
- وفي الصحيحين فيقصة صلح الحديبية: «قال عمر بن الخطاب: فأتيت نبيالله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: ألست نبي اللهحقا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا علىالباطل؟ قال: بلى. قلت: فَلِمَ نُعْطي الدنية فيديننا إذن؟ قال: إني رسول الله، ولست أعصيه وهوناصري. قلت: أوليس كنت تحدثنا أَنَّا سنأتي البيتفنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟قال: قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومُطَوِّفٌ به. قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي اللهحقا؟! قال: بلى. قلت: ألَسْنَا على الحق وعدوناعلى الباطل؟ قال: بلى. قلت: فَلِمَ نعطي الدنية فيديننا إذن؟ قال: أيها الرجل، إنه لرسول الله -صلىالله عليه وسلم- وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسكبِغَرْزِهِ، فوالله إنه على الحق. قلت: أليس كانيحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى،أفأخبَرَكَ أنك تأتيه العام؟! قلت: لا. قال: فإنكآتيه ومُطَوِّفٌ به».
فموقف عمر مع النبي -صلىالله عليه وسلم- يوم الحديبية، يدل على التعدديةالسياسية الواضحة، مع المراجعة مع ولي الأمرفَمَنْ دونه، لكن مع عدم التشغيب على الحاكم،فالتعددية السياسية مطلوبة من خلال مجلس الشورى،أو ما يشبهه ويقوم مقامه.
- وفي البخاري في قصةمقتل عمر: «فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلماانصرفوا قال: يا ابن عباس، انظر من قتلني. فجالساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة! قال: الصَّنَعُ؟قال: نعم. قال: قاتله الله! لقد أمرت به معروفًا،الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدَّعيالإسلام، قد كنتَ أنت وأبوك تحبان أن تَكْثُرَالعُلُوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهمرقيقًا».
وفي شرح الحديث لابن حجر: "قوله: قدكنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة" فيرواية ابن سعد من طريق محمد بن سيرين عن ابن عباس: "فقال عمر: هذا من عمل أصحابك، كنت أريد ألايدخلها عِلْجٌ من السبي فغلبتموني". وله من طريقأسلم مولى عمر قال: "قال عمر: من أصابني؟ قالوا: أبو لؤلؤة -واسمه فيروز- قال: قد نهيتكم أن تجلبواعليها من علوجهم أحدًا فعصيتموني". ونحوه في روايةمبارك بن فضالة، وروى عمر بن شبة من طريق ابنسيرين قال: "بلغني أن العباس قال لعمر -لما قال: لا تُدخِلُوا علينا من السبي إلا الوصفاء-: إن عملالمدينة شديد، لا يستقيم إلا بالعلوج". فتح الباري (7/ 64).
وهذانموذج على مراجعة الإمام فيما يعتقد أن فيه مصلحة،واستجابة الإمام لهم إن غلب على رأيه صحة ما تطلبهبعض الفئات المستفيدة من تشريع ما يحقق لهامصلحة.
وينبغي لمن يدلي بصوته أن يتقي الله في صوته،ويتحرى مصلحة الأمة ما استطاع، قال تعالى: ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْوَيُسْأَلُونَ﴾[الزخرف: 19]، وليعلم أنهذا الأمر من النصيحة، وقد ورد في الحديث الشريفعن تميم الداري: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابهولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». أخرجهمسلم.
قالالمناوي: "قال بعض الكاملين: يحتاج الناصح والمشيرإلى علم كبير كثير؛ فإنه يحتاج أولًا إلى علمالشريعة، وهو العلم العام المتضمن لأحوال الناس،وعلم الزمان، وعلم المكان، وعلم الترجيح إذاتقابلت هذه الأمور، فيكون ما يصلح الزمان يفسدالحال أو المكان، وهكذا، فينظر في الترجيح فيفعلبحسب الأرجح عنده، مثاله: أن يضيق الزمن عن فعلأمرين اقتضاهما الحال فيشير بأهمهما، وإذا عرف منحال إنسان بالمخالفة وأنه إذا أرشده لشيء فعل ضده؛يشير عليه بما لا ينبغي ليفعل ما ينبغي، وهذا يسمىعلم السياسة؛ فإنه يسوس بذلك النفوس الجموحةالشاردة عن طريق مصالحها، فلذلك قالوا: يحتاجالمشير والناصح إلى علم، وعقل، وفكر صحيح، ورؤيةحسنة، واعتدال مزاج، وتُؤَدَة وتَأَنٍّ، فإن لمتجمع هذه الخصال فخطؤه أسرع من إصابته فلا يشيرولا ينصح، قالوا: وما في مكارم الأخلاق أدق ولاأخفى ولا أعظم من النصيحة". فيض القدير (6/ 268)،الناشر: المكتبة التجارية الكبرى- مصر.
ولما كانالأمر يتصل بالإمامة، وهي لها ضوابط خاصة في الفقهالإسلامي، كان الأولى أن نوضح تلك الخواص حتى لانتعداها، ولنوفق بعد ذلك بين التعددية السياسيةوبين هذهالخواص.
فالأصلفي الإمامة أنها واجبة، لأن هناك من أعمال الشرعما لا يتم إلا بالقوة، كالجهاد، والعدل، وَرَدِّالمظالم، وهذه تحتاج إلى إمام يقود الناس لتحقيقذلك، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَلِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِخَلِيفَةً﴾[البقرة: 30]. قال القرطبي: "هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يُسمع لهويُطاع؛ لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكامالخليفة، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بينالأئمة، إلا ما روي عن الأصم؛ حيث كان عن الشريعةأصم، وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيهومذهبه ... ودليلنا قول الله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِيالْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾وقال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَآمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِلَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾، أي: يجعل منهم خلفاء، إلى غير ذلك من الآي. الجامعلأحكام القرآن (1/ 264 )، ط: دار الكاتبالعربي.
ووردفي السنة «عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو أَنَّالنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لايَحِلُّ لِثَلاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلاةٍ مِنْالأَرْضِ إلا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّرَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إذَاخَرَجَ ثَلاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُواعَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَمِثْلُهُ.
قال الشوكاني: "وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُيُشْرَعُ لِكُلِّ عَدَدٍ بَلَغَ ثَلاثَةًفَصَاعِدًا أَنْ يُؤَمِّرُوا عَلَيْهِمْأَحَدَهُمْ؛ لأَنَّ فِي ذَلِكَ السَّلامَةَ مِنْالْخِلافِ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى التّلافِ، فَمَعَعَدَمِ التَّأْمِيرِ يَسْتَبِدُّ كُلُّ وَاحِدٍبِرَأْيِهِ، وَيَفْعَلُ مَا يُطَابِقُ هَوَاهُفَيَهْلِكُونَ، وَمَعَ التَّأْمِيرِ يَقِلُّالاخْتِلافُ وَتَجْتَمِعُ الْكَلِمَةُ، وَإِذَاشُرِّعَ هَذَا لِثَلاثَةٍ يَكُونُونَ فِي فَلاةٍمِنْ الأَرْضِ أَوْ يُسَافِرُونَ فَشَرْعِيَّتُهُلِعَدَدٍ أَكْثَرَ يَسْكُنُونَ الْقُرَىوَالأَمْصَارَ وَيَحْتَاجُونَ لِدَفْعِالتَّظَالُمِ وَفَصْلِ التَّخَاصُمِ؛ أَوْلَىوَأَحْرَى، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ لِقَوْلِ مَنْقَالَ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَى المسْلِمِينَ نَصْبُالأَئِمَّةِ وَالْوُلاةِ وَالْحُكَّامِ". نيلالأوطار 8/ 265 (ط. الحلبي).
وقال ابنتيمية: "الْفَصْلُ الثَّامِنُ: وُجُوبُ اتِّخَاذِالإِمَارَةِ. يَجِبُ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ وِلايَةَالنَّاسِ مِنْ أَعْظَمِ وَاجِبَاتِ الدِّينِ، بَلْلا قِيَامَ لِلدِّينِ إلا بِهَا، فَإِنَّ بَنِيآدَمَ لا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُمْ إلابِالاجْتِمَاعِ لِحَاجَةِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ،وَلا بُدَّ لَهُمْ عِنْدَ الاجْتِمَاعِ مِنْرَأْسٍ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليهوسلم-: «إذَا خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِي سَفَرٍفَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ»، رَوَاهُ أَبُودَاوُد، مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِيهُرَيْرَةَ. وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِيالمسْنَدِ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو: أَنَّالنَّبِيَّ قَالَ: «لا يَحِلُّ لِثَلاثَةٍيَكُونُونَ بِفَلاةٍ مِنْ الأَرْضِ إلا أَمَّرُواعَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ» فَأَوْجَبَ صلى الله عليهوسلم تَأْمِيرَ الْوَاحِدِ فِي الاجْتِمَاعِالْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ؛ تَنْبِيهًاعَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الاجْتِمَاعِ؛ وَلأَنَّاللهَ -تَعَالَى- أَوْجَبَ الأَمْرَ بِالمعْرُوفِوَالنَّهْيَ عَنْ المنْكَرِ، وَلا يَتِمُّ ذَلِكَإلا بِقُوَّةٍ وَإِمَارَةٍ.
وَكَذَلِكَ سَائِرُمَا أَوْجَبَهُ مِنْ الْجِهَادِ وَالْعَدْلِوَإِقَامَةِ الْحَجِّ وَالْجُمَعِ وَالأَعْيَادِوَنَصْرِ المظْلُومِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ؛ لاتَتِمُّ إلا بِالْقُوَّةِ وَالإِمَارَةِ؛وَلِهَذَا رُوِيَ: «أَنَّ السُّلْطَانَ ظِلُّ اللهفِي الأَرْضِ» وَيُقَالُ: "سِتُّونَ سَنَةً مِنْإمَامٍ جَائِرٍ أَصْلَحُ مِنْ لَيْلَةٍ بِلاسُلْطَانٍ". وَالتَّجْرِبَةُ تُبَيِّنُ ذَلِكَ؛وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ -كَالْفُضَيْلِ بْنِعِيَاضٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا- يَقُولُونَ: "لَوْ كَانَ لَنَا دَعْوَةٌ مُجَابَةٌلَدَعَوْنَا بِهَا لِلسُّلْطَانِ"، وَقَالَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللهَلَيَرْضَى لَكُمْ ثَلاثَةً: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاتُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوابِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَأَنْتَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ: «ثَلاثٌ لا يُغِلُّعَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إخْلاصُ الْعَمَلِلله، وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأَمْرِ، وَلُزُومُجَمَاعَةِ المسْلِمِينَ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْتُحِيطُ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ» رَوَاهُ أَهْلُالسُّنَنِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُقَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُالنَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: للهوَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِالمسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». فَالْوَاجِبُاتِّخَاذُ الإِمَارَةِ دِينًا وَقُرْبَةًيُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى الله، فَإِنَّالتَّقَرُّبَ إلَيْهِ فِيهَا بِطَاعَتِهِوَطَاعَةِ رَسُولِهِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ،وَإِنَّمَا يَفْسُدُ فِيهَا حَالُ أَكْثَرِالنَّاسِ لابْتِغَاءِ الرِّيَاسَةِ أَوْ المالِبِهَا". السياسة الشرعية ص 129 ط. وزارة الأوقافالسعودية.
والأصل في الإمام أنه يطاع من الأمة، ويحرم الخروجعليه، وقد وردت بذلك الأدلة، منها قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُواالرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء 59]، ومن السنة قول النبي -صلى الله عليهوسلم-: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، ماتميتة جاهلية» أخرجه مسلم، والأحاديث في البابكثيرة معلومة. وقد ذكر الإمام البخاري باب قَوْلِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «سَتَرَوْنَبَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا»، وَقَالَ عَبْدُالله بْنُ زَيْدٍ: قَالَ النبي -صلى الله عليهوسلم-: «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْني عَلَىالْحَوْضِ». ثم ذكر فيه حديث ابن مسعود، قَالَالنبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّكُمْسَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، وَأُمُورًاتُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَارَسُولَ الله؟ قَالَ: أَدُّوا إِلَيْهِمْحَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ». وحديث ابنعَبَّاس: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْكَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا، فَلْيَصْبِرْ،فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًامَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». وحديث عُبَادَة: «بَايَعَنَا النبي -صلى الله عليه وسلم- عَلَىالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَاوَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا،وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لا نُنَازِعَالأمْرَ أَهْلَهُ، إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًابَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ الله فِيهِ بُرْهَانٌ». وحديث أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ: «أَنَّ رَجُلاأَتَى النبي -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَارَسُولَ الله اسْتَعْمَلْتَ فُلانًا، وَلَمْتَسْتَعْمِلْنِي، قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَبَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّىتَلْقَوْنِي».
وفي شرح هذه الأحاديث قال ابن بطال: "في هذهالأحاديث حجة في ترك الخروج على أئمة الجَوْر،ولزوم السمع والطاعة لهم، والفقهاء مجمِعُون علىأن الإمام المتغلّب طاعته لازمة ما أقام الجمعاتوالجهاد، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما فيذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، ألا ترى قوله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «سترون بعدي أثرةًوأمورًا تنكروها» فوصف أنهم سيكون عليهم أمراءيأخذون منهم الحقوق ويستأثرون بها، ويؤثرون بها منلا تجب له الأثرة، ولا يعدلون فيها، وأَمَرَهُمْبالصبر عليهم والتزام طاعتهم على ما فيهم منالجور، وذكر علي بن معبد عن علي بن أبي طالب أنهقال: «لا بد من إمامة برة أو فاجرة. قيل له: البرةلا بد منها، فما بال الفاجرة؟ قال: تقام بهاالحدود، وتأمن بها السبل، ويقسم بها الفيء، ويجاهدبها العدو». ألا ترى قوله -صلى الله عليه وسلم- فيحديث ابن عباس: «من خرج من السلطان شبرًا ماتميتةً جاهليةً». وفي حديث عبادة: «بايعنا رسولالله على السمع والطاعة» إلى قوله: «وألا ننازعالأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا». فدل هذاكله على ترك الخروج على الأئمة، وألا يشق عصاالمسلمين، وألا يتسبب في سفك الدماء وهتك الحريم،إلا أن يكفر الإمام ويُظهِر خلاف دعوة الإسلام،فلا طاعة لمخلوق عليه، وقد تقدم في كتاب الجهادوكتاب الأحكامهذا".اه.
وعلى الأمةالطاعة والنصرة لولي الأمر ما لم يأمر بمعصية؛للنصوص السابقة.
قالأبو يعلى: "وإذا قام الإمام بحقوق الأمة وجب لهعليهم الطاعة والنصرة، ما لم يوجد من جهته ما يخرجبه عن الإمامة، والذي يخرج به عن الإمامة شيئان: الجرح في عدالته، والنقص في ذلك بما يقتضي صحةالإمامة، وتأولناه على أن هناك عذرًا يمنع مناعتبار العدالة حالة العقد، كما كان العذر مؤثرًافي الفاضل. الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 28، ط: دار الكتب العلمية).
وقال الماوردي: "وَإِذَا قَامَ الإِمَامُ بِمَاذَكَرْنَاهُ مِنْ حُقُوقِ الأُمَّةِ، فَقَدْأَدَّى حَقَّ الله تَعَالَى فِيمَا لَهُمْوَعَلَيْهِمْ ، وَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهِمْحَقَّانِ: الطَّاعَةُ وَالنُّصْرَةُ مَا لَمْيَتَغَيَّرْ حَالُهُ". الأحكام السلطانية للماوردي (ص 19) ط. دار الكتبالعلمية.
والأصل فيالإمامة الدوام، فلا يجوز منازعة الإمام؛ لقولالنبي -صلى الله عليه وسلم-: «ولا ننازع الأمرأهله». ولا يعزل الإمام إلا إذا أخلَّ بشروطالإمامة، لكن إن كان هناك فتنةٌ تحدث من العزل فلايجوز؛ لما علم ما يكون في الفتن من الشروروالمفاسد ما الله به عليم، فيحتمل الضرر الأصغر فيمقابل دفع الضرر الأكبر. ولا نطيل بهذه المسألة؛لخروجها عنالمقصود.
لكنإن كانت هناك مدةٌ معينةٌ في الدستور إذا انقضتبطلت الإمامة، فهذا ينظر فيه: إن كان هذا النصموجودًا قبل تولِّي الحاكم، فهو قد تولى الحكمبالبيعة المشروطة، فيجب عليه الوفاء بالشرط،ويستدل لها بحديث: «المؤمنون عندشروطهم».
وأماإن كان هو وضعه بعد توليه، فالعمل به لا يعدخروجًا عليه؛ لأنه هو الذي وضعه وارتضاه، لكن هذايدخل في أنه قد عزل نفسه، والراجح جوازه؛ لأنالإمامة وكالةٌ عن المسلمين، فيجوز له تركُهابالاستعفاء وقبول أهل الحل والعقد ذلك، ويستدل لهبفعل الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما، وسكوت أهلالعلم على ذلك، بل ورد في الحديث إشارة إلى ذلك،وهو حديث: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بينطائفتين». رواهالبخاري.
قالابن عابدين: (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ سَلْطَنَةُمُتَغَلِّبٍ) أَيْ: مَنْ تَوَلَّى بِالْقَهْرِوَالْغَلَبَةِ بِلا مُبَايَعَةِ أَهْلِ الْحَلِّوَالْعَقْدِ وَإِنْ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَالمارَّةَ. وَأَفَادَ أَنَّ الأَصْلَ فِيهَا أَنْتَكُونَ بِالتَّقْلِيدِ. قَالَ فِي المسَايَرَةِ: وَيَثْبُتُ عَقْدُ الإِمَامَةِ: إمَّابِاسْتِخْلافِ الْخَلِيفَةِ إيَّاهَا كَمَا فَعَلَأَبُو بَكْرٍ رضي الله تعالى عنه، وَإِمَّابِبَيْعَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ. وَعِنْدَ الأَشْعَرِيِّ: يَكْفِي الْوَاحِدُ مِنْالْعُلَمَاءِ المشْهُورِينَ مِنْ أُولِيالرَّأْيِ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ بِمَشْهَدِ شُهُودٍلِدَفْعِ الإِنْكَارِ إنْ وَقَعَ. وَشَرَطَالمعْتَزِلَةُ خَمْسَةً. وَذَكَرَ بَعْضُالْحَنَفِيَّةِ اشْتِرَاطَ جَمَاعَةٍ دُونَ عَدَدٍمَخْصُوصٍ. اه (قَوْلُهُ لِلضَّرُورَةِ) هِيَدَفْعُ الْفِتْنَةِ، وَلِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُواوَلَوْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّأَجْدَعُ». (قَوْلُهُ وَكَذَا صَبِيٌّ) أَيْ: تَصِحُّ سَلْطَنَتُهُ لِلضَّرُورَةِ، لَكِنْ فِيالظَّاهِرِ لا حَقِيقَةً. قَالَ فِي الأَشْبَاهِ: تَصِحُّ سَلْطَنَتُهُ ظَاهِرًا. قَالَ فِيالْبَزَّازِيَّةِ: مَاتَ السُّلْطَانُوَاتَّفَقَتْ الرَّعِيَّةُ عَلَى سَلْطَنَةِ ابْنٍصَغِيرٍ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ تُفَوَّضَ أُمُورُالتَّقْلِيدِ عَلَى وَالٍ، وَيُعِدُّ هَذَاالْوَالِي نَفْسَهُ تَبَعًا لابْنِ السُّلْطَانِلِشَرَفِهِ، وَالسُّلْطَانُ فِي الرَّسْمِ هُوَالابْنُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَالِي؛لِعَدَمِ صِحَّةِ الإِذْنِ بِالْقَضَاءِوَالْجُمُعَةِ مِمَّنْ لا وِلايَةَ لَهُ. اه. أَيْ لأَنَّ هَذَا الْوَالِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْهُوَ السُّلْطَانَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَصِحَّإذْنُهُ بِالْقَضَاءِ وَالْجُمُعَةِ، لَكِنْيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ سُلْطَانٌ إلَىغَايَةٍ وَهِيَ بُلُوغُ الابْنِ؛ لِئَلا يَحْتَاجَإلَى عَزْلِهِ عِنْدَ تَوْلِيَةِ ابْنِالسُّلْطَانِ إذَا بَلَغَ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُفَوَّضَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِوَالْفَاعِلُ: هُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِعَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ، لا الصَّبِيُّ؛ لِمَاعَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لا وِلايَةَ لَهُ، وَضُمِّنَ (يُفَوَّضُ) مَعْنَى يُلْقَى، فَعُدِّيَ بِعَلَى،وَإِلا فَهُوَ يَتَعَدَّى بِإِلَى. (قَوْلُهُ فِيالرَّسْمِ) أَيْ: فِي الظَّاهِرِ وَالصُّورَةِ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي الأَشْبَاهِ) أَيْ: فِيأَحْكَامِ الصِّبْيَانِ، وَعَلِمْت عِبَارَتَهُ. (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ: فِي الأَشْبَاهِ عَنْالْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا، وَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَمَا مَرَّ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ فَافْهَمْ. وَذَكَرَالْحَمَوِيُّ: أَنَّ تَجْدِيدَ تَقْلِيدِهِ بَعْدَبُلُوغِهِ لا يَكُونُ إلا إذَا عَزَلَ ذَلِكَالْوَالِي نَفْسَهُ؛ لأَنَّ السُّلْطَانَ لايَنْعَزِلُ إلا بِعَزْلِ نَفْسِهِ، وَهَذَا غَيْرُوَاقِعٍ. اه. قُلْت قَدْ يُقَالُ: إنَّسَلْطَنَةَ ذَلِكَ الْوَلِيِّ لَيْسَتْمُطْلَقَةً، بَلْ هِيَ مُقَيَّدَةٌ بِمُدَّةِصِغَرِ ابْنِ السُّلْطَانِ، فَإِذَا بَلَغَانْتَهَتْ سَلْطَنَةُ ذَلِكَ الْوَلِيِّ كَمَاقُلْنَاهُ آنِفًا. رد المحتار على الدر المختار(1/ 368) ط. إحياءالتراث.
وقالالرُّحيباني: "وَلا يَنْعَزِلُ) الإِمَامُ (بِفِسْقِهِ) بِخِلافِ الْقَاضِي؛ لِمَا فِيهِ مِنالمفْسَدَةِ، وَلا بِمَوْتِ مَنْ يُبَايِعُهُ؛لأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلا عَنْهُ، بَلْ عَنْالمسْلِمِينَ (وَيُجْبَرُ) عَلَى إمَامَةٍ (مُتَعَيِّنٌ لَهَا)؛ لأَنَّهُ لا بُدَّلِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَاكِمٍ؛ لِئَلا تَذْهَبَحُقُوقُ النَّاسِ. (وَهُوَ) أَي :الإِمَامُ (وَكِيل) المسْلِمِينَ (فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ) مُطْلَقًا كَسَائِرِ الْوُكَلاءِ (وَلَهُمْ)،أَيْ: أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ (عَزْلُهُ إنْسَأَلَهَا)؛ أَيْ: الْعُزْلَة بِمَعْنَىالْعَزْلِ؛ لا الإِمَامَة؛ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ: "أَقِيلُونِي أَقِيلُونِي". قَالُوا: لانُقِيلُكَ. (وَإِلا) يَسْأَل الْعُزْلَةَ (فَلا) يَعْزِلُونَهُ". مطالب أولي النهى في شرح غايةالمنتهى (6/ 265) ط. بيروت.
وأماحكم طلب الإمامة، ففيه تفصيلٌ، فإن كان الحزب يطلبالسلطة العليا في الانتخابات الرئاسية، فهذا يرتبطبحكم طلب الإمامة العليا، وهو فرض كفاية، فإن كانلا يوجد إلا شخص واحد كفء لها، فقد وجب عليهطلبها، ووجب على الأمة قبوله وبيعته، ويجبر علىالقبول كسائر فروض الكفايات عند التعين، وإن كانيصلح لها جماعة، جاز لكل واحد منهم طلبها، ووجبعلى الأمة اختيار أحدهم، فإن امتنعوا جميعًا منهأثموا كما في سائر فروض الكفايات، ويكره لمن هوأهل أن يتقدَّم من هو أولى بها منه، ويحرم عليهطلبها إن كان غير صالحلها.
قال الشيخزكريا الأنصاري: "(بَابُ الإِمَامَةِ) الْعُظْمَى (وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) كَالْقَضَاءِ؛ إذْ لابُدَّ لِلأُمَّةِ مِنْ إمَامٍ يُقِيمُ الدِّينَ،وَيَنْصُرُ السُّنَّةَ، وَيُنْصِفُ المظْلُومِينَ،وَيَسْتَوْفِي الْحُقُوقَ وَيَضَعُهَامَوَاضِعَهَا (فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ) لَهَا (إلاوَاحِدٌ) وَلَمْ يَطْلُبُوهُ (لَزِمَهُطَلَبُهَا)؛ لِتَعَيُّنِهَا عَلَيْهِ، (وَأُجْبِرَ) عَلَيْهَا (إنْ امْتَنَعَ) مِنْقَبُولِهَا، فَإِنْ صَلُحَ لَهَا جَمَاعَةٌفَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ صَلُحَ جَمَاعَةٌلِلْقَضَاءِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي بَابِهِ. أسنى المطالب شرح روض الطالب (4/108)، ط. دارالكتابالإسلامي.
وقالفي باب القضاء: "(وإن صلح) له بفتح اللام وضمها (جماعة وقام) به (أحدهم سقط به الفرض) عن الجميع (وإن امتنعوا) منه (أثموا) كسائر فروض الكفايات (وأجبر الإمامُ واحدًا) منهم عليه؛ لئلا تتعطلالمصالح". أسنى المطالب (4/ 278).
وتأتيهنا مسألة اختيار المفضول مع وجود الأفضل؛ لأن كلحزب سيقدِّم مرشحه، كما يقوم الناس بالانتخابوإدلاء الأصوات للمرشحين، وهذا أيضًا فيه تفصيلٌ،فأما إذا كان كل حزب سيقدِّم مرشحه للرئاسة، فقدوجب عليه أن يقدِّم أفضل من لديه، أما الاختيار منأهل الحل والعقد، فقد وجب عليهم اختيار الأفضلوعدم العدول عنه؛ لما ورد في ذلك من الأحاديثوالآثار، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قالرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنِاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ عِصَابَةٍ، وَفِي تِلْكَالْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لله مِنْهُ،فَقَدْ خَانَ اللهَ، وَخَانَ رَسُولَهُ، وَخَانَالمؤْمِنِينَ». أخرجه الحاكم في المستدرك (7023) وصححه. وعن يزيد بن أبي سفيان قال: قال لي أبو بكرالصديق – رضي الله عنه – حين بعثني إلى الشام: يايزيد إن لك قرابةً عسيت أن تؤثرهم بالإمارة، ذلكأكثر ما أخاف عليك، فقد قال رسول الله -صلى اللهعليه وسلم-: «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِالمسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْأَحَدًا مُحَابَاةً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله، لَايَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًاحَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ». صحَّحه الحاكم فيالمستدرك (7024).
لكن إنتم اختيار المفضول، فهل تنعقد البيعة؟ الجمهور علىانعقادها؛ ويستدل لهم بمقولة الصديق يوم السقيفة: "قد رضيت لكم أحد الرجلين". وكذلك جعل عمر الشورىفي ستة.
قالابن بطَّال في شرح حديث السقيفة: "وقول أبي بكر: "قد رضيت لكم أحد الرجلين". هو أدبٌ منه، خشي أنيزكي نفسه، فيعد ذلك عليه ... وفيه جواز إمامةالمفضول إذا كان مِن أهل الغناء والكفاية، وقدقدَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة علىجيشٍ فيه أبو بكر وعمر". اه
وقالالماوردي: فإذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار،تصفَّحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها،فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلًا وأكملهم شروطًا،ومن يسرع الناس إلى طاعته، ولا يتوقَّفون عنبيعته، فإذا تعيَّن لهم من بين الجماعة مَنأدَّاهم الاجتهاد إلى اختياره؛ عرضوها عليه، فإنأجاب إليها بايعوه عليها، وانعقدت ببيعتهم لهالإمامة، فلزم كافةَ الأمة الدخولُ في بيعتهوالانقيادُ لطاعته، وإن امتنع من الإمامة ولميُجِبْ إليها، لم يُجبَر عليها؛ لأنها عقد مراضاةواختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار، وعدل عنه إلىمن سواه من مستحقيها. فلو تكافأ في شروط الإمامةاثنان، قدم لها اختيارًا أسنهما، وإن لم تكن زيادةالسن مع كمال البلوغ شرطًا، فإن بويع أصغرهُماسِنًّا جاز؛ ولو كان أحدهما أعلم والآخر أشجع،روعي في الاختيار ما يوجبه حكم الوقت، فإن كانتالحاجة إلى فضل الشجاعة أدعى لانتشار الثغور وظهورالبغاة؛ كان الأشجعُ أحقَّ، وإن كانت الحاجة إلىفضل العلم أدعى لسكون الدهماء وظهور أهل البدع،كان الأعلم أحقَّ، فإن وقف الاختيار على واحد مناثنين فتنازعاها، فقد قال بعض الفقهاء: إن التنازعفيها لا يكون قدحًا مانعًا، وليس طلب الإمامةمكروهًا، فقد تنازع فيها أهل الشورى، فما رد عنهاطالب، ولا منع منها راغب، واختلف الفقهاء فيمايقطع به تنازعهما مع تكافؤ أحوالهما، فقالت طائفة: يقرع بينهما ويقدم من قرع منهما. وقال آخرون: بليكون أهل الاختيار بالخيار في بيعة أيهما شاؤوا منغير قرعة، فلو تعين لأهل الاختيار واحد هو أفضلالجماعة فبايعوه على الإمامة، وحدث بعده من هوأفضل منه، انعقدت ببيعتهم إمامة الأول، ولم يَجُزالعدول عنه إلى من هو أفضل منه؛ ولو ابتدؤوا بيعةالمفضول مع وجود الأفضل نظر، فإن كان ذلك لعذر دعاإليه من كون الأفضل غائبًا أو مريضًا، أو كونالمفضول أطوع في الناس وأقرب في القلوب؛ انعقدتبيعة المفضول، وصحَّت إمامته، وإن بويع لغير عذرفقد اختلف في انعقاد بيعته وصحَّت إمامته: فذهبتطائفة -منهم الجاحظ- إلى أن بيعته لا تنعقد؛ لأنالاختيار إذا دعا إلى أولى الأمرين لم يجز العدولعنه إلى غيره مما ليس بأولى، كالاجتهاد في الأحكامالشرعية. وقال الأكثر من الفقهاء والمتكلمين: تجوزإمامته وصحَّت بيعته، ولا يكون وجود الأفضل مانعًامن إمامة المفضول إذا لم يكن مقصرًا عن شروطالإمامة، كما يجوز في ولاية القضاء تقليد المفضولمع وجود الأفضل؛ لأن زيادة الفضل مبالغة فيالاختيار وليست معتبرة في شروط الاستحقاق، فلوتفرَّد في الوقت بشروط الإمامة واحد لم يشرك فيهاغيره، تعيَّنت فيه الإمامة، ولم يجز أن يعدل بهاعنه إلى غيره. الأحكام السلطانية للماوردي (ص 8) ط. دار الكتب العلمية.
والخلاصة:أنه يجوزالتعددية السياسية داخل نظام الدولة الإسلامية،ولكن بالضوابط المذكورة. والله سبحانه وتعالىأعلم
مواضيع متعلقة
بص وطل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.