لأول مرة .. بتكوين يقفز ويتجاوز 100 ألف دولار.    توافد جماهيري كبير إلى ميدان السبعين بصنعاء وساحات المحافظات    بمشاركة زعماء العالم .. عرض عسكري مهيب بمناسبة الذكرى ال80 للنصر على النازية    تصل إلى 100 دولار .. لجنة حكومية تفرض رسوم امتحانات على طلاب الثانوية اليمنيين في مصر    في شوارع الحزن… بين أنين الباعة وصمت الجياع    توقعات بهطول أمطار وموجة غبار    حتى أنت يا بروتوس..!!    الشلهوب يقود الهلال إلى الفوز من المباراة الأولى    الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الجوع في غزة بشكل متسارع    ارتفاع أسعار الذهب قبيل محادثات تجارية مرتقبة بين واشنطن وبكين    تشيلسي إلى نهائى دورى المؤتمر الأوروبي    الأهلي يفوز على المصري برباعية    ناطق الحكومة يوضح جانبا من إنجازات وجهود الحكومة في التصدي للعدوان الأمريكي    مانشستر يونايتد يضرب موعداً مع توتنهام في نهائي الدوري الأوروبي    واقعة خطيرة.. هجوم مسلح على لاعبي فلامنغو    ليفربول يقدم عرض للتعاقد مع نجم مانشستر سيتي بروين    "تل المخروط".. "هرم" غامض في غابات الأمازون يحير العلماء!    الأسباب الرئيسية لتكون حصى المرارة    العليمي اشترى القائم بأعمال الشركة اليمنية للإستثمار (وثائق)    الغيثي: أميركا غير مقتنعة بأن حكومة الشرعية في عدن بديل للحوثيين    الجولاني يعرض النفط والتواصل مع إسرائيل مقابل رفع العقوبات    باشراحيل: على مواطني عدن والمحافظات الخروج للشوارع وإسماع صوتهم للعالم    وطن في صلعة    لماذا يحكمنا هؤلاء؟    الطائرات اليمنية التي دمرتها إسرائيل بمطار صنعاء لم يكن مؤمنا عليها    تحديد موعد أولى جلسات محاكمة الصحفي محمد المياحي    تغاريد حرة .. صرنا غنيمة حرب    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    دبلوماسي امريكي: لن ننتظر إذن تل أبيب لمنع اطلاق النار على سفننا    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    البرلماني بشر: اتفاق مسقط لم ينتصر لغزة ولم يجنب اليمن الدمار    تعيين نواب لخمسة وزراء في حكومة ابن بريك    وسط فوضى أمنية.. مقتل وإصابة 140 شخصا في إب خلال 4 أشهر    السامعي يتفقد اعمال إعادة تأهيل مطار صنعاء الدولي    صنعاء.. عيون انطفأت بعد طول الانتظار وقلوب انكسرت خلف القضبان    سيول الامطار تجرف شخصين وتلحق اضرار في إب    القضاء ينتصر للأكاديمي الكاف ضد قمع وفساد جامعة عدن    *- شبوة برس – متابعات خاصة    تكريم طواقم السفن الراسية بميناء الحديدة    صنعاء .. شركة النفط تعلن انتهاء أزمة المشتقات النفطية    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفقر لا يعيب والجوع لا يقعد


د. مصطفى يوسف اللداوي
الفقر لا يعيب والجوع لا يقعد
الفقر ليس عيباً، ولا فيه ما يدين الإنسان، أو يحط من قدره، أو يدنس شرفه، أو يجعله دوناً بين الناس، أو مطيةً لهم، أو محلاً للسخرية منه، والتهكم عليه، وجعله مادةً للتسلية، وموضوعاً للتسرية، فالفقراء هم سواد البشرية الأعظم، وأكثريتها المطلقة منذ فجر التاريخ، وهم صناع الأحداث، وقادة الشعوب، ومفجروا الثورات، وحملة مشاعل الحرية، ومصابيح العلم والهدى، وإن كانوا فقراء معدمين، أو بؤساء محرومين.
بل إن الفقير أصدق لساناً، وأصفى نفساً، وأطيب خلقاً، وأبسط عيشاً، وأهنأ حياةً، وأرحم إنساناً، وأكثر كرماً، وأشد وفاءً، وأعرق أصالة، وأفضل صديقاً، وأوسع عطاءً، وأسخى يداً، يرحب بالضيف ويبش في وجهه، ويكرم الوافد، ويحسن إلى المحتاج، ويستقبل الغريب، ويبالغ بالترحاب صادقاً، ويعطي أفضل ما عنده، وأقصى ما يستطيع، ولو كان معدماً لا يملك شيئاً، ومحتاجاً لا يستغني عما عنده.
وما من نبيٍ كان غنياً، بل إن رسل الله أجمعين كانوا فقراء، وعملوا أجراء، واشتغلوا بالرعي والتجارة، وعملوا بأيديهم في جمع الحطب، وأكلوا من كدهم، وربطوا على بطونهم جوعاً، وصاموا بسبب الفقر أياماً، وما كانت النار توقد في بيوتهم، ولا الإدام يدخل طعامهم، وكانوا يستدينون من غيرهم، ويعملون للوفاء بما عليهم، وعلى الرغم من فقرهم فقد كانوا أنبياءً، وكانوا علماءً وحكاماً، فما حط الفقر من مقامهم، ولا أوهن عزائمهم، ولا أضعف قواهم، ولا حل عرائكهم، وما أشعرهم بالهوان، ولا جعلهم يشكون ويتذمرون، ويغضبون ويثورون.
لكن العيب أن يستكين الفقير وأن يضعف، وأن يستسلم ويخضع، وأن يذل ويخشع، وأن يمل وييأس، فيركن إلى فقره، ويستكين إلى جوعه، فلا يخرج للعمل، ولا يبحث عن الرزق، ولا يسعى في الأرض، ولا يبذل جهداً، ولا يعرق أو يتعب سعياً وعملاً، بل يرمي بأحماله وأثقاله على الله في تواكلٍ مذموم، وعجزٍ مكروه، وسلبيةٍ مقيتة، قائلاً إن الرزق بيد الله، يرزق من يشاء بغير حساب، وما كتبه الله لي فسيكون، ولو كان لقمةً في فم سبعٍ، أو مضغةً في جوف حوتٍ.
أجل ... إن الرزق بيد الله، وهو سبحانه الذي يوزع الأرزاق على عباده، ولكنه جل شأنه لا يرزق نائماً، ولا يمنح حالماً، ولا يعطي متسولاً، ولا يتفضل على من أغلق على نفسه بابه، واستلقى في فراشه، نائماً يدعو الله أن يرزقه، ويسأله أن يعطيه، دون أن يخرج بحثاً عن عمل، وسعياً في فجاج الأرض ينبش عن رزقٍ أو وظيفة، وقد علم يقيناً أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، ولكن الأرض لا تبخل على من حرثها وبذرها، وبنى فيها وعمر، وزرع فيها واستثمر.
الحياة صعبةٌ ومريرة، والظروف قاسيةٌ وشديدة، والدنيا لا ترحم، والقوانين أصعب من أن تغالب، والأغنياء أبخل من أن يعطوا، وأخوف من أن يسلموا، وآخر همهم الفقير وما يكابد، وحاجته وما يعاني، بل إنهم يضيقون على الفقير ويتشددون معه، ولا يغفرون له، ولا يتساهلون معه، بل إن عليه أن يقدم أقصى جهده، لينال أقل القليل، ويحوز على النزر اليسير من الأجر، الذي لا يوازي الجهد، ولا يضاهي الإنتاج.
والأنظمة والحكومات لا يعنيها الفقير، ولا يهمها شأنه، إذ يؤذيها شكله، ويزعجها مظهره، وتقلقها حركته، فهي لا تريده ولا تتشرف به، ولا تقدمه ولا تقبل به معبراً عنها، أو ناطقاً باسمها، وهي تحاسبه إن اجتهد في البحث عن الرزق، فامتلك عربة خضار، أو كشكاً لبيع السكاكر والمرطبات، أو اشترى سيارةَ أجرة، أو حاول أن يبتدع حرفةً بها يعيش، ويستر نفسه وأسرته بما تدره عليه ولو كان قليلاً، وبدلاً من أن تيسر عليه، وتساعده في عمله، وتقنن له وتحميه، فإنها تصادر العربة، وتنثر البضاعة، وتعتقل الباعة، وتحتجز السيارة، وغير ذلك مما يضيق على الفقير، ويزيد في معاناته.
الأنظمة والحكومات التي تثقل كاهل المواطن الفقير قبل الغني بالضرائب والرسوم، تقصر في حق الفقراء عندما لا تخلق لهم وظائف، وعندما لا تساوي بينهم وبين الأغنياء في الفرص، ولا تحاول أن تقدم لهم العون والمساعدة، والمشورة والنصيحة، لفتح مشاريعٍ صغيرة، ومشاغل بسيطة، تشغل المجتمع، وتحرك عجلة الاقتصاد، وتوظف طاقاته الفقيرة، وتحمي غالبيتهم من غول الجوع الكافر، والفقر المدقع.
إنها السلطات الحاكمة، والحكومات المتنفذة، التي تتحمل وحدها المسؤولية الكاملة عن حال الفقراء، وأوضاع المواطنين البسطاء، إذ بإمكانها العمل على تشغيل قطاعاتٍ واسعة من المواطنين، واستدرار الأموال لفتح مشاريعٍ جديدة، وهي قادرة من خلال تجارب الآخرين، وخبرة الدول الأخرى على اختلاق وسائل وسبل، وتفعيل مشاريع عمل، تكون قادرة على امتصاص الفائض من الأيدي العاملة، والاستفادة من قدرات الشباب وابداعات الموهوبين، وتحسين الإنتاج ومضاعفته، وتطوير البلاد وتجميل المدن وتحسين القرى والبلدات، عندما تجعل من المواطن شريكاً لها، ومتعاقداً معها، ومخلصاً لها، ومؤمناً بها، ومقدراً لجهودها، وعاذراً لها تقصيرها عند العجز وفي مواجهة الخطوب.
ويح الفقراء الذين لم يسمعوا بالقول الخالد، عجباً لمن لا يجد القوت في بيته، لا يخرج على الناس شاهراً سيفه، ولا بقول الإمام علي بن أبي طالب، الذي قال مواجهاً الفقر، لو كان الفقر رجلاً لقتلته، إنها ليست دعوة للثورة، ولا صرخة للفوضى، ولكنها بيانٌ للفقير بأنه الأقوى، وأنه صاحب الحق دوماً حتى يناله، وأن الفقر لا يعيبه، والجوع لا يقعده ولا يشله، ولا يعجزه ولا يذله، وأن عليه أن يجد ويسعى، وأن يعمل ويواجه، فهذه الدنيا تؤخذ غلاباً، تحتاج إلى جهدٍ، ويلزمها الجد والكد، إذ ينتصر فيها صاحب البأس الجلادُ.
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected] بيروت في 18/5/2014
د. مصطفى يوسف اللداوي
اللهم ... يا الله
اللهم يا الله قد طالت الغمة، واشتدت المحنة، وعظم البلاء، ونزل بنا ما هو أعظم من الداء، مما لا قبل لنا به عليه، ولا حيلة عندنا على رده، ولا قوة لدينا على صده، فقد احترقت بيوتنا، ودمرت بلادنا، وشرد أهلنا، واستيأس العقلاء منا، وحار الحكماء فينا، وتحكم في رقابنا الجهلاء، وتسلط علينا السفهاء، وحكمتنا الدهماء، واستعر فينا الموت كما الوباء، وضاقت علينا أرضنا بما رحبت، وغص جوفها بأحبابنا وفلذات أكبادنا، وتعفن الهواء بروائح الموت، وجثت القتلى.
غرباءٌ يقتلوننا، وأجانب يتنافسون في حربنا، لا يعرفون دروبنا، ولا ينطقون بلساننا، وقد لا يدينون بديننا، ولا يستقبلون قبلتنا، فقد جاؤوا من بعيدٍ ومن جهات الدنيا الأربعة، واتفقوا مع القريب على قتلنا، وتعاونوا مع الجار على ذبحنا، قلوبهم حاقدة، وما بأيديهم حادٌ وماضي، يوزع الموت، ويمزق الأجساد، وينثر الأشلاء، فلا رحمة تسكن قلوبهم، ولا مودةً تعرفها نفوسهم، فلا ما يربطهم بنا، ولا ما يخيفهم علينا، أو يحزنهم على حالنا وما آلت إليه أوضاعنا.
فاكشف اللهم عنا ما أصابنا، وعجل لنا بالفرج، وأتمم علينا السكينة والأمن والسلامة والطمأنينة، فما لنا غيرك، ولا من يحمينا سواك، ولا من يحقن دماءنا غيرك أنت يا الله، فأنت الرجاء، ومنك وحدك سبحانك الأمل، فإليك اللهم نرفع الأكف بالدعاء، ونبتهل إليك بالبكاء، ونتوسل إليك بالرجاء.
اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدلٌ فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تفرج كربنا، وتزيل همنا، وتعيدنا إلى بلادنا وديارنا، وتوقف سيل الدم، وتطفئ نار الحرب، وترضي النفس وتسكن الأرواح.
اللهم إنا نشكو اليك ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، اللهم أنت رب المستضعفين وأنت ربنا، لا إله إلا أنت، إلى من تكلنا، إلى قريب يتجهمنا، أم إلى عدو ملكته أمرنا، إن لم يكن بك سخط علينا فلا نبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لنا.
نعوذ اللهم بنور وجهك الكريم، الذي أضاءت له السموات والأرض، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن يحل علينا غضبك، أو ينزل علينا سخطك، لك العتبى اللهم حتى ترضى، ولا حوة ولا قوة لنا إلا بك.
د. مصطفى يوسف اللداوي
لا تصدقوا مسؤولاً ولا تثقوا في حاكمٍ
لا تصدقوا مسؤولاً أنه زاهدٌ في السلطة، وكارهٌ لها، وأنه مجبرٌ عليها، غير راغبٍ فيها، وأنه يتمنى أن يستقيل من منصبه، ويتخلى عن صلاحياته، ويعود إلى بيته وأسرته، ليعيش حياةً طبيعية عادية، خالياً من ثوب الكبرياء، وبريق السلطة، وسطوة القوة، وهيبة المنصب، ووجاهة الصفة والوظيفة، وأنه يقبل بتداول السلطات، وتعاور المسؤوليات، وتعاقب الأجيال، وتدافع الطاقات والكفاءات، وأنه على استعداد لتسليم خلفه مقاليد الحكم، ومفاتيح السلطة، عن رضى نفسٍ وطيب خاطر، وصفاء روحٍ ونقاء قلب، متمنياً له النجاح والتوفيق، والسداد في مهامه وعمله، متجاوزاً لأخطائه التي سبقت، ومواصلاً لجهوده التي تقدمت.
لا تصدقوا أن مسؤولاً يرغب في أن يتخلى عن السيارات الفارهة، والمآدب والولائم الكبيرة، وفرق الحراسة الشرسة، بعناصرها الضخمة المهيبة، وسلاح المرافقة الغريب العجيب، سريع الطلقات وغريب الأشكال، متعدد المصادر والأنواع، ومغادرة البيوت العامرة، والمساكن الجميلة، والمكاتب المكيفة، والاستضافات الملكية والأميرية والرئاسية، والأجنجة الفندقية الفخمة، بكل ما فيها من خدماتٍ وامتيازات، وعطاءاتٍ ومكرمات، وأماكن ترفيه ووسائل ترويح، لا توفر لغيرهم، ولا تتاح لسواهم، ولا تكون لهم بغير هذا المقامات، وبدون هذه الصفات، التي بها يستحلون كل حرام، ويستمتعون بكل ما هو عسيرٌ على غيرهم، وصعبٌ على سواهم.
لا تصدقوا أن مسؤولاً في زماننا يقيم العدل، ويرفع لواء الحق، وينصف المظلومين، وينصر الضعفاء والمغلوبين، ويأخذ على يد الظالم ولو كان ولده، ولا يتعصب للمعتدي ولو كان من أهله، ولا يقدم أحداً بواسطة، ولا يقبل رشوة، ولا يؤمن بمحسوبية، ولا يحرم صاحب حقٍ من حقه، ولو كان خصمه أو نده، ممن يخالفه الرأي، ويعارضه في النهج، وينتقده في العلن، ولا يرضيه سلوكه أو عمله، بل يحتكم معه إلى الحق، وينصفه ولو كان على نفسه، وينزل عند رأيه وحكمه ولو كان له مخالفاً، ولولايته مناوئاً، ولسياسته معارضاً.
ولا تصدقوا أن مسؤولاً لا يعاقب مواطناً بحرمانه من راتبه، أو بعزله من وظيفته، أو بمحاربته في رزقه وعمله، وأنه يعمم العقاب، ويشمل بغير حقٍ الأسر والأولاد، مستخدماً أساليب الحصار والتجويع، ووسائل الضغط والحرمان، وهو يعلم أنه يحجب حق المواطنين، ويمنع عنهم رواتبهم وأجورهم، بقراراتٍ تعسفية، وسياساتٍ جائرة، وأحكامٍ باطلة، مستغلاً نفوذه وسلطاته، وبأنه صاحب المال ومالك القرار، وأنه الذي يملك مفاتيح خزائن المال، وأقلام التوقيع والإجازة، وأن غيره لا يملك سلطاته، ولا يقوى على مخالفة قراره، وإلا طاله العقاب، وشمله الحرمان، وحلت عليه اللعنة، ونزلت به المصيبة.
ولا تصدقوا أن مسؤولاً ليس له جوقةٌ إعلامية، تطبل له وتزمر، وتغني له وتهزج، وتروج له وتمدحه، وتشيد بأفعاله، وتعظم أعماله، وتعدد مناقبه، وتسرد على الناس قصص بطولته، وحكايات بركته، وسجاياه الرفيعة، وخلقه الجم، وحكمته البالغة، وصدقه الدائم، وشفافيته الصافية، وحسه المرهف، وضميره الحي، وتنقل عنه ما يريد ويرغب، وتحجب عن المواطنين ما لا يريد، وتنشر صوره، وتنقل تصريحاته، وتظهر جوانب إنسانيته، ومظاهر قوته، وعلامات رجولته، وتنسج حوله القصص، وتروي عنه الحكايات، التي تمجده وتعظمه، وترفع من شأنه، وتعلي من ذكره.
ولا تصدقوا أن مسؤولاً يصارح شعبه، ويكاشف أهله، ويكون شفافاً مع رعيته، يخبرهم بالحقيقة، ويكشف لهم عن الواقع، ولا يخفي عليهم اتفاقياته ولا معاهداته، ولا يتعمد أن تكون اجتماعاته في الخفاء، ولقاءاته في الظل خلف الكواليس، يبرم فيها ما يشاء، ويتخلى فيها عما لا يريد، وأنه لا يعقد الصفقات التي تناسبه، والتي تزيد في أرصدته البنكية، وعقاراته التجارية، وصفقاته المالية، وتحسن قيمة أسهمه، وأوضاع شركاته ، وأنه لا يعتمد الحوارات السرية، والقنوات الغربية، التي تحقق له ما يريد، وتجنبه غضب المعارضة وسخط المخالفين.
ولا تصدقوا أن مسؤولاً يكف يد أولاده، ويحد من سلطة أهله وأفراد أسرته، ويمنع عشيرته والأقربين، من أن تتغول بسلطاته، وتعتدي بصلاحياته، مستخدمةً اسمه، ومستغلةً سلطاته وقدراته، لتنهب وتسرق، وتعتدي وتغتصب، وتثرى وتغنى، وتراكم الأموال بغير وجه حقٍ، من تجارةٍ مخالفة، وموادٍ ممنوعة، واستثماراتٍ عامة، ومضارباتٍ رسمية، فضلاً عن غسيل الأموال، وتهريب الممنوعات، والإتجار في المخدرات والمحرمات، وتلقى الرشى والهبات، لتسهيل المعاملات، وتمرير الصفقات، وإزالة العقبات من طريقها، وإبعاد المنافسين لهم، والمشتركين في مناقصاتٍ من غير فريقهم.
ولا تصدقوا أن مسؤولاً لا يعرف ماذا يدور في سجون ومعتقلات أجهزته الأمنية وشرطته البوليسية، أو ما يجري في الزنازين وأقبية التحقيق، ولا يعرف أن شعبه قد أصبح نزيل السجون، وزبون المعتقلات، وأنه يعذب ويضرب، ويشبح ويسحل، ويغتصب وتنتهك رجولته، ويبتز في ماله وأسرته، ويمارس عليه الضغط النفسي والبدني، ويجبر على الاعتراف بالقوة تحت التعذيب، بما لم يفعل، وبغير ما ارتكب، ويساق إلى المحاكم وفق اعترافاتٍ غير قانونية، ويحكم عليه بالسجن أعواماً طويلة، ومؤبداتٍ كثيرة، فضلاً عن أحكام الإعدام المبالغ فيها، وفق قوانين قسرية لا تقرها الأنظمة الدولية، ولا اللوائح الوطنية، والشرائع الدينية.
لا تصدقوا مسؤولاً وإن تظاهر بالصلاح، ولا تثقوا في حاكمٍ أبداً وإن حمل المسبحة وحرك لسانه متمتماً، ولو كانت على جبهته زبيبة، ولسانه بعطر الكلام ذلقاً، وكلماته شعاراتٍ كالحكم، وأقواله عذبة كالبلسم، فقد ولى زمان عمر، وانتهى عهد الفاروق، ولم يعد في زماننا العدل الذي كان، والزهد الذي ساد، والعفة التي حكمت، ولا من يخاف على مصالحنا، ويسهر على سلامتنا، ويقلق على مصيرنا، ولا من يهمه ما يصيبنا، ويبكيه حالنا، ولا من يضنيه ما نلاقي، ويحزنه ما نعاني، فهذا زمان الذئاب التي تفترس، والثعالب التي تخدع، والضباع التي تغدر، والأفاعي التي تتسلل، والضواري المفترسة، التي تفتك ولا ترحم، وتقتل ولا تسأل، بلا حزنٍ ولا تردد، ولا رحمةٍ ولا شفقة، وإن بدت عيونها دامعة، ووجوهها حزينةٌ كاسفة، فإنها تبقى غالباً كاذبة.
[email protected] بيروت في 17/5/2014
التجمع من اجل الديمقراطية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.