على بعد 135 كم من حلب حاضرة الحمدانيين الخالدة تقع مدينة حماة رابعة أكبر المدن السورية على نهر العاصي الذي يشكل المورد المائي الرئيسي لزراعاتها الشهيرة من الفواكه الذائعة الصيت منذ العصور الإسلامية على أقل تقدير. وحماة من المدن القديمة المعمورة في العالم وكانت تعرف قديماً باسم «إيماتا» اشتقاقاً من اللفظة الآرامية والكنعانية «حمث» بمعنى الحصن وكانت خاضعة لسيطرة الكنعانيين قبل أن تقع بأيدي الآراميين ثم الحيثيين الذين دافعوا عنها في مواجهة جيوش المصريين القدماء طوال 15 عاماً انتهت بالصلح بين الطرفين. احتياجات السكان وظلت حماة مركزاً لإمارة آرامية وصلت جنوبا لمنابع نهر العاصي إلى أن قضى عليها الأشوريون في عهد سرجون الثاني في القرن الثامن قبل الميلاد، وتعاقب الغزاة على احتلال المدينة بدءاً من الإسكندر المقدوني، ثم خضعت للرومان بدءاً من العام 64 م. وقد عني هؤلاء بأمر الزراعة فشيدوا القناطر لنقل المياه من نهر العاصي لتلبية احتياجات السكان من مياه الشرب ولأغراض الزراعة أيضاً، كما أنشأوا النواعير الضخمة للاستفادة من مياه النهر في أغراض الري وشهدت حماة وما حولها من القرى طفرة كبرى في النشاط الزراعي وما يرتبط به من صناعات وفي مقدمتها عصر الزيتون الذي انتشرت معاصره بالمنطقة كلها. استسلمت حماة لجيش الفتح العربي بقيادة الصحابي الجليل أبي عبيدة بن الجراح في العام 18 ه بعد أن سقطت حمص في يد جيشه فصالحهم على دفع الجزية وخراج الأراضي الزراعية، ونزلت قبائل كنده العربية في الصحراء شرقي حماة فيما توطنت قبائل كلب في غربها وخلال العصر الأموي ألحقت بحمص القريبة منها. هجمات الصليبيين تعرضت حماة لأول محنة في تاريخها الإسلامي عندما شن القرامطة بقيادة أبي شامة رئيسهم هجوما كاسحاً عليها في عام 291 ه/904 م وأوقع القرامطة بحماة وجارتها حمص مذبحة هائلة لم ينج منها حتى الأطفال وامتدت مذابح القرامطة إلى معرة النعمان وسلمية ولم يقيض لحماة أن تطرد القرامطة إلا عندما أرسل الخليفة العباسي المكتفي بالله جيشاً كثيفاً أوقع الهزيمة بالقرامطة عند قرية تمانعة ليقع أبوشامة وابن عمه أسيرين في أيدي الجيش العباسي. سيطر عماد الدين زنكي على حماة وورث ملكها من بعده ابنه نور الدين زنكي فعني بعمارتها وإصلاح أسوارها تحسباً لهجمات الجيوش الصليبيبة وله مسجد كبير بوسط حماة يعرف بالجامع النوري، ثم سيطر صلاح الدين الأيوبي على المدينة ونجح الأيوبيون في حماية المدينة من هجمات الصليبيين وحصارهم للمدينة في العام 573 ه مثلما نجحوا في صد هجمات قليج أرسلان ملك سلاجقة الروم على المدينة. وعندما حاول الصليبيون مهاجمة حماة مرة أخرى في العام 599 ه تآلف حكام حمص وبعلبك ونجحوا في إنزال هزيمة نكراء بالقوات الصليبية المهاجمة. استسلمت حماة لهولاكو طواعية بعدما عاينت حال حلب وما لحق بها من دمار على يد التتار، ولكنها تحررت من سطوة المغول بعد نجاح سلطان المماليك سيف الدين قطز في هزيمة المغول في معركة عين جالوت وأصبحت جزءا من دولة المماليك بالشام ومصر إلى أن استولى عليها الأتراك العثمانيون بعد هزيمة قنصوه الغوري في موقعة مرج دابق. (القاهرة - الاتحاد) الاتحاد الاماراتية