إذا كانت انطلاقة الربيع العربي عززت فكرة التغيير السلمي، وأن الاحتجاجات الشعبية غير العنفية هي أنجع طريق لإنجاز التغيير، باعتبار أن سلمية الجماهير أقوى من الرصاص، فإننا اليوم وبعد ما جرى من انقلاب على إرادة الشعوب والإعفاء على آثار الربيع العربي وتلطيخ صورته، نقف وجها لوجه أمام انقلاب الصورة.. فأي حديث عن سلمية التغيير تستدعي مد الألسنة وربما ما هو أكثر، تماما مثلما هو الحديث عن نجاعة الحراك الشعبي في لجم تغول نظم فاسدة مستبدة، ترد على التظاهر السلمي بالرصاص، ولا تتورع عن ارتكاب ألف مذبحة من أجل بقاء الطغمة الحاكمة في سدة السلطة. إسقاط فرص التغيير السلمي، أنعش الفكر المتشدد والمجاميع العنيفة وأمدهما بطاقة هائلة، وحماقات القتل والقمع العنيف للجماهير السلمية، أنعش فكر الإقصاء وأسدل ستارا كثيفا على أفكار التعايش، قبل أن يطلق كل الغرائز البدائية من عقالها. ما وضعنا أمام موجة جديدة لا يعلم أحد إلى أي مدى زمني ستمتد، ولا نوعية المخرجات التي ستتمخض عنها، ولعل صعود داعش في العراق يضيف إلى رصيد هذا الواقع الجديد زخما أضافيا. دون أن نغفل أن استطالة شلال الدم في سوريا قد أنتج تفاصيل تعاضد المشهد القاتم، فلا مكان للحوار السياسي ولا قناعة به، وغاية الصراع الانتصار على الآخر وشطبه من المشهد، وليس واردا البحث عن فرص التعايش وتجاوز الماضي،أما جوهر التغيير فقد غابت عنه عناوين الحرية والشراكة الوطنية وبناء نظام سياسي يحترم الإرادة الشعبية. ليتحول الصراع الى صراع إقصائي صفري، إثني او طائفي يستحضر كل الثارات والتناقضات الفكرية والمذهبية والاثنية، وعلى الجانبين، ولا معنى لتلبس إقصائيين قمعيين يحكمون في العراق او سوريا او مصر او غيرها بأن ما يحاربونه الإرهاب، فهذه الذريعة سقطت، فالقتلة والإقصائيون الحاكمون هم أول الإرهابيين ولا يجمل صورتهم أن من يتصارعون معه في الطرف الآخر إقصائيا أو لا يؤمن بالشراكة معهم. ما تم تصويره أنه انتصار للنظم الشمولية على موجة الربيع العربي يرتد اليوم على شكل موجة عنيفة، واكتساح لمفاهيم الإقصاء والتغيير بالقوة، وتراجع لفكر التعايش والبحث عن المشتركات مع الآخر. في سوريا معركة مفتوحة يسهم في ديمومتها كثيرون، تنتج أحقادا ودمارا وفكرا إقصائيا، وفي العراق تقف الأطراف على خط البداية لدورة دموية طاحنة، يزيد فيها وزن الاقصاء والتطرف وقيم الثأر وتصفية الحساب، فيما تضيع البوصلة وتخلط الكثير من الاوراق، فلا الصراع ينتهي عند حدود العراق ولا المشعلون للنار ومن يؤزها عراقيون فقط. مصر ليست بعيدة عن ان يصيبها طوفان الغضب والنزق والفكر العنيف، فالبيئة السياسية المسمومة أفضل دفيئة لإنتاج ذلك، ومن توخى الاستقرار والأمن وحماية الذات من تداعيات الربيع العربي غير العنيف، عبر البوابة المصرية سيفاجأ ان حساباته المغلوطة قد صنعت غولا من الثأر والانتقام والغضب وغياب الحسابات، ربما ستشعل كل الاقليم. لاحظوا سوريا دخلت النفق ولم تخرج منه ولا خارطة طريق للمستقبل، العراق تم جذبة لدوامة الصراع الصفري وانفجار الغرائز البدائية الذي لا ينتهي، ولا خارطة ايضا. اليمن، ليبيا، لبنان، مصر، تترنح ولا فرصة حقيقية للنهوض، اللاعبون كثيرون ولا كبير بينهم.. أمريكا مترددة ولا تريد التورط او لا تريد ان ينتهي مسلسل الهدم والدم لا فرق، قادة مذعورون يمولون دورة الموت حتى لا يصلهم تشب النار بأثوابهم من كل اتجاه، وايضا مرة ثالثة وربما رابعة دون خارطة طريق، وفي حالة تتضاءل فيها قيم التسامح والتعايش او افكار البناء والنهوض. ارتدادات الانقضاض على الربيع العربي بدأت أما إلى أين تصل فهذه لا يمكن الجزم بنهاياتها؟، والخشية ان حال البعض في خضم الأزمة سيكون مثل من يفر من الدلف الى تحت المزراب، لكن الأسوأ والاكثر إيلاما ان تعافيا للمنطقة من القتل والدمار، من التفكير الضيق، من انتشار عدوى الاقصاء والثأر والتدابر، سيأخذ وقتا قبل ان تضع القبائل وقطاع الطرق عصا الترحال او الاقتتال!! ا* السبيل الاردنية عدن اوبزيرفر