بنات في حكايات مواضيع ذات صلة تدور حكايات الرواية الجديدة "بنات في حكايات" للكاتبة رشا سمير في عوالم نسوية بامتياز، حيث يشكل الحب القيمة المركزية لأغلب أعمال الكاتبة، حتى أنه يشكل محور الرؤية الفنية لديها، وتنبني تصورات العالم وفهمه ومحاولة حل تشابكاته انطلاقًا من هذه القيمة "الحب" ولا يقف الحب في هذا العمل باعتباره مشكلة نسوية فحسب، بل هو الطريق الأوحد والأمثل للتحقق الإنساني، وفي محاولاتنا للتحقق نكون غالبًا ضحايا لظروف خارجة عن إرادتنا، مثل أشخاص انتهازيين أو خلاف الوالدين، أو غيرها من الظروف. شخصيات الرواية التي صدرت حديثًا عن مكتبة الدَّار العربية للكتاب الشقيقة الصغرى، تقع الرواية في 460 صفحة من القطع المتوسط، بغلاف الفنان عمرو الكفراوي، كلها باحثة عن الحب ، وتحاول التحقق مثل: سارة، جمانة، سلمى، حنان، وكلهن يواجهن أطرافًا أخرى تشكل محور السلب في الرواية مثل أسامة زوج حنان، وفهمي سائق عائلة سلمى، وفي النهاية ينتصر النبل والرغبة في الحب والتحقق ، كل هذه العوالم نراها من خلال عيني "فريدة" مدرسة الرسم، وهي في الأساس فنانة تشكيلية خريجة قسم الهندسة في الجامعة الأمريكية ، تحاول فريدة بحس الفنان وإحساسه بالمسئولية الاجتماعية، الوقوف بجوار جميع شخصيات الرواية، باعتبارهن تلميذات لها في المدرسة، حتى تصلن بهن جميعًا إلى بر الأمان ولحظات التحقق، وفي سبيل ذلك تقوم بدور الطبيبة النفسية لفهم ما تمر به الفتيات من مشكلات ، لتكتشف في النهاية أنهن ضحايا لآخرين مثل: "سارة" التي سافر والديها إلى الخليج بحثًا عن التحقق المادي، مضحيين بالتحقق النفسي لبنتهما، فتقع سارة في مشكلات نفسية معقدة، وتكاد تضيع لولا وجود فريدة في حياتها، التي تأخذ بيدها حتى تصل بها إلى بر الأمان، ثم تلتقيان في النهاية في باريس وسارة متزوجة ولديها ابنة سمتها على اسم مدرستها "فريدة". و"جمانة" الفتاة المتمردة، ذات الطاقات النفسية الهائلة التي لا تستغل، وفي النهاية تنضم إلى جماعة "الإيموز" لإخراج طاقاتها، وهي أيضًا ضحية طلاق الوالدين، وفي محاولتها للتحقق تكاد أيضًا تضيع ، لكن دخول فريدة في حياتها يغيِّر مجراها. "سلمى" أبوها رجل أعمال، وأمها سيدة مجتمع، وكلاهما مشغول عنها بعالمه الخاص، ومحاولاته للتحقق على طريقته، تقع ضحية لفهمي السائق الانتهازي الذي يأخذها إلى جماعة متطرفة بحجة تلقي دروس دينية ، وفي النهاية يحاول الاعتداء عليها. ولا ننسى شخصية حنان، المدرسة زميلة فريدة وزوجها أسامة الذي سافر إلى أمريكا وانبهر بالغرب، فعاد إلى مصر مبشرًا وناشرًا للفكر الغربي. كل هذه الشخصيات تقدِّم صورة بانورامية للمجتمع المصري بشكل عام، ولمشكلات الشباب بوجه خاص، ودور الفنْانين والمثقفين في التصدي لهذه المشكلات من خلال شخصية الفنانة فريدة التي تعي دورها جيدًا، وحركتها في المجتمع، لتتجاوز الرواية بذلك، فكرة المجتمع الضيق الذي تنتمي إليه فريدة، لتغوص في المجتمع الكبير، ومحاولة رؤيته بشكل أعمق. حتى أن عناوين فصول الرواية تأتي من كلمة واحدة فعل غير مضاف إلى شيء يكتسب صفة العمودية ولا ينسحب فقط على شخصية متعينة مثل: تتمرد ، تبوح ، تتشاجر ، تروي، تتعلم، تعتقد، تصطدم، تتذكر، تتزوج، تتهرب، تلهو، تنجذب، تنزلق، تفضفض، تنزوي، تعترف، تعاند. تتعامل الرواية مع المجتمع العربي كله، باعتباره وحدة واحدة، يعاني أبناؤه المشكلات نفسها، ويواجهون العقبات والتحديات نفسها ولا سبيل أمامهم إلَّا التعاضد والمحبة لعبور واقعهم الأليم. لجأت الكاتبة إلى تقنيات فنية على مستوى الشكل، تتسم بالبساطة واليسر، من خلال طريقة سرد عمودية، تجعل من التفاصيل الإنسانية الرقيقة بمثابة الأنهر الصغيرة التي تصب في نهر الرواية الكبير، كما تراوح الروائية بين الوصف الخارجي للشخصية باعتباره انعكاسًا لما يعتمل في باطنها، ومثال على ذلك وصفها لإحدى شخصيات العمل المهمة سارة: "شعرها الأسود الداكن المموّج الذي تتركه وراءها طليقًا معانقًا الهواء ، معبرًا عن أنوثة مبكرة تحاول النهوض على قدميها، على الرغم من كونها لا تزال تحبو، عيناها السوداوان، اللتان تعلوهما نظرة تحد واحتجاج، وقسمات وجهها التي تفيض بطفولة، تتخفى وراء قسوة مفتعلة ، تحاول جعلها ستارًا حديديًّا تحتمي به". يذكر أن هذه الرواية هي الرواية الخامسة للكاتبة بعد "حواديت عرافة" 1995، و«معبد الحب» 2001، و"حب خلف المشربية" 2005، و"يعني إيه راجل" 2011.