وحده الشيخ عبدالمجيد الزنداني من يعرف جيداً متى ومن أين تؤكل الكتف!!.. ووحده من يجيد اقتناص الفرص ويعلم – دون غيره من البياعين المشترين- مواسم "الرزق".. ففي منتصف الثمانينات عندما حولت أميركا أفغانستان إلى "سوق حرة" ودعت مشائخ التجارة الدينية إلى المشاركة وفتحت باب المنافسة واسعاً أمام "أصحاب الجنة" معلنة عن قائمة بأسعار مغرية لكل "شهيد وجريح" يتسلمها المُصدِرون لهم ومن عاد حيا فله مكافأة مالية ضخمة، 60% منها يأخذها التاجر المصدر و40% تسلم بدل استخدام "بضاعة".. في تلك الفترة اشتغل الشيخ قرعة ودفع بالآلاف من الشباب والمراهقين إلى جبال أفغانستان، حيث تمر من هناك "طريق الجنة" وتسكن الحور العين خلف جبالها، وهناك ما لم يخطر على قلب بشر.. ورغم أن أبناء فلسطين العربية كانوا يُذبحون ليل نهار وبأيدي المحتل الصهيوني ومصاحف القرآن تدنس داخل مسجد الأقصى.. إلا أن الوكيل الحصري لتصدير المجاهدين لم يقتنع بالجهاد في فلسطين وإنقاذ الأقصى، وفَضَّل اتّباع إعلان النفير الذي أطلقته أمريكا واستغلال سوق الجهاد الرائجة آنذاك وارتفاع بورصة "المجاهدين".. وفي صيف 94م سحب الشيخ ما تبقى من مجاهديه من أفغانستان وعادوا إلى اليمن للجهاد ضد الشيوعيين في جنوب الوطن مستغلاً وقوف الدولة ضد الانفصال، وحصل مقابل ذلك على مكاسب شخصية وعائلية لم يكن يحلم بها، بالإضافة إلى استثمارات كبيرة محلياً وخارجياً حققها في بضع سنوات من وراء جمع التبرعات لصالح المجاهدين وأسر الشهداء والجرحى وغيرها من المسميات.. و"من جهز غازياً فقد غزى"!!!. تطورت تجارة "أسهم الآخرة" وتوسعت بورصة التبرعات لتأخذ أكثر من طريقة وأسلوب، وتعدت المستوى المحلي إلى المحيط الخارجي.. وانتشرت "الحصالات" وحملات التبرعات في المساجد والبقالات ومراكز الاتصالات والمكاتب، وكل محل فيه "طلبة الله" وفي كل حملة تتغير الشعارات.. تارة "من أجل إغاثة الشعب الفلسطيني" وأخرى "لدعم المجاهدين في غزة" و"نصرة المسلمين في البوسنة والهرسك والصومالوجنوب السودان.. و.. و" الخ.. المهم "شُغل" وفي الأخير يجمع المحصول إلى مخزن "الإيمان" حتى أُكتشفت الحقيقة وعلم الناس أن تلك التبرعات أو جزءاً كبيراً منها لم تصل إلى غزة أو البوسنة أو الصومال، وإنما استخدمت لتمويل العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم القاعدة، وكون هذا التنظيم نشط كثيراً في الآونة الأخيرة واستهلك من أموال التبرعات الكثير، فقد لجأ الشيخ إياه إلى العودة ل"المِهرة" الأصلية والدعوة للجهاد في الصمع.. ومن جديد فتح باب التبرعات لنصرة "إخواننا المجاهدين في أرحب ونهم وأبين".. وخلال شهر مارس الجاري وبعد أن شعر "الشيخ" بتراجع "تجارته" قرر استئناف العمل وبقوة.. فأفتى بوجوب الجهاد في سوريا.. ودعا المسلمين في جميع بقاع الأرض إلى الجهاد بأنفسهم وأموالهم وممتلكاتهم وبناء منازل لهم في "الجنة"، التي يحول نظام الأسد بينها وبين العالم الإسلامي والعربي. والمضحك جداً أن تصدر هذه الفتوى في نفس اليوم الذي سقط فيه 13 شهيداً فلسطينياً بصواريخ الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى عشرات الجرحى ومع ذلك فَّضل تجار الفتاوى الجهاد في حمص ودرعا على الجهاد ضد الصهاينة في غزة.. تماماً كما حدث في رحلة الجهاد إلى أفغانستان.. ورغم اختلاف الزمان والمكان إلا أن الراعي الرسمي "أمريكا" لم يتغير.. فمن دعا ل"الجهاد" في أفغانستان هو نفسه من يدعو ل"الجهاد" في سوريا وأدواته هم أنفسهم لم يتغيروا..