الجيش والإعلام قوتان متلازمتان يشتركان في مهمة واحدة وواجب وطني واحد هو (حماية المبادئ والقيم الأخلاقية والدينية والسيادة الوطنية). فالإعلام يسعى إلى غرس وتأصيل المبادئ والقيم النبيلة والثوابت الوطنية في عقلية ووجدان المجتمع والى تطريز ثوب السيادة الوطنية بخيوط المهابة والهيبة والإجلال بينما الجيش يسعى إلى حمايتها ويسهر في سبيل حفظها، ويُقدم التضحيات الجسام من أجل بقائها ودوام عزتها شامخةًً عالية ترفرف رايتها بين رايات الأمم والشعوب ذات السيادة المحترمة والمبادئ الوطنية الثابتة. وتتبادل قوتا الجيش والإعلام الناعمة في هذه المهمة الوطنية الكثير من المواقف والمواقع الحيوية في السلم والحرب والتنمية والأمن والاستقرار والتطوّر المنشود للمواطن والوطن، وهذا غاية التلازم والترابط الوثيق الذي جعل الكثير من قادة الجيوش وخبراء الإعلام يعتقدون أنّ كلاً منهما دليلٌ على الآخر حيث يقول قادة الجيوش: (إذا سمعت أنّ إعلام العدو يستطيع تفنيد الإشاعة الطائرة وفكفكة الإشاعة العائمة والسوداء والغامضة بالسرعة المطلوبة منه، فاعلم أنّ خلفه جيشاً نوعياً على درجة عالية من الاحتراف القتالي)، بينما يقول خبراء الإعلام: (إذا سمعت أنّ جيش العدو حاضر في ثقافة المجتمع بصورةٍ يومية، فاعلم أنّ خلفه إعلاماً قوياً يمتلك كل مبررات الرّد والتعرية ومقومات الصمود والاستمرار)، وهو ما جعل خبراء الحرب النفسية الألمانية يضعون قواعدهم الاعلامية والنفسية على أنّ الإعلام ملك الجيش أو تابعٌ له بل وقد ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، حيث يقول وزير الإعلام الألماني وهو ينفض غبار الحرب العالمية الثانية من على أكتافه: (إنّ الإعلام ضمير الأمة والجيش قوتها وإنّ غياب الجيش من تناول الإعلام الوطني بصورة يومية، يعني بالضرورة غياب هاجس القوة من ضمير الأمة وبالتالي فهي أمة مهزومة لا تعرف طعم النجاح في الإعلام, ولا طعم الانتصارات في الجيوش)، وهذه إشارة واضحة إلى أنّ فصل الإعلام عن الجيش أو عزل الجيش عن الإعلام خسارةٌ لا يحلم المرء معها بتعويض أو أرباح، وبالتالي فإنّ فصل أي منهما عن الآخر يعني بالضرورة أننا حكمنا على75 % من أبناء المجتمع بالإعدام يقول خبير الحرب النفسية الإسرائيلية: (قد يقل أو يرتفع تناول الجيش في الإعلام الرسمي بحسب سياسة الدولة لكن أن يغيب الجيش من تناول الإعلام الأهلي والحزبي فتلك جريمة يُحاكم عليها ثلاثة أرباع المجتمع بالإعدام لأنّ الإعلام الأهلي والحزبي بالذات هو المسؤول عن غرس وتأصيل تلك المبادئ والقيم الأخلاقية في المجتمع وهو المسؤول أيضاً عن حمايتها من أي هجوم إعلامي معادٍ، ولن يستطيع الإعلام توفير تلك الحماية الإعلامية إلا إذا كان على ارتباط وثيق وتنسيق دقيق مع الجيش الوطني وخصوصاً في المجال المعلوماتي والقانوني والعسكري والأمني والنفسي، وبغير ذلك لن يكون للإعلام نجاح كما لن يكون للجيش أي انتصار).. ورغم الضلالة التي عليها صاحب هذا القول وعداوته لله إلا أنه أصاب الحقيقة في مقتل فالفصل التعسفي والقهري الذي تعرض له الجيش اليمني في 1968م إبّان حكومة نوفمبر جنى عليه الكثير من الأحداث الوخيمة، وعاد عليه بالكثير من الآثار السلبية المؤلمة التي لازمته على كافة المستويات وحتى اليوم.. إليك أهمها: * على المستوى الاعلامي، فإنّ ذلك الفصل التعسفي أنتج إعلاماً وطنياً هشاً على الرغم مما يملك من الامكانات والإمكانيات والطاقات والقدرات المادية والمعنوية غير أن الضعف والهشاشة لازمته- للأسف- طوال المرحلة الماضية بسبب إفلاسه الشديد وفقره المدقع من المعلومات الصحيحة والدقيقة، ولعل الجميع شاهد الهزيمة الفاضحة للاعلام اليمني خلال الأزمة السياسية الراهنة التي عجز فيها الاعلام اليمني عن التصدي للهجوم الاعلامي المعادي للجيش والشعب والوطن بل وعجز حتى عن القيام بتغطية الخطوط الأمامية للجيش، وهو يخوض غمار حروب الإرهاب والتمرد السياسي في معظم محافظات الجمهورية، مما شجع الاعلام المعادي على الاستمرار في الهجوم الاعلامي حتى تجاوز الخطوط الحمراء والثوابت الوطنية في البلاد. * أما على المستوى الاجتماعي فإنّ ذلك الفصل التعسفي بين الجيش والإعلام، ساعد في إنتاج تعبئة وطنية خاطئة ساهمت وبطريقة مباشرة في تغييب الجيش من عقلية وذهنية المجتمع اليمني إلى الدرجة التي أصبح فيها المواطن اليمني لا يعلم أنّ التضامن مع الجيش واجبٌ ديني ووطني وضرورة إنسانية واجتماعية ووطنية، وقد أفرزت تلك التعبئة حالة من الجفاء بين الجيش والشعب، ألقت بظلالها السلبية على الجيش بكل تشكيلاته العسكرية والأمنية حيث أصبح المواطن اليمني يجعل المؤسسة العسكرية آخر مؤسسة يفكر بالوظيفة فيها معتقداً أنّ العسكرية شجرةٌ جرداء يستظل تحتها اليائسون كما أصبح المواطن اليمني ينظر إلى الجندي نظرة حقدٍ واحتقارٍ وازدراء وهو اعتقادٌ خاطئ دفع الكثير من أبناء المجتمع اليمني إلى عدم التعاون مع رجل الشرطة في الكثير من قضايا الضبط والقبض الجنائي وإخفاء معلومات الجريمة عن رجل الأمن, وإيواء المجرمين وتأجيج العداء الملتهب بين الجيش والشعب ليصبح الجيش وعتاده في ذلك المعتقد غنيمة سائغة، يتسابق إليها أبناء المجتمع اليمني في الأزمات السياسية الخانقة بفتاوي دينية تبرر لهم مشروعية الفيد والغنيمة واستباحة حرمة دماء أبنائهم وإخوانهم منتسبي القوات المسلحة والأمن وعتاد جيشهم الوطني في صورة صادمة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجيوش والشعوب. وهو ما أفرز حالة صاخبة من العداء الواضح بين الجيش والاعلام جعلت رجل الاعلام اليمني بمجرد أن يتخرج من كلية الإعلام حتى يصيغ الكلمات النابية للجيش والقائد، وبمجرد أن يمسك القلم حتى يسطر آلاف السطور في نقد رجل الأمن والجيش بل لقد ذهب الصحفي اليمني – مع الاحترام والتقدير للبعض- إلى إسقاط تحليلاته الصحفية على الجيش، ليس على تشكيلاته العسكرية والأمنية فحسب بل على حركاته القتالية دون أن يكون له أدنى معرفة بأساليب الكر والفر التي تستخدمها الجيوش في الخطوط القتالية والمهام الأمنية الصعبة وذلك لكي يتمكن من إظهار الجيش بصور سيئة يستطيع من خلالها أن يرميه بتهمة المؤامرة والتواطؤ والغدر والخيانة، كما حصل ذلك مع الكثير من صحف المشترك أثناء المواجهة مع عناصر الإرهاب في أبين خلال الأزمة السياسية الراهنة تحت مبرر حرية الصحافة والنقد بينما هو يتجاوز مساحة الحرية وقواعد النقد بالنسبة للجيوش.. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية إذا نطق شخص بكلمة تسيء للجيش الأمريكي يُحبس سنتين، أما إذا صرّح بذلك عبر الإعلام, والجيش يخوض حرباً في دولة من دول العالم فإنه يُحبس أربع سنوات.. أما في الكيان الصهيوني فإنه يُحكم عليه بالإعدام فوراً سواءً في السلم أو الحرب، لأنه لا فرق عندهم في القتل بالكلمة والتحريض أو القتل بالمدفع والصاروخ. * وعلى المستوى العسكري فقد واجه الجيش اليمني بسبب ذلك الفصل التعسفي الكثير من الانكسارات والهزائم المادية والمعنوية، أشهرها هزيمته في حربي 1972م و1979م، وعجزه عن حسم حرب المناطق الوسطى وجبل راس وريمة وعتمة في ثمانينات القرن الماضي، ولعل حرب الانفصال هي الحرب الوحيدة التي استطاع فيها الجيش اليمني تحقيق النصر والحسم العسكري في غضون سبعين يوماً بعد أن استطاع الرئيس القائد المشير الركن علي عبدالله صالح حشد كافة القدرات والامكانات المادية والمعنوية في صالح الجيش، أوجدت حالة من الانسجام النادر بين الجيش والاعلام عندما اشتركا سوياً في خنادق القتال لتحقيق النصر والحسم في ظروف عسكرية خاطفة، تركت بصمات واضحة على جبين التاريخ العسكري بأن ذلك الانسجام بين الجيش والإعلام خلال مدة المعركة التي لا تتجاوز سبعين يوماً كان بمثابة عودة الروح إلى الجسد. القرار الحكيم إنّ القرار الذي أصدره اللواء فضل بن يحيى القوسي - قائد قوات الأمن المركزي- في شهر أكتوبر المنصرم، والذي يقضي باستحداث منصب السكرتير الاعلامي للقائد كان قراراً صائباً وحكيماً يصب في ترويض القوة الناعمة وربطها بالجيش والأمن إذ أنّ هذا المنصب سيدعم إدارة التوجيه المعنوي بالمعلومات المقروءة – الصحفية – والمرئية من خلال السيديهات والأفلام العسكرية والأمنية المتميزة وهي الغاية المنشودة التي سوف تعزز من موقف مساعد القائد لشؤون التوجيه المعنوي في تحقيق التعبئة والتوعية الأمنية والقتالية والمعنوية السريعة التي تتناسب مع الاستعداد القتالي والجاهزية الأمنية لكافة قوات الأمن المركزي ووحداتها النوعية والفرعية، وبما يجعل القيادة قادرة على رفع درجات الاستعداد لمواجهة أية حالة طارئة خلال الظروف الراهنة.. كما أنّ هذا المنصب سيسهم وبطريقة مباشرة في ربط الجيش بالإعلام، ورفد وتغذية الإعلام اليمني بالمعلومات الأمنية الصحيحة والدقيقة، التي قد تساعد في تقوية الإعلام اليمني، وتنقله من حالة الضعف والهشاشة التي لازمته طوال المرحلة الماضية إلى مركز قوة، يستشعر المسؤولية الوطنية في مشاركة الجيش والأمن لطمس ثقافة الحقد والكراهية، وتأصيل ثقافة التسامح والإخاء والأمن والاستقرار للمواطن والوطن. ومن ناحية ثانية فإنّ هذا المنصب سوف يساعد على إبراز رجل الأمن بالصورة التي يرتضيها أبناء المجتمع اليمني وتوضيح ما يقوم به رجل الأمن من مهام أمنية للمجتمع وما يُقدمه من تضحيات جسام في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار للمواطن والوطن وهذا بدوره سوف يخلق حالة قوية من التضامن والتعاون والتلاحم الوثيق بين رجل الأمن والجيش والشعب والوطن.. وبالمقابل يعتبر اللواء فضل بن يحيى القوسي - قائد قوات الأمن المركزي- أول قائد عسكري أمني يسعى إلى ربط الجيش بالإعلام منذ فصله عام 1968م، ونستشف من مضامين هذا القرار وإفرازاته اللاحقة أنّ اللواء فضل بن يحيى القوسي أراد بقراره هذا أن يقول للشعب اليمني بكل فئاته وشرائحه المختلفة (هذا هو برنامجي العملي، وهذا هو منهج قوات الأمن المركزي، الداعي إلى التسامح والإخاء ونبذ العنف والكراهية والإقصاء واشتراك الجميع كل من موقعه في تحقيق الأمن والاستقرار والتطور المنشود للمواطن والوطن). وبالتالي نأمل من قيادة قوات الأمن المركزي تعميم هذا المنصب على كافة وحداتها الفرعية والنوعية لتعمّ الفائدة ويشترك الجميع في العمل مع المزيد من التقدم والنجاح في استخراج (قانون رجل الأمن) الذي ناضل من أجله كثيراً العميد/ يحيى محمد عبدالله صالح- رئيس أركان قوات الأمن المركزي- وذلك لكي تستطيع قوات الأمن المركزي تحقيق عوامل الحالة المعنوية الأربعة، المتمثلة في القيادة الناجحة ورجل التوجيه المعنوي المحترف والاعلام المؤثر والقوانين الفاعلة..