تزداد الضغوط على القارة الأفريقية التي تعاني من أزمات كثيرة تمتدّ من جنوبها ووسطها إلى شمالها. هذه المشاكل تتمثل في الأزمات السياسية الداخلية والحروب الأهلية، خاصة في جنوب القارة ووسطها. هذه التوترات جعلت من أفريقيا ملاذا للمسلّحين والإسلاميين الذين استفادوا من خصائصها الجغرافية وصحرائها الممتدة للاختباء ولأنشاء مراكز التدريب واستغلوا مشاكل بلدانها استغلالا محكما للتغلغل في مجتمعاتها وتجنيد عناصر. اليمن وأفغانستان والعراق أصبحت مناطق مكشوفة لذلك توجّهت الجماعات الجهادية إلى صحار وجبال في مختلف أنحاء أفريقيا الصحراوية وشبه الصحراوية. وعملية اختطاف 7 فرنسيين في الكاميرون ونقلهم إلى نيجيريا هي العملية الأخيرة ضمن سلسلة عمليات عنف شهدتها منطقة غرب أفريقيا مؤخرا، ما أعاد الاهتمام برصد الحركات المتشددة التي اتخذت من هذه المنطقة قاعدة لها. وتشير دراسات وتقارير تحليلية إلى أن مقاتلي "القاعدة" وغيرهم من الجهاديين، يتدفقون إلى مختلف البلدان الأفريقية، وفيما كانوا من قبل يتمركزون خصوصا في جنوب الصحراء، فإنهم اليوم باتوا يمثلون تهديدا على البلدان الشمالية للقارة في ظل انعدام الأمن والأوضاع المضطربة في بلدان "الربيع العربي". التنظيمات الجهادية تركّزت بالخصوص في أربع دول هي تشادونيجيرياومالي وموريتانيا، وتكمن أهميتها بالخصوص في حدودها المشتركة مع الجزائر وليبيا أو السودان. في الفترة الأخيرة سلّطت الحرب الجارية في مالي بين القوات الحكومية، بدعم عسكري فرنسي، وبين الإسلاميين، الضوء على هذا الخطر العابر للحدود والقادم من أفريقيا. حيث قال المحللون إن تدفق المتشددين الإسلاميين الفارين إلى شمال مالي تحت وطأة ضغط القوات الفرنسية قد يؤدي إلى تقويض الأمن في البلدان المجاورة التي يُعتقد أن بعض المقاتلين قد أتوا منها. ومن المحتمل أن يحصل المتشددون على دعم من الميليشيات المتعاطفة معهم في المنطقة وأن يستهدفوا البلدان التي توجد بها جاليات أجنبية كبيرة. ويعتقد أن أعضاء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وفصيلها المنشق حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا، وأنصار الدين "مجموعة الطوارق التي ظهرت في 2012" قد تراجعوا إلى المنطقة الجبلية في مالي قرب الحدود الجزائرية. تعتبر مالي، إحدى الدول الخمس الأكثر فقرا في العالم، ويشكل المسلمون فيها نسبة 90 في المئة، وقد أصبحت منطقة شمال مالي في 2012 ملجأ للمجموعات الإسلامية المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي تحتلها بالكامل، وتطبق فيها الشريعة، في تهديد مباشر لأفريقيا وأوروبا اللتين تؤكدان استعدادهما للتدخل عسكريا فيها بموافقة الأممالمتحدة. ويتناقض تصاعد إسلاميي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في مالي، مع الفشل المتكرر لإسلاميي الشباب في الصومال، الذين طردوا في أغسطس 2011 من مقديشو وتكبدوا سلسلة هزائم. اندلعت الأزمة في مالي في منتصف يناير الماضي، بهجوم شنه المتمردون الطوارق في الحركة الوطنية لتحرير ازواد، حلفاء الإسلاميين. وأراد المتمردون الطوارق تولي مصيرهم بأيديهم، معتبرين أن السلطة المركزية في باماكو تجاهلتهم عقودا. واقتنصت المجموعات الإسلامية المسلحة، ومنها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الفرصة على إثر الانقلاب الذي نظمه في 22 مارس-آذار الماضي الضابط في الجيش أمادو هايا سانوغو ضد الرئيس أمادو توماني توري، لوضع حد ل"عجز" السلطات عن وقف هذا الهجوم. وخلال أيام نجح الفرع المغربي للقاعدة الذي تمكن من الانتشار في شمال البلاد في منتصف العقد الأول من الألفية في ظل سياسات الرئيس توماني توري، ما أدى إلى تحول هذه المنطقة الشاسعة تدريجيا إلى مركز لكل أشكال التهريب، يغيب عنه القانون تماما، في ظل السيطرة على عواصم الأقاليم الثلاثة التي تشكل هذه المنطقة: تمبوكتو وغاو وكيدال. وأثار تقدم الإسلاميين في ظل تدفق كمية من الأسلحة الثقيلة خصوصا من ليبيا في 2011 وضعف الجيش المالي، قلق دول غرب أفريقيا المجاورة لمالي والاتحاد الأفريقي وأوروبا والولايات المتحدة. وقال جيريمي قينان، الباحث المساعد في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، لشبكة الأنباء الإنسانية "إيرين"، إنه "من المحتمل أن نصف هؤلاء الثلاثة آلاف على الأقل قد اختفوا وعادوا إلى بلادهم بمجرد أن بدأت القوات الفرنسية هجومها. ولذلك من المحتمل أن العدد قد تضاءل بسرعة إلى 1000 أو أقل من المقاتلين الإسلاميين المتشددين". وأضاف يوفان جويشاوا، خبير منطقة الساحل والمحاضر في مجال التنمية الدولية في جامعة ايست انجليا، أن "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي سوف ينسحب نحو الشمال باستخدام الشبكات التي بناها في ليبيا أثناء التهريب. ومن الممكن أن تصل تلك الشبكات إلى جنوبتونس حيث كان هناك تدفق ضخم للأسلحة مؤخرا". ويمكن أن يؤدي التدخل الأجنبي في مالي إلى تحفيز الجماعات المسلحة المستقلة على العمل. وقال يابي إن "هذا ما حدث في الجزائر. فعلى الرغم من أن الهجوم الذي وقع في يناير على عين أميناس "محطة الغاز الجزائرية" قد تم الإعداد له منذ وقت طويل، إلا أن النزاع في شمال مالي كان بمثابة الزناد الذي أطلق العملية. وهذا ما حدث أيضا عندما قامت مجموعة من جماعة بوكو حرام النيجيرية الإسلامية "تسمى جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان بمهاجمة الجنود النيجيريين المغادرين إلى مالي في يناير"، وفق ما جاء في تقرير شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين". العرب اون لاين