رغم إشادة الاتحاد الأوروبي بمؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي وصفه بالحدث التاريخي على المستوى الأقليمي والعالم العربي؟ إلا أن رئيس الجمهورية المشير عبد ربه منصور هادي قال مخاطباً أعضاء مؤتمر الحوار: (كفى خطابه وكل واحد يكيل للآخر تهم، فهناك من لا يريد الحوار وهناك من يعمل ضده) وهو في ذلك محق، فبعد مرور أكثر من أسبوعين على بدء الحوار الوطني حسب المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة إلا أن الخطابات التي ألقاها معظم الأعضاء بغية الوقوف أمام رؤاهم وتطلعاتهم نحو مستقبل أفضل للوطن، جاءت مخيبة للآمال. فقد اعتبرها البعض من الخبراء والمحللين خطباً عاطفية ذات طابع كيدي تصادمي لا تبحث عن معالجات للأزمة التي تكاد تعصف بالوطن بقدر ما تجتر ماضي ما قبل الوحدة لتتغنى به وتتباكى على زواله وتحمل قيادات وأبناء "الشمال" وزر ما آلت إليه الأوضاع من تدهور، وكأن بعض أبناء الجنوب وقياداته كانوا ملائكة. متناسين المآسي التي مرت بها "اليمن الديمقراطية الشعبية" سابقاً والتآمر الذي رافق قيام ثورة 14 أكتوبر بين الرفاق وتسبب في سفك الدماء منذ زمن الجبهة القومية وحتى أحداث 13 يناير عام 1986م التي استدعت من "الطغمة" الحاكمة في عدن آنذاك الهروب إلى الوحدة بسوء نية تجنبا لمصيره المحتوم الذي كان ينتظرها من قبل الشعب، بدليل الاعتكافات المبكرة والأزمات المفتعلة التي بدأت بمجرد هدوء الأوضاع وزوال خطر سحل حكام دول المنظومة الاشتراكية الذين أذاقوا شعوبهم الويلات. وهاهو التاريخ لا زال يجر نفسه، فقد تساءل أحد أبناء المحافظات الجنوبية قائلاً ماذا لو أن أبناء الجنوب هم من احتل الشمال؟! عضو آخر قال: "نحن شعبين في دولة واحدة!" إحدى العضوات تغنت بالماضي قائلة: "كانت الكهرباء قبل الوحدة لا تنقطع وضلت المياه تتدفق وكانت لدينا دولة مدنية حديثة في الجنوب"! كذبت ورب الكعبة بل ضلت الدماء تتدفق منذ الاستقلال وحتى قيام الوحدة وكان الفقر والجوع والقمع ولا صوت يعلو فوق صوت الحزب هو الحاضر طوال فترة حكم الرفاق في عدن، فعلى من تزايد هذه العجوز التي باتت تمتلك السيارة الفارهة والسكن في العاصمة على حساب الدولة وجابت الهند والصين ومصر عدة مرات والإمارات والسعودية وغيرها من دول العالم وهي في أدنى السلم الوظيفي بفضل الوحدة، فيالها من جاحدة. والخلاصة أن المزايدات والهرج والمرج والفوضى والمطالب الغير معقولة كانت هي السائدة طوال أسبوعين. فعلى سبيل المثال، طالب ممثلي الحراك الجنوبي في الحوار بإقالة محافظ عدن وحيد رشيد وسحب الجيش والأمن من الشوارع رغم المسيرات وأعمال الشغب في بعض شوارع عدن! كما طالبوا بحضور وزيري الدفاع والأمن إلى المؤتمر لاستجوابهم مهددين بالانسحاب مما دفع متناسين أنهم ليسوا سلطة تشريعية أو تنفيذية حتى يشترطوا تلك المطالب من رئيس الجمهورية إلى القيام بزيارة مفاجئة لمؤتمر الحوار صباح السبت الماضي ربما لتلطيف الأجواء والحيلولة دون توقف جلسات أعمال المؤتمر. الأستاذ/ ياسين سعيد نعمان حين ترأس الجلسة العامة السادسة كان قد تنبه لسوء النوايا وقال أثناء الجلسة: "هناك من يريد تفجير الحوار بأي شكل من الأشكال" ومع انتقال أعضاء مؤتمر الحوار من الخطابة إلى العمل الجاد وتوزيعهم كفرق عمل حسب الجدول المقترح المعد سلفا من قبل الأمانة العامة للحوار وقف البعض متذمرين من عدم توزيعهم على اللجان التسع وفق رغباتهم متهمين زملائهم من المحافظات الشمالية بتهميشهم لتعاد اسطوانة التباكي مجددا، مما استدعى من الدكتور عبدالكريم الإرياني الذي ترأس الجلسة السابعة تذكيرهم بأن التكوينات السياسية التي ينتمي إليها المحتجون هي من قامت بتوزيعهم وعليهم مراجعتها. فهل يا ترى سيتحسن سير عمل مؤتمر الحوار خلال الأيام والأسابيع القادمة بما قد يبعث على الأمل وإخراج الوطن محنته؟ نأمل ذلك.