بفضل قوتها المالية الهائلة تستثمر قطر اليوم في كل الميادين بأوربا وأمريكا، ولا تتأخر كذلك في استعمال دفتر شيكاتها الكبير داخل الجامعة العربية. في سنة 2003 أنهت قطر تسديد باقي ديونها ودخلت نادي الأغنياء الجدد.. ويزداد هذا الغنى بريقاً ولمعاناً في ظل الجو العالمي البائس الذي تسببه الأزمة العالمية الخانقة.. في هذا الاطار تبرز قطر الدويلة الصغيرة مرتدية «دشداشتها» البيضاء كمنقذ نزل من السماء ليسيل مليارات الدولارات في عروق الاقتصاد الأمريكي أو الأوربي الجافة. . . . مشكلة قطر اليوم هو كيف ستصرف ال50 مليار دولار التي يوفرها لها كل سنة فائض الانتاج الوطني من الغاز السائل الطبيعي؟!!.. صاحب هذا السؤال هو الثلاثي الساحر الحاكم بأمر قطر: الأمير حمد والشيخة موزة والوزير الأول ووزير الخارجية حمد بن جاسم شهر HBJ، هذا الثلاثي صار منذ مدة «رباعي» بعد أن انضم إليه ولي العهد تميم بن حمد.. يصب الفائض المالي في «الصندوق السيادي للاستثمار" الذي بلغ رصيده في آخر سنة 2012 ال130 مليار دولار. لمن يعود الصندوق؟! الصندوق السيادي القطري يبدو صغيرا إذا ما قارناه بصندوق «أبوظبي» مثلا الذي يتجاوز رصيده 656 مليار دولار، لكن الصندوق القطري يتميز بنمو أسرع ويزيد كل سنة 30 مليار دولار. لمن تعود ملكية الصندوق السيادي القطري؟!!.. للعائلة المالكة أم للدولة القطرية؟!!.. لا أحد قادر على ايجاد الاجابة وسط الغموض الذي يكتنف الواقع المالي في الامارة، والذي تنمحي فيه الحدود بين العائلة الحاكمة والدولة. ما يعرفه الجميع وما تؤكده الأدبيات الرسمية للإمارة ان الصندوق السيادي يموّل المشاريع المندرجة ضمن «مشروع قطر 2030»، الذي وضع تجسيداً لتصور الأمير لمستقبل قطر والذي يعتمد على أهداف أهمها: «تطوير الامارة مع المحافظة على تقاليدها»، «الاستجابة لحاجيات الأجيال الحاضرة والمقبلة»، «التحكم في النمو والسيطرة على تأثيرات تغيّر أسعار مواد الطاقة»، "مراقبة اليد العاملة الأجنبية من حيث الكمّ والكيف". لكن ورغم كل هذه النوايا والأهداف المعلنة فإن العارفين بالواقع القطري يؤكدون أن مشروع قطر 2030 إنما هو ذريعة للتغطية على النهم الاستثماري الذي يتملك العائلة الحاكمة. بنوك، عقارات، صناعة وطاقة، مواد أولية اتصالات، رياضة، فنون.. في المملكة المتحدة، في فرنسا، في ألمانيا، وفي الولاياتالمتحدة.. الاستثمارات القطرية تعدّ بعشرات المليارات... لماذا هذا «الجنون الاستثماري»؟!!.. للربح طبعاً والتموقع في الأسواق العالمية واستباق عودة النمو، لكن ليس لذلك فحسب هناك هدف آخر ليس منفصلاً عن الارادة الدائمة التي أصبحت تحدو القيادة القطرية؛ وهو الهدف السياسي الرامي إلى ربح تعاطف الدول الكبرى والفوز إن لم يكن بتأييدها فبحيادها. كل هذه الدول لا تخفي انزعاجها من الحركية التي أصبحت تبديها قطر في الملفات الكبرى جهوياً وأحيانا عالمياً، لكن قادة هذه الدول سرعان ما يستدركون قائلين: "ولكنهم- أي القطريين- مستثمرون كبار". الجامعة العربية القطرية! «دفتر الشيكات» استعملته قطر بنجاعة وكثافة في مصر، حيث سارعت الإمارة بعد سقوط نظام مبارك بتقديم مساعدة عاجلة ب500 مليون دولار لانقاذ البلاد من الافلاس الذي صار يهددها، والتزمت قطر بتقديم إعانة أخرى لمصر ب18 مليار دولار توزع على خمس سنوات، الهدف من وراء هذا «الكرم الأخوي» الجامعة العربية التي تهيمن عليها مصر منذ تأسيسها بالقاهرة سنة 1945، وبانتهازيتهم المعروفة يستغل قادة قطر غياب الكبار التقليديين مثل العراق وسوريا والجزائر والسعودية والفراغ الحاصل في الزعامة ليرموا بشباكهم على الجامعة العربية. بدأت سيطرة قطر على الجامعة العربية تظهر لما أسندت لها رئاسة لجنتين لهما دلالة رمزية واضحة: لجنة الأزمة السورية ولجنة مبادرة السلام العربية (مع إسرائيل)، لكن هذه السيطرة تأكدت منذ قيام ثورات الربيع العربي وتجلّت في عدد اجتماعات الجامعة التي احتضنتها الدوحة والتي فاقت ال20، لتبيّن قطر بذلك للجميع عربا وأجانب أن مركز القرار العربي انتقل من القاهرة الى العاصمة القطرية. هذا التحول الذي أحدثه دفتر الشيكات القطري لم يرض كل الدول العربية التي أفرزت في ردّة فعل واضحة محوراً مضاداً لقطر، يتكون من الجزائروالعراق وموريتانيا تنضاف إليهم أحيانا لبنان والسودان، غير أن تأثير هذه المجموعة الرافضة بقي إلى حدّ الآن محدوداً بسبب ضعف أمين عام الجامعة نبيل العربي وانحيازه الآلي لمواقف قطر.. نبيل العربي لا يمكنه نسيان أنه مدين في انتخابه على رأس المنظمة العربية لدولة قطر التي سحبت مرشحها لخلافة عمرو موسى في آخر لحظة، لكن هناك من يزايد دائما على نبيل العربي في الدفاع عن مواقف قطر، إنه الأمين العام المساعد للجامعة الجزائري أحمد بن حلّي الذي توجّه إليه ممثل الجزائر في أحد الاجتماعات العربية الأخيرة بالقول «أنت لست جزائريا.. أنت جبان». في الحقيقة وكما يؤكده أحد الدبلوماسيين العرب ليس بن حلّي وحده الجبان، فكل ممثلي الدول العربية ينتقدون قطر في كواليس الاجتماعات العربية لكنهم يصوتون في الأخير لفائدتها. الغاز ثروة قطر الأولى تعد قطر ثاني منتج للغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط بعد إيران، لكنها تحتل المرتبة الأولى في قائمة المصدّرين للغاز الطبيعي باعتبار الفائض العام على الاستهلاك الداخلي الذي يقع تصديره، والذي بلغ 76 مليار متر مكعب سنة 2010. قطر التي يتعدى تعداد سكانها المليون وثمانمائة ألف ساكن من بينهم (200.000) مواطن قطري لا تستهلك إلا 22% من مجموع انتاجها الغازي، المدخرات الغازية لقطر سيقع استغلالها حسب التوقعات على مدى زمني بين 200 و300 سنة. أهم الاستثمارات القطرية في العالم: تمثل المملكة المتحدة البلد رقم (1) المستفيد من الاستثمارات القطرية حيث تصل قيمتها 25 مليار دولار، تليها فرنسا ب15 مليار دولار، ثم ألمانيا 10 مليارات دولار، ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية ب7 مليارات دولار. يتم الاستثمار بواسطة صندوق قطر للاستثمار الذي يترأسه الأمير تميم بن حمد، فيما يتولى إدارته العامة الوزير الأول حمد بن جاسم. وتستهدف الاستثمارات القطرية الميادين التالية: البنوك في سويسرا واليونان والصين بقيمة وصلت 25.5 مليار دولار. الصناعة والطاقة في كل من فرنسا واسبانيا وهولندا وألمانيا بقيمة وصلت 27 مليار دولار. العقارات في لندن وباريس بقيمة وصلت 24 مليار دولار. المواد الأولية الغذائية في أمريكا الجنوبية واستراليا والسودان بقيمة وصلت 2.3 مليار دولار. الاتصال والإعلام بقيمة وصلت 2 مليار دولار قطر تشتري «الربيع الفرنسي» تأكد أمس في خبر أوردته وكالة «ميديا بارت» أن المستثمرين القطريين سيشترون بالكامل المؤسسة التجارية الباريسية «الربيع» «Le Printemps» بمبلغ قدره 1.6 مليار دولار.