ما كانت دولة ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن قادرة على السير في موقف ضد التدخل الأجنبي أو تحالف لتحرير الكويت إلا بقدر ما يكون لديها وبيدها بديل تحرير يتحقق ويسبق التدخل، وذلك ما سعى إليه الرئيس الفرنسي "ريستيان" ولكن النظام العراقي ورئيسه صدام حسين رفض وأضاع أفضل فرصة وآخر أفضلية بسرعة سحب قواته من الكويت. إذاً وفي ظل وضع انفراد أميركي كقوة أعظم ومن خلال قوة الحجة واقعياً اجتياح كامل لدولة معترف بها دوليا نجحت أميركا في انتزاع تأييد الشرعية الدولية للتدخل، وبالتالي فالتحرير حق واستحقاق لبلد ودولة احتلت وتم اجتياحها كما من حق كل دولة خدمة مصالحها والعمل لتعظيمها في أوضاع وظروف طبيعية أو صراعية أو استثنائية في أية منطقة. أميركا انتزعت الشرعية الدولية للتدخل في أفغانستان وكل العالم في ذعر من رد الفعل الأميركي تجاه أحداث، منهاتن واستهداف البنتاجون بل ويسعى لمراضاة أميركا حتى بأكثر من إعطائها تأييد الشرعية الدولية للتدخل في أفغانستان. غزو العراق هي حالة بين المحطتين، فهو محاصر بمستوى الاحتلال ولم يعد محتلا ولم يكن وراء أفعال وأحداث كما أحداث منهاتن 2001م، فالولاياتالمتحدة كانت قد رتبت للغزو حتى أكملت جاهزيته وربما التجهيز له داخل العراق كقرار هو كالنافذ في حتمية تنفيذه، ولكنها كانت ضعيفة في الحجة والمحاججة بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل والتقارير الاستخباراتية في الوقت الذي سيستعمل فيه الآخرون الحجة بأقصى مستطاع لتشكيل ضغط عكسي تجاه وضع الهيمنة لأميركا وقوتها. لا مسألة استعانة أميركا بالإسلاميين في حرب أفغانستان ولا فرضية تواطؤ استخباراتي أو تعاون فني من داخل أميركا لإنجاح أحداث سبتمبر 2001م، تعفي القاعدة وطالبان من المسؤولية أو تعفي أي بلد مما هو إرهاب في واقع أو في مفهوم الشرعية الدولية. لقد ظلت أوربا بتدخلها لحل وحسم الصراع في "كوسوفو" دون فاعلية حتى التدخل الأميركي، وذلك يعطي مؤشر القوة الواقعي، وبالتالي فالولاياتالمتحدة كانت القوة الحاسمة للشرعية الدولية في كوسوفو وليس أوربا، وهذا ما يعطيها ثقلا داخل الشرعية الدولية غير استحقاق الصوت والتصويت داخل مجلس الأمن. إذا أخذنا حدثا آخر في الصراع فأيهما كان الأكثر تأثيراً مقاطعة أميركا للدورة الأولمبية بموسكو 1980م أم مقاطعة السوفيت لأولمبياد لوس انجلوس 1984م؟!!. العلاقات لم تنقطع بين أقطاب الصراع في الحرب الباردة، أما بعد اندثار ثقل الشيوعية فإن أي بلد في العالم بغض النظر عن خلافاته مع البيت الأبيض أو السياسة الأميركية، هو محتاج للعلاقة مع الولاياتالمتحدة أكثر من حاجتها لهذه العلاقة. الخطوة غير المتوقعة ربطاً بالصراعات الدولية خطوة السادات كرئيس لمصر بطرد الخبراء السوفيت قبل حرب 1973م، أما أهم وأخطر قرار هو القطع الجزئي للبترول وثقله السعودية والمرحوم الملك فيصل بن عبدالعزيز، فمثل هذا القرار بجرأته ومفاجأته يؤكد أننا استخدمنا ونستخدم الصراعات الدولية لصالح صراعاتنا أكثر مما هو لصالح مصالحنا وقضايانا كأمة عربية أو إسلامية. محاولة وجهود الرئيس الفرنسي "ديستان" لدفع العراق أو النظام العراقي لسحب قواته من الكويت قبل التدخل الأجنبي أو التحالف الدولي، وموقف رفض إعطاء الشرعية الدولية لغزو العراق، يؤكد أن الدول الأكبر بعد الولاياتالمتحدة هي أكثر حاجة لأقوى علاقات ممكنة معها مع الاحتفاظ بحقها للدفاع عن مصالحها. إذا أحداث سبتمبر 2001م فرضت وضعاً استثنائيا ل"طالبان" كنظام حكم في أفغانستان ربطا ب"القاعدة"، فالنظام الإيراني هو في وضع استثنائي صراعياً وإذا أقرب حلفائه سياسيا سار في قرار المشاركة في التحالف الدولي لتحرير الكويت، فالنظام الإيراني لم يكن يدرس ضد من يقف أو يحدد الموقف، فهو ضد السعودية والكويتوالعراق وأميركا . الفرصة التي كانت واتتها التطورات له هو لجوء أو عرض النظام العراقي لتحالف فوري معه بإرساله الطائرات إلى إيران، وبالتالي كان النظام في إيران في وضع قيادة النظام العراقي ومن خلاله ما يريد إلى ما يريد. كون النظام الإيراني لم يسر في هذا الخيار وهو لم يصل إلى حل أو حلحلة للصراع مع أميركا، فذلك يعني اختيار النظام العراقي لخط وخطوات سياسية للتعامل مع أميركا كعلاقات وصراع وعلاقات في إطار الصراع. ليس هذا ما تجسده مفاوضات الملف النووي ولكنه ما تجسد في واقع العراق بعد غزوه 2003م، فالطرف العراقي المرتبط عضويا بالنظام الإيراني لم يكن الصلب أو المتصلب إزاء الغزو والاحتلال، بل الطرف الذي سار في خيارات العمل السياسي تحت السقف الأميركي وسار باندفاع في أقوى علاقات سياسية مع أميركا "الشيطان- أو الاحتلال"، وكل ذلك هو عمل موجه من النظام في إيران ومحسوب أميركيا للنظام في إيران، ولهذا فلا مشكلة لدى الشيعة في جنوبالعراق من ولائهم المذهبي لإيران وولائهم السياسي للبيت الأبيض، فالتوافق المصالحي يجعل واشنطنوطهران أو البيت الأبيض و "قم" واحداً أو متحداً إزاء وضع لواقع أو تموضع وتراضع مواقف أضداد تجاه قضية وإلى درجة التطابق وليس فقط التوافق. لو أن حرب 1973م تدور رحاها الآن فإن الملك فيصل بن عبدالعزيز قد لا يصير في قرار القطع الجزئي للبترول بسبب متغيرات وتطورات دولية وواقعية، ولو ثورة "الخميني" تأخرت حتى الآن فالحرس الثوري لن يقتحم السفارة الأميركية في طهران، ويقتاد بضع موظفين كواقع حياة وفلسفة سياسية تتطور مع التطورات لا غنى لها عن الأضداد فكأنما هي حاجية وجود طالما ظلت الحياة البشرية موجودة. لا يتصور في عهود امبراطوريات الفرس أو الروم، ولا يتصور حتى في فترة المد والفتوحات الإسلامية خلو واقع امبراطورية أو واقع مدى النظام أو معتقد كما الإسلام من صراعات وأضداد، ولا يستطاع تصور حياة على مستوى الكرة الأرضية في ظل المد البريطاني كدولة لا تغرب عنها الشمس أو انفراد دولة بالهيمنة والقوة أكانت الولاياتالمتحدة بدون وجود أضداد. بالعكس فإنه حتى لو خنع العالم الذي عاش الذعر بعد أحداث سبتمبر 2001م خوفاً من رد الفعل الأميريكي – لو خنع- لأميركا مثلا خنوعا كاملاً، فإن أميركا ستبحث عن أضداد أو حتى تصنعهم إن استوجب الأمر. منذ اندثار الشيوعية فإن حاجية أميركا للأضداد باتت أكثر من حاجيتها لتابعين أو حلفاء، وهي لم تصل في ظل واقع العالم إلى حاجية صناعة أو صياغة أضداد، ولكن ماهو قائم ومتوفر من أضداد كما "طالبان" أو "النظام في إيران" لم يعد خطراً كما السوفيت وهو حاجية لبلورة مشاكل أو التعامل مع قضايا ومشاكل في العالم، كما هو حاجية لاستعمالات داخلية سياسية ومرحلية ولاستنفار الاستمرار والتطور والنهوض الحضاري. مثل هذه المسائل باتت وعيوية في إطار التلقائية ولا تدين النظام الإيراني بمستوى ما يكيل من إدانات من بقايا الحرب الباردة تبعية وتخويناً وعمالة.. الخ، ولكنها قد تدينه مستقبلا بحقائق ومتحقق في الواقع بانغماس في الصراع إلى مستوى من فقدان الوعي، ولكن ذلك شأن للنظام الإيراني ونحن لا نتدخل في شأنه بقدر ما ندافع فقط عن شؤوننا ووطننا. إذا سوريا هي الحليف السياسي للنظام في إيران، فالنظام الإيراني لا يستطيع الفرض على سوريا لإنشاء حزب الله في الجولان كما في الجنوباللبناني، ولا حق لأحد ولا يستطيع لوم سوريا على خيار من واقعها وحساباتها ووعيها بالأبعاد والاحتمالات كوطن ودولة، وإذا كانت المسألة هي "شيعة" كما تطرح إيران فوجود شيعة في جنوبلبنان يرجح وجودهم في سوريا. إذا كان النظام الإيراني كطرف في صراع عالمي أو لعبة صراع عالمي تتعامل مع اليمن باستثناء في التعالي وممارسة الاستكبار، وتفرض عليها في صعدة أو أية منطقة ما لا تستطيع فرضه في دولة أخرى، فنحن نرفض الفرض ونرفض التعالي علينا وتحقيرنا كوطن وشعب. ما تعطيه أوضاع دولية في أية فترة أو مرحلة من سقف للاستقلال، فنحن نتمسك به ولا نقبل إزاءه مَّساً أو مساومة من طرف في صراع دولي، أو حتى من لعبة للصراعات الدولية ومهما كلف الثمن. فسيادة الأوطان وإرادة الشعوب وأساس واجب ومسؤولية كل نظام أن يفرض هذا الخط الأحمر واقعيا وأمام أي صراعات أو استهدافات، وذلك حق في صميم وتطور الشرعية الدولية، لا يستطاع اللعب به ولا التلاعب عليه مادام النظام سار بأقصى وضوح وأعلى شفافية وبوعي مشهود له في خط الشرعية الدولية مصداقية وواقعية، ونأى بنفسه عن الصراعات الملتوية. إذا الصراعات الدولية تجبر النظام في إيران على اختيار اليمن لهذا الدور، فهذا شأنه وإذا هو أجبر فاليمن لا تجبر، وإذا النظام في إيران اختار ذلك من قراءته لضعف أو نقاط ضعف فهذا شأن وعيه وصراعه وشأن تفكير الاستكبار وفكر "الملالي"، أما نحن فمن حقنا رفض ومواجهة هذا الفرض والإملاء مهما كان في واقعنا من ضعف أو نقاط ضعف. اليمن لم تخف من تسجيل موقفها كموقف سياسي للتاريخ حين قالت: "لا" للتدخل الأجنبي إلا بعد استنفاذ السبل سلمياً، واليمن بالرغم من ضعفها ونقاط ضعفها رفضت رفضا قاطعا إقامة قواعد أميريكية في جزرها البحرية، وهذا ما يفرض قياسات الوعي في سياق التطورات والمواقف وليس استغلالية أو انتهازية للإملاء من تقدير ضعف في الواقع أو نقاط ضعف. الإسلامبولي قاتل السادات خصه النظام الإيراني في التكريم بمسمى شارع، وحسين الحوثي زعيم التمرد قتل في المواجهة مع الجيش ويفترض أن يكون نال شيئا من هذا الكرم، خاصة و "الحوثي" رفع الشعارات الخمينية وليس "الاسلامبولي". النظام الإيراني يكرم الانتقام بين كوامنه ومتراكمات صراعاته، فهو يريد الكسب من موضعة الوعي لفترة تجاه السادات، وهو لاحقا مارس أولوية الانتقام على أولوية للوعي لاحت له حتى جنَّب أميركا الإحراج واستخدم الشيعة لقتل صدام، فهل "الاسلامبولي" أكثر شيعية من "الحوثي" أم تظل إسقاطات الإسقاط للشعار هي حاجية كوامن تسقط ورقة التوت عن النظام في إيران؟!!. أميركا حين تقرر وتتخذ قراراً تعلنه فتقول سأمارس غزو العراق أراد من أراد وأبى من أبى، بينما إيران تمارس مراوغة الإنكار والاستكبار، فهل تريد من صعدة إسقاط النظام في اليمن أم في السعودية أم كلاهما؟!!. هل تريد شيعة تطرف يقاتلون الأنظمة والشعوب كمذاهب كبديل أو "تعويض" لتطويعها شيعة العراق ليتعاملوا سياسيا وسلميا مع الاحتلال الأميركي في إطار صفقة للنظام الإيراني ومعه؟!.. إنكار إيران أنها لا تتدخل إقرانا بأن على اليمن أن تكف الأذى عن الشيعة لغة تعالٍ سقيمة ولغة استكبار متقزم لا تليق بإيران أو غيرها ولا بأقوى أو أضعف أو "بين البين". الدفع الإيراني بمفردة "الشيعة" هي في الاحتمال وعدمه كما الدفع الأميركي بوجود أسلحة دمار شامل في العراق كاحتمالية للمتلقي ربما هي موجودة وربما لا وجود لها. إذاً المقصود هو أن الشيعة في العراق هي قاعدية يختار لها الخط السياسي والعمل السياسي حتى مع أميركا والاحتلال الأميركي، فيما تشكل في البلدان الأخرى أجنحة عسكرية سرية للقتل والقتال هم بمثابة قنبلة نووية في كل بلد يختار لهذا العمل كاليمن فهذه لغة لا تحمل ولا توصل رسالة. في طول زمن الحروب مع الحوثي وتمدده ماهو أوضح وصولاً وإيصالاً للنظام وللشعب والرد أكثر وضوحا استمراراً وإصراراً أكثر على المواجهة. متى يتعلم النظام الإيراني على الأقل قدرة صياغة وإرسال الرسائل بشيء مما تعاملت معه أميركا في العراقوجنوبه تحديداً؟!!.