بعد مرور أربعين يوماً من تحقيق الوحدة في ال22 من مايو 90م واعلان قيام الجمهورية اليمنية حدثت أزمة الخليج الثانية حينما كان المخلصون من القيادة السياسية للجمهورية اليمنية يقومون بترتيب البيت اليمني ودمج المؤسسات الشطرية في نواة واحدة خاصة المؤسستين العسكرية والأمنية، ولكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن خاصة وان أكثر من مليون مغترب يمني توافدوا إلى اليمن من البحر والبر والجو للعودة إلى وطنهم الموحد بعد ان تضاعفت معاناتهم في دول الجوار، وهذه الأعداد الهائلة القادمة من المغتربين لم تكن في حسبان القيادة السياسية مما ضاعف الأزمات الاقتصادية وخاصة في ارتفاع الأسعار وهبوط قيمة صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.. ووصف صحفي فلسطيني الواقع في اليمن آنذاك بان ثلاث دول شطرية توحدت وذابت في كيان واحد.. علي سالم البيض وحيدر العطاس وبعض قيادات الحزب الاشتراكي ووسائل اعلامهم تخلوا عن مسؤولياتهم وكانوا يحملون الوحدة كل شاردة وواردة، ومما زاد الطين بلة تضاعف أزمات البلاد، حيث كان رئيس أول حكومة في دولة الوحدة حيدر ابوبكر العطاس من موقعه كرئيس للوزراء يتعمد عرقلة المشاريع الانمائية والخدمية للمحافظات الجنوبية، ويعمل على مركزة كل صغيرة وكبيرة خاصة بتلك المشاريع في صنعاء حتى الأوامر الادارية وصرف مستحقات عمال النظافة في المدن الرئيسية مثل عدن وحضرموت وأبين ولحج، وذلك بهدف زيادة معاناة الناس ودفعهم للترحم على أيام زمان.. أيام التشطير، ولا زلت أتذكر كيف كانت عدن خلال السنة الأولى للوحدة مقلباً للقمامة والنفايات وتخلف اجور عمال وموظفي بعض المصالح مثل المؤسسات والبلديات لفترة شهرين إلى ثلاثة أشهر، ولم يكتف العطاس بهذا التصرف المشين والمسيء للوحدة بل تمادى واوعز لوزير النفط حينها صالح ابوبكر بن حسينون أن يقوم بتوقع عقود بيع آجلة للنفط الخام لسنوات قادمة لدولة الكويت، التي كانت تعاني نقصاً حاداً في هذه المادة نتيجة احتراق آبارها أثناء حرب الخليج الثانية، وتم توقيع اتفاقية البيع تحديدا في سبتمبر 93م بعد فشل الحزب الاشتراكي في أول انتخابات برلمانية، وقد تم بموجب هذه العقود التي كانت اليمن ملزمة بتنفيذها وفقا للاتفاقيات الدولية تقديم الدولة المعنية المال والسلاح والطائرات لقيادة الاشتراكي لتنفيذ مشروعها الانفصالي واعلان دولة انفصالية في عدن إلى جانب الدعم السخي الذي قدمه الجيران للبيض والعطاس وهيثم قاسم وصالح عبيد احمد. وللعلم كان الوسيط في صفقة النفط هذه مقابل المال والسلاح للاشتراكي هو المدعو فريد الصريمة، وهو رجل أعمال كافأه الاشتراكي بتعيينه عضواً في المكتب السياسي واثناء الانفصال عينه البيض محافظاً لمحافظة شبوة. قرار الانفصال لم يتخذ أثناء حرب صيف 94م لكنه - ووفقا للمستجدات الأخيرة وما بثته بعض المواقع الالكترونية وما افشى به من يسمون أنفسهم قادة الحراك الجنوبي - اتخذ بعد هزيمة الاشتراكي في انتخابات ربيع عام 93م واتخذ القرار في منزل علي سالم البيض بعدن بحضور عدد من اعضاء المكتب السياسي، ولكن القرار تم تأجيله بنصيحة علي ناصر محمد بناء على استشارة شفوية من الخائن عبدالله الاصنج الذي أوضح لهم فيها انه وفقا لتجاربه من عمله في الشؤون الخارجية واحتكاكه بكثير من الرؤساء والملوك العرب وغير العرب من المستحيل ان يكتب النجاح لاعلان الانفصال وتشكيل حكومة ودولة مستقلة في حالة السلم بدون استفتاء شعبي، ولن يحظى مشروع كهذا باعتراف دولي أو حتى اقليمي لسبب بسيط هو اعلانه في ظل ظروف طبيعية وحالة سلم، لكن الاصنج أفتاهم في استشارته بالنجاح والانتصار إذا اعلن تشكيل حكومة وتسمية دولة في حالة حرب، حيث سيتحمل الطرف الآخر تبعات رد الفعل هذا وسوف يتدخل المجتمع الدولي لمنع الطرف الآخر من الاعتداء على الدولة الجديدة التي لها كيانها وحدودها، حيث تعهد لهم الأصنج أن دولة خليجية في حالة اعلان الانفصال اثناء الحرب سوف تقوم بتقديم طلب إلى الأممالمتحدة ومجلس الأمن لتدويل قضية اليمن وهذا ما حدث فعلاً، حيث قامت تلك الدولة ثالث أيام الحرب بتقديم طلب تدويل القضية اليمنية في مجلس الأمن وحصل هذا الطلب على مساندة بعض الدول وخاصة "دول اعلان دمشق"، وهذه الظاهرة هي الأولى من نوعها في العالم، أن يتم تدويل حرب اهلية أو حتى اقليمية خلال 36 ساعة من حدوثها حيث أن القضية الفلسطينية – على سبيل المثال- لم تدول كقضية إلا بعد سنوات طويلة. مطلع فبراير 94م كانت بداية حالة طوارئ غير معلنة في عدن والمحافظات الجنوبية الاخرى وهي مقدمة لاعلان الحرب بهدف نجاح مشروع الانفصال.. علي سالم البيض وحيدر العطاس وبعض كوادر الاشتراكي وصالح منصر السيلي محافظ عدن السابق والقادة العسكريون، شكلوا حكومة ظل غير معلنة في عدن تعنى بشؤون عدن والمحافظات الخمس الجنوبية وكان مقر تلك الحكومة على سفح جبل "معاشيق" في كريتر عدن وتم تعيين محمد علي احمد محافظاً لمحافظة أبين بقرار أصدره العطاس خلافاً للقانون وخروجاً عن الشرعية الدستورية، وكما هو معروف ان تعيين المحافظين يكون بعد الترشيح من الأطر الوسطية بقرار من رئيس الجمهورية، وفي الجانب الآخر اوقفوا التعامل مع وزارة المالية وعينوا "الوالي" قائماً بأعمال الوزير في عدن، أما في الجانب العسكري فقد أصدروا أوامرهم للألوية المرابطة في حرف سفيان وذمار وعمران عبر الهاتف بواسطة العقيد شليل بتنفيذ خطة التمرد وتفجير الموقف عسكرياً ومن ثم العودة إلى ارض الجنوب، ولكن قادة هذه المعسكرات والمعسكرات التابعة لوزارة الدفاع صنعاء كانوا متعقلين وتصدوا لهذه المؤامرة باستثناء بعض المناوشات والتصرفات الفردية، وكانت الخسائر قليلة جدا مقارنة بالقوة الهائلة لهذه المعسكرات إلى جانب توجيهات رئيس الجمهورية التي بموجبها تم اعطاء الحرية للضباط والجنود بالبقاء في معسكرات الوحدة للدفاع عنها أو العودة إلى معسكراتهم السابقة، لا مانع وهذه التوجيهات أسهمت في إخماد الفتنة ومخطط البيض ومشروعه الانفصالي. الإرهابي الدولي "كارلوس" وهو فرنسي الأصل ومهندس انقلابات في دول افريقية وآسيوية كان ظل علي سالم البيض أثناء الأزمة ويخطط له كيف يبدأ بتفجير الموقف عسكرياً، ومن أين.. وكشف ضابط متقاعد - فضل عدم ذكر اسمه وكان ضمن المرافقين للبيض أثناء الأزمة- ان كارلوس اخبر البيض واقترح عليه أولا ان يسافر العطاس إلى دولة عربية يفضل ان تكون الأردن وتناط به مهمة التحرك الدبلوماسي لاقناع الدول الاقليمية أولاً بالاعتراف بالدولة الجنوبية الجديدة، وباعتباره رئيساً للوزراء في حكومة اليمن المركزية سوف يتم التعامل معه وسيترك ذلك أثراً كبيراً لدى هذه الدول، وفعلا سافر العطاس من عدن إلى الاردن دون تكليف من الرئيس أو حتى اشعاره حسب النظم المتبعة في كل بقاع العالم، لكن الإعلام الرسمي في صنعاء تعامل مع هذا الموضوع بنوع من الحكمة والدبلوماسية حيث أوردت أجهزة الإعلام خبر زيارة العطاس في نشراتها الرسمية وفي الصحف دون ان توحي للمجتمع الدولي عن بداية تمرد، وأعتقد ان هذا التصرف كان للحفاظ على شعرة معاوية وان هناك أملاً بتسوية الاوضاع وعدم نشر غسيل البيت اليمني. بعد سفر العطاس ب36 ساعة فقط وتحديداً مساء الاربعاء 4 مايو 94م ووفقاً لخطة ونصيحة كارلوس تم قطع التيار الكهربائي وامدادات المياه عن معسكر الأمن المركزي في منطقة الصولبان بخور مكسر عدن باشراف علي سالم البيض، صالح منصر السيلي، البكري وهو عقيد في القوات المسلحة لقي حتفه بعد ذلك أثناء الحرب.. وقد أصدر هؤلاء أوامرهم باقتحام معسكر الأمن المركزي واختطاف قائد المعسكر العقيد (الموشكي) ونائبه وضباط آخرين ثم عرضهم صباح اليوم التالي من تلفزيون عدن ثم صدرت أوامر أخرى بقصف المعسكر براً وجواً والاستيلاء عليه، وهذه حقائق معروفة لكل من كان في عدن وعاصرناها وليست من نسج الخيال، وتم بناء على نصيحة كارلوس تفجير الموقف في أكثر من مكان ومعسكر، ومنها معسكر باصهيب في ذمار ومعروف للعالم كيف ان قادة الاشتراكي وفي مقدمتهم علي سالم البيض لم يحترموا حتى القوانين الدولية في الحروب، ومن أول وهلة استخدموا الاسلحة المحرمة دولياً وقصفوا صنعاء ومحطة كهرباء ذمار والحديدة وتعز بصواريخ "اسكود" الحارقة والمحرم اطلاقها في المدن، ولو كان بيدهم اسلحة دمار شامل أو كيماوية لما تراجعوا عن استخدامها واطلاقها في سبيل انجاح مشروعهم الانفصالي وتحقيق احلامهم المريضة. بعد 17 يوم فقط من اندلاع معارك الدفاع عن الوحدة والشرعية الدستورية باجماع وطني وشعبي اعلن البيض مساء 21 مايو 94م اعلان قيام جمهورية اليمن الديمقراطية وفقاً للقرار المؤجل واستشارة الخائن عبدالله الاصنج الذي عين في حكومة الانفصال وزيراً للخارجية ونائباً لرئيس الوزراء، ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن علي ناصر صرح يوم 19 مايو 94 لصحيفة "الأيام" بقوله: (خلال ال24 ساعة القادمة سوف يتحدد مستقبل اليمن العسكري والسياسي) وهذه حقيقة ويمكن الرجوع إلى ارشيف صحيفة "الأيام" للتأكد من صحة ما كتبنا حتى لا يفهم القارئ العزيز ان ما نكتبه تجنٍ على شخص بعينه. المجتمع الدولي لم يعترف بهذه الجمهورية الانفصالية واخفق العطاس في اقناع المجتمع الدولي رغم انه سافر إلى أمريكاوالأممالمتحدة، وذلك لأن الواقع كان شيئاً والكلام شيئاً آخر. ولا زلت أتذكر بعض القصص الطريفة بعد إعلان الانفصال حيث أورد راديو لندن خبر اعتراف جمهورية ارض الصومال بجمهورية اليمن الديمقراطية الانفصالية، لكنه اختتم الخبر بهذه العبارة (وجمهورية ارض الصومال هي الأخرى لم يعترف بها أحد) أما السيد عبدالرحمن الجفري فقد أدلى يوم 5 يوليو بتصريح لتلفزيون عدن وللاذاعة ولمراسل محطة تلفزيون (M.B.C) قال فيه: "سوف نحرر الجنوب شبراً شبراً والاعتراف آتٍ"، وبعد 12 ساعة كان أول الهاربين هو وكارلوس في قارب واحد باتجاه جيبوتي. ختاماً الجيش اليمني وبمساندة الشعب تحرك للدفاع عن الوحدة وتثبيتها وقدم الشهداء لتبقى الجمهورية اليمنية نجماً بين الدول بشرعيتها الدستورية، وأحبطت محاولة الانفصال وكان النصر العظيم يوم 7 يوليو الأغر 94م الذي يعتبر الحصن الحصين لتثبيت الوحدة اليمنية وحمايتها من الانتكاسات، وكان قرار العفو العام الذي اصدره فخامة الرئيس علي عبدالله صالح انتصاراً لا يقل أهمية عن انتصار السابع من يوليو خاصة وانه شمل قائمة ال16 وعلى رأسهم علي سالم البيض. 7 يوليو يعني أننا نعيش في يمن موحد يمن تحترم فيه حقوق الانسان يمن خالٍ من رواسب التشطير وحكم الأئمة الكهنوتي وبقايا عهد السلاطين الرجعي المتخلف والى الأبد، ويبقى يوم السابع من يوليو الأغر شامخاً شموخ الجبال.