حاوره/ عبدالناصر المملوح 24/5/1994م هو اليوم السابق لسقوط قاعدة العند بيد قوات الشرعية.. في ذلك اليوم وعندما كانت قوات الشرعية تضع الترتيبات النهائية لاقتحام العند باغتتهم طائرة مروحية "سمتية" مدرعة وحصدت الكثير من الأرواح. في اليوم التالي 25/5 وبعد معركة دامت اربع ساعات سقطت قاعدة العند.. إلا ان الخوف من الطائرات المدرعة القادمة من قاعدة صلاح الدين كان ينتاب كل افراد قوات الشرعية الذين اقتحموا العند.. خصوصا وان الدفاعات الجوية كانت بعيدة.. وفعلا ما هي إلا ربع ساعة حتى وجدوا انفسهم أمام مرمى تلك الطائرات صيداً ثميناً.. حينها لم يجد الملازم منصور عواض بداً من استخدام دبابته.. تمركز بها في المكان المناسب، وكانت المفاجأة ان سقطت الطائرة بأول طلقة. منصور عواض تحدث ل "الجمهور" عن تفاصيل المعركة.. عمره العسكري 25 عاماً من مواليد 67م مديرية الرجم محافظة المحويت.. شارك في حرب العراق وايران، حاصل على ثلاثة أوسمة.. وسامي شجاعة من فخامة الرئيس ووسام القادسية من الرئيس الشهيد صدام حسين.. ¿ كيف استطاع منصور عواض إسقاط طائرة بدبابة. ومتى كان ذلك؟ -حصل هذا يوم 25/5/1994م عندما دخلنا إلى قاعدة العند، وكنت أنا حينها قائد سرية دبابات، ومعي العقيد محسن جزيلان قائد كتيبة المشاة.. قمنا بالهجوم على قاعدة العند الساعة 1600، وواجهنا معركة شرسة جداً جداً بكل مختلف أنوع الأسلحة من قبل قوى الردة والانفصال. لكن وبعكس ما هو عليه الحال عند قوى الردة والانفصال التي كان دافعها للقتال ضعيفاً كان إيماننا قوياً.. وعندنا هدف نقاتل من أجله.. هدف يستحق التضحيات وهو الحفاظ على الوحدة اليمنية التي تعرضت حينها لمؤامرة قذرة قادها بعض قادة الحزب الاشتراكي وآخرون. طبعا بعض قادة الاشتراكي هم الذين قادوا محاولة الانفصال وليس الكل ففي هذا الحزب وحدويون كثر، سواء في قيادته أو في كوادره الوسطية والقاعدية.. وقد كان لأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية سواء من كان منهم في الحزب الاشتراكي أو في أحزاب أخرى دور بارز ومشرف في دحر الانفصاليين. ساعات معركة العند ¿ كم استمرت معركة العند؟ -استمرت حوالي أربع ساعات تمكنا خلالها من إسقاط قاعدة العند التي كانوا يسمونها "القاعدة الأسطورة" والتي كان رهانهم عليها كبيراً، بل قبل اسقاطها بيوم كان البيض قد قال: العند عنيد وعدن عصية. ¿ وماذا عن الطائرة التي أسقطتها أنت بالدبابة؟ -بعد أن أسقطنا قاعدة العند، نشرنا قوتنا على القاعدة الجوية "قاعدة العند".. وبعد حوالي 10 إلى 15 دقيقة جاءت مروحيتان "طائرتان سمتية" من قاعدة صلاح الدين.. وكانت هذه القاعدة لا تزال حينها في يد قوات الردة والانفصال، وكان قد وصلهم خبر سقوط قاعدة العند.. فجاءوا لتصفيتنا، ولم يكن – حقيقة - يخيفنا شيء في تلك المعركة سوى هذه الطائرات. ¿ لماذا؟ -لأنها طائرات مدرعة.. وحسب علمي أنها أعطيت لقوات الردة والانفصال من دولة الكويت الشقيق.. فضلا عن أن هذه الطائرات كانت في اليوم السابق لاقتحامنا العند، أعني يوم 24/5 قد حصدت منا حوالي 15 فرداً، وهذا شكل عاملاً نفسياً سلبياً في صفوف الكتيبة، ولهذا ما ان كانت تطلع هذه الطائرات حتى نفر، نحن جنود الشرعية، كل إلى حيث يستطيع ان يختبئ.. المهم كان ولا بد أن تسقط هذه الطائرة ما لم فستحصدنا عن بكرة أبينا.. ستحصد جميع من اقتحموا قاعدة العند، وهذا الأمر شكل لنا دافعاً جدياً للبحث عن أية وسيلة لصد هذه الطائرات. "تي 55" اسقطت الطائرة ¿ بعد ان اقتحمتم العند.. ألم تكن فيها مضادات طائرات يمكنكم استخدامها لصد أية طائرات قد تأتي من قاعدة صلاح الدين؟ -حصلنا على كل أنواع الأسلحة.. صواريخ، مضادات للطائرات، بل لقد كان الجندي التابع لقوات الردة والانفصال يستخدم 23 وجندي الشرعية يستخدم بندقية "كلاشنكوف". ¿ أين دور دفاعكم الجوي؟ -قوات دفاعنا الجوي كان بعيداً جداً عن قاعدة العند.. ولهذا فكرنا بالبديل، وقد سميتها ب "التكتيك العسكري الجديد" وبإمكانك أن ترجع إلى دائرة التوجيه المعنوي، مركز الإعلام العسكري. كانت قواتنا بسيطة.. والدبابات التي بحوزتنا لا تكفي لتغطية مساحة المعركة وقد كنا نعمل 400 متراً فاصلاً بين دبابة وأخرى، اضافة إلى ان قوات الردة والانفصال ثابتة ومتمركزة وقواتنا متحركة.. وقمنا من أجل التمويه واثارة الرعب ومن اجل ان نجعل قوات الانفصال تتصور ان لدينا كماً هائلاً من الدبابات، قمنا بتشغيل جهاز باعث الدخان، الموجود في الدبابة وكان لهذا الأمر إلى جانب ما أثارته الدبابات من غبار فعله الايجابي. ¿ يعني البديل عن الدفاع الجوي استخدامكم الدبابة، واستطعتم بالفعل أن تسقطوا إحدى طائراتهم المدرعة؟ -نعم.. الحاجة أم الاختراع، وقد كنت أنا وزملائي نقول هذا الكلام.. وكنا على يقين ان قاعدة العند لن تسقط بسهولة ولن يتركوا لنا حالنا حتى بعد ان اسقطناها.. المهم لم يكن أمامنا من وسيلة غير الدبابة.. وقد أسقطنا هذه الطائرة بدبابة تي 55 وبقذيفة مضادة للدروع.. ¿ معروف أن الدبابة هي سلاح أفقي.. كيف حولت الدبابة إلى سلاح عمودي؟ -لا.. الدبابة لم ترتفع، ولم نكن بحاجة إلى رفعها.. كانت بيننا وبين الطائرتين القادمة من قاعدة صلاح الدين مواجهة.. حوالي 3 كيلو.. طبعا زاوية مدفع الدبابة هي ترتفع أكثر من 18 درجة. دبابتي التي أسقطت هذه الطائرة كانت متمركزة بجوار برج القاعدة الجوية "العند" سمحنا للطائرة المروحية أن تدخل بحوالي 2 كيلو وبضع أمتار حتى دخلت شبكة التلسكوب.. وتم إسقاطها والحمد لله. ¿ أسقطتها بأول طلقة؟ -نعم.. وربما لأن تخصصي رماية تسهلت الأمور، لقد تعلمنا في سلاح الدروع قاعدة أساسية، مفادها "تعلم أن تصيب بالطلقة الأولى فقد لا تصيب في الثانية". ¿ ماذا بعد ان سقطت الطائرة؟ -عند اسقاطنا الطائرة.. انتقلنا إلى عندها، مشياً بالاقدام وكان عددنا ثلاثة، وطلعنا برج القيادة وتواصلنا مع علي محسن وعبداللاه القاضي ودرهم نعمان ومحمد ضيف الله وقلت لعلي محسن: أنا أكلمك الآن من على كرسي قائد الملاحة الذي كان إلى قبل ساعات قليلة تابع لقوات الردة والانفصال، ولي الفخر أنني أول من دخل مكتب قائد القاعدة الجوية في العند، وأخذت معي من داخله شيئاً اعتز به وهو درع القاعدة. ¿ قلت انكم انتقلتم إلى مكان الطائرة؟ -نعم.. بعد ذلك اتجهنا إلى مكان الطائرة وكان طاقمها يتكون من ثلاثة.. اثنان حرقا ونجا كابتن الطائرة إلا انه كان قد اصيب بكسر في العمود الفقري. ¿ كيف تعاملتم معه؟ -زملائي الاثنان قالوا لازم نقتله لانهم كانوا قد قتلوا 15 فرداً من زملائنا في اليوم السابق.. قلت أبداً هذا أسير.. في بادئ الأمر ظننته سورياً للون بشرته المائلة إلى الاحمرار لكن بعد أخذ وعطاء معه في الكلام طلع من الشعيب، وقلت له: شوف إذا انت قادر على المشي أنا مستعد ان نطلق سراحك وتعود إلى أهلك معززاً مكرماً فنحن أبناء شعب واحد، وهذه الحرب ليست بين شمال وجنوب أبداً.. فها هم أبناء القوات المسلحة من أبناء المحافظات الجنوبية على رأس قوات الشرعية. ¿ وماذا بعد؟ -عندما حاول النهوض لم يستطع.. وقلنا له إذن نحن با نسعفك انت واربعة جرحى من زملائنا.. واسعفناهم وسلمناه بعد ذلك للقيادة.. وحسب علمي انهم سفروه للعلاج في الهند لأن اصابته كانت بليغة. لا دور لحزب الاصلاح ¿ أنت حينها عام 94م كنت قائد سرية دبابات.. أي لواء كنت تتبع؟ -اللواء الثالث مدعم.. وكان قائد اللواء عبدالإله محمد القاضي. ¿ يقال أن الذين اقتحموا قاعدة العند وسقطت على أيديهم.. هم جماعة الشيخ عبدالمجيد الزنداني "الإخوان المسلمين"؟ -هذا كلام غير صحيح.. كلام لا أساس له من الصحة، جماعة الزنداني أو من كانوا يسمون بجماعة عبدالولي الشميري لم يكن لهم أي دور في اقتحام وإسقاط قاعدة العند.. ولم يكن لهم أي وجود. لكن هؤلاء للأسف دائما وبشكل عام، يستغلون أو يجيرون كل شيء لصالحهم. ¿ يعني لم يكن لهم أي دور؟ -أبداً.. ولدينا الوثائق ونحن مستعدون أن نواجه أي واحد يقول غير هذا الكلام.. أو يدعي أنه كان ل "إخواننا في الله" أي دور. هؤلاء كذابون إذا كانوا يصرون على أنهم شاركوا في اقتحام العند.. وإن كان لهم وجود فوجودهم يأتي بعد قوات الشرعية، يعني مجرد متفيدين.. حتى ان احدهم حاول ان يتفيد دبابة. ¿ لكنهم يقولون أنهم كانوا يشكلون الدروع بالنسبة لقوات الشرعية التي لم تكن تقتحم أي معسكر أو قاعدة عسكرية إلا بعد أن تمشطها جماعة الشيخ الزنداني؟ -أي دروع وأي "طلي".. هذا الكلام غير صحيح.. كلام مغلوط هم كانوا شوية "متفيدين". ألف ساعة كذب ¿ لكن كتاب "ألف ساعة حرب".. أشار إلى دور جماعة الشيخ الزنداني؟ -هذا كتاب "ألف ساعة كذب".. هذا أولاً، وثانيا عبدالولي الشميري كان في الهند عندما بدأت المعركة.. وجاء بعد ذلك وألف الكتاب هذا وفقا لما يريده هو.. واستسقاء المعلومات التي يريدها هو.. وقد كان له ما أراد.. يعني الشميري جنى ثمار هذا الكتاب وهذا الكذب.. وهو الآن سفير ولديه من الأموال ما لديه ويكفي أنه الآن مستأجر يخت في القاهرة ب(45) ألف دولار في الشهر، فيما الأبطال الذين اقتحموا العند يقبع غالبيتهم في سلة الإهمال وبعضهم لا تزال الشظايا في اجسادهم.. وما حالي أنا عنهم ببعيد، فأنا الآن أعاني الأمرين من ضيق العيش والإهمال مع أن علي محسن كان يومها يقول لي انتم القادة في الحرب والسلم.. ولكن ما حصل انني كنت أثناء المعركة قائد سرية دبابات ثم قائد كتيبة، وبعد انتهاء المعارك بأسبوع واحد استبدلوني بآخر، والى اليوم أنا في سلة الاهمال. ¿ أشرت يا فندم إلى أنكم واجهتم معركة شرسة قبل اقتحامكم العند.. لكن بعض قادة الانفصال الذين تحدثوا إلى أسباب خسارتهم تلك الحرب قالوا أنه لم يكن لديهم أية وحدة عسكرية جاهزة للقتال، وأن معداتهم كانت منهكة أو مجرد أشباح خاوية أنهكتها أحداث يناير 86م.. وأن قوة قاعدة العند كانت مجرد هالة إعلامية؟ -ليس هناك أي رابط بين ما حدث في 86 وما حدث عام 94م.. والذين قالوا هذا الكلام كذابون.. لقد واجهنا معركة قتالية حديثة، ولكم كنت أتمنى لو أن وسائل الإعلام، على الأقل التابعة لدائرة التوجيه المعنوي، وثقت تلك المعركة. لقد واجهت قوات الشرعية قصفاً عنيفاً بالطيران وبالمدفعية الحديثة، بل لقد استخدمت قوات الردة والانفصال في تلك المعركة قنابل عنقودية. لكن ومع كل هذا، خسروا المعركة لأسباب بينها إلى جانب التفاف أبناء الشعب وعلى رأسهم أبناء المحافظات الجنوبية مع الوحدة، أن عامل السلاح يشكل 25% وعامل المعنوية لدى المقاتل 75%.. فقوات الردة والانفصال كانت تملك مختلف الأسلحة بل وأسلحة حديثة، لكن العامل المعنوي سالب، بسبب غياب الهدف الشرعي والقيمي الذي يمكن أن يقاتل المقاتل من أجله.. وتكون روحه رخيصة أمام هذا الهدف. ¿ حيدر العطاس.. قال إن قائد "قاعدة العند اختان.. ولهذا سقطت العند بسهولة؟ -على كل حال.. لو افترضنا أن قائد العند حينها اختان كما يقول العطاس، فهذه ليست خيانة، وإنما هي بطولة منه ووطنية افتقدها العطاس ومن معه. أنا اعتبرها - إذا كان هو بالفعل اختان كما يقول العطاس- رجولة وتضحية من أجل الوطن. أما الخائن فهو العطاس وقد اعترف مؤخراً أنه لم يكن اشتراكياً يوماً من الأيام. ¿ منصور عواض هو من كوادر حزب البعث؟ -نعم.. وقد قلت للفندم علي محسن في الأيام الأولى من انتصار المعارك أنا بعثي إلى فوق رأسي واعتز بذلك.. قال لمن كانوا حاضرين في ذلك المقيل اشهدوا إذا كان البعثيون مثل منصور عواض فأنا بعثي.. بل لقد كانوا يحسبونني في فترة من الفترات على الحزب الاشتراكي اليمني.. ربما لأن علاقاتي بقيادات الحزب الاشتراكي أو بعضها كانت جيدة.. وكانت علاقتي بهيثم قاسم جيدة.. وكنا نهتف في لوائنا ونقول: "بالروح بالدم نفديك يا هيثم".. وكنا نهتف بذلك في وجه عبداللاه القاضي. واحترامي لهيثم قاسم جعلني اتصل به عندما كانت الامور تسير نحو الحرب.. اتصلت به من لوكندة في تعز.. قلت له يا فندم أنت وزير الدفاع اليمني، وانت أكثر من علي سالم الذي باستطاعتك ان تسير بالامور إما إلى السلم أو إلى الحرب.. ولهذا عندما طلعت في التلفزيون عقب اسقاطنا الطائرة، أخبرني بعد ذلك عبيد احمد وقال لي: هيثم قاسم عندما شاهدك في التلفزيون قال: حتى منصور عواض قاتل ضدنا!!. ¿ الآن وبعد مرور 15 عاماً ما الذي يمثله لك ذلك اليوم.. وذاك الحدث الفريد.. إسقاط طائرة مدرعة بدبابة؟ -يمثل حدثاً تاريخياً ليس بالنسبة لي وحسب وإنما لكل الزملاء في القوات المسلحة.. لقد كنا نقاتل من أجل هدف هو أسمى وأغلى من كل حياتنا التي كنا ولا نزال على استعداد للتضحية بها في سبيل وحدة وعزة وكرامة هذا الوطن الغالي.. وهل هناك ماهو أغلى من الوطن؟!.. لا.. لأن أمن واستقرار الشخص هو من أمن واستقرار الوطن.. والوحدة هي الحسناء ومن يخطب الحسناء فلن يغلها المهر.. وأذكر هنا ركن التوجيه المعنوي العقيد مسعد المثيل الذي كان له دور كبير.