عاد الحسين ملك الأردن في آخر فترة مرضه وعيَّن نجله عبدالله ولياً للعهد بدلاً من أخيه الحسن، وفعلاً بات عبدالله هو الملك بعد وفاته، وأعقب وفاة الملك حسين وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد، فعقد البرلمان السوري جلسة عاجلة عدل فيها مادة في الدستور تتيح ترشيح وتنصيب نجله بشار رئيساً. حينها فتحت فضائية "الجزيرة" ملفاً أو قضية هي التوريث، وملخصها أن الفارق الوحيد بين الجمهوريات والملكيات هو "التوريث"، وإذا التوريث في الجمهوريات هو كما في الملكيات وإن عن طريق البرلمان أو الديمقراطية فإنه لم يعد من فرق بين الجمهوريات والملكيات. حين الكلام عن التوريث في "الجزيرة" كانت تطرح حالات مصر وليبيا واليمن، وبالتالي لنا أن نسأل الآن: هل من رئيس عربي لا زال يتوقع أن يحكم ابنه بعده أو بعد نجله للحكم؟!!.. ربما بات الإنسان لا يستطيع أن يأتي بحالة واحدة تعتمل أو تتوقع فهل يعني ذلك أن المتغير والتغيير فيما تسمى ثورات شباب عالج مشكلة التوريث أو أنهاها؟!!.. عندما كنت في قطر في يناير 1995م أحسست بشيء من الحراك السياسي يقوده الأمير الحالي لقطر كولي للعهد، وعرفت ربط هذا الحراك بالشباب أو التشبيب، وتعاطيته في يوميات صحيفة "الثورة" ولا زلت في قطر، ولكن ثورة الشباب- إن جازت التسمية.. مثلت بعد فترة انقلاب الابن وترحيل الأب، إذاً فثورة الشباب في قطر كانت انقلاباً وإرثاً ومن ثم استمرار التوريث. رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حمد جاسم جبر آل ثاني، يطرح بأن الأنظمة العربية تخير الشعوب أو تحاصرها بين الاستبداد والتطرف الديني، فقطر باتت الدولة العظمى ذات الدور الرائد في الحديث باسم المتغير، فأين هي من التحديث كما يطرحه المتغير؟!!.. بن جبر "جبروت قطر" أعاد صياغة المعيارية من وجهي تطرف كاستبداد نظام وتطرف ديني، فلماذا يتهرب من معيارية التأبيد والتوريث التي يفترض إحداثها في قطر، ليكون لها إقناعاً من هذا التموضع المضحك لتكون ناطق ومنطوق الضحك والبكاء معاً؟!!.. لنا افتراض أن طرفاً عالمياًً أكان البيت الأبيض أو الكرملين أو الحدوثة "الجزيرة" أو الحدث "قطر" لها فلسفة بأن الديمقراطية لن تتحقق في بلداننا ومنطقتنا إلا من خلال المرور بمرحلة صراعات مريرة لعقود أو نصف قرن كما صراعات القرون الوسطى في أوربا، فهل لا يوجد طريق ولا بديل غير هذا التنظير حتى ونحن الأكثر مطالبة والأكثر توقاً للتغيير الإيجابي وإلى الأفضل؟!!. إنني من عاش حرب ثماني سنوات بين الملكيين والجمهوريين، وتعايش مع انقلاب ومجازر في صنعاء وعدن، وأرفض فوضى خلاقة بمستوى صراع "القروسطى" للوصول إلى ديمقراطية حسب تنظير الغرب والنظير القطري الأبله، ويريد ممارسة الاستهبال. إذا بيت أبيض أو كرملين أو قطر ذات القطرين تحس بشعب كاليمن وبواقعية مع أوضاعه وواقعه وتريد مساعدته أو عونه، فبالتعاون لتسليم سلمي ودستوري للسلطة وفي نهاية العام الحالي كما طرحت أشجع مبادرة في اليمن من قبل الرئيس صالح، وبمقدور هذه الأطراف الكثير لتعمله وبأعلى سقف نجاح مضمون. أما إذا الهدف إحداث الفوضى الخلاقة وتأجيج صراعات القرون الوسطى من خلال التداخل المحدث وبأغطية حداثة بالصراعات، فذلك ما لم ولن يقبل من غالبية اليمنيين!!. ماركس جاء فكره من أوضاع أوربا ولكن تابعين للفكر نقلوا التجربة ومارسوا التجريب في بيئات أخرى كما اليمن، وجبروت قطر "بن جبر" كتابع ووسيط يكشفه وضعه وتموضعه لفلسفة وترتيبات غربية تجاه منطقتنا، يقدم لليمن حلول صراعات القرون الوسطى في أوربا للوصول إلى الديمقراطية المزعومة. مثل هذه الوسائط عادة وفي الغالب لا تمارس احترام ذاتها ولا احترام الآخر من وضع مؤقت يجعلها ببغاوية المنشأ كتصدير وإعادة تصدير، فميناء دبي يقوم بإعادة تجميع أجهزة كهربائية وإعادة تصديرها كوسيط احترام وبناء الذات، فيما ميناء وواحة الدوحة بات لإعادة تصدير صراعات وأوجاع وصداع بكذب محض ومفضوح على أنها بلد المنشأ، لعدم امتلاك شجاعة دبي بأنها تعيد التجميع والتوزيع ولأنه لا يمكن الاعتراف بعمل غير شريف ولا يحترم. نقول للأشقاء في قطر بأنه منذ ثورة سبتمبر في اليمن فهي فتحت فوق إرادتها ثم بإرادتها لكل مد ومتغير وتأثير ومؤثر، حتى باتت الخارطة للتعددية السياسية الحزبية تمثل "بانوراما" لصراعات المنطقة والعالم، ولقطر التي تموضعت بين أثقال مرحلة أن تجرب، وليس أسهل من اليمن المنفتحة والمفتوحة للتجريب وسقف النجاح موجود ومتوفر، لكنه ليس مفتوحاً لأن حاصل التجارب والتجريب باتت متراكم وعي لدى الشعب اليمني، بما يجعله الطرف الذي يمنع تجاوز السقوف عندما يصبح في ذلك مخاطر وخطر. أثقال في المنطقة حاولت إعادة الأب وفرضه حاكماً على قطر وخلع الابن بالقوة في آخر عقود القرن الماضي، حمد جاسم جبر ثاني سعى ويسعى لفرض مثل هذا في اليمن، فهو من سيفرض البديل الذي يريد ومن سيشكل حكومة لليمن من اليمنيين ومن استعلاء تموضع!.