مفارقات الزعامة من محطة الثورات القومية حتى السلمية! لسنا ضد التغيير لكننا ضد الرعونة والتطرف في محطات التغيير فلسفة "توازن الرعب" في الحرب الباردة انعكست على وفي كل منطقة كتوازن في الواقع لقوى الواقع. فالمد القومي والصراع مع الرجعية ارتبط بموازين هذا التوازن، والأوضح هو أن التواجد المصري في اليمن كمد قومي حوصر في مناطق من اليمن، وكان في أغلب الفترات تحت ضغوط استهدافه أكثر مما هو حاول تحرير بلدان الخليج وعلى رأسها الشقيقة السعودية مما كان يسمى الرجعية الامبريالية، فيما المد الأممي لليمن كان بعيداً عن أي فعل أو تفعيل لمثل ذلك واكتفى بمحاولة توحيد اليمن شيوعية بالقوة، وأيا كان الحال والمآل فمصير ذلك الفشل لعدم واقعية الفكرة والتفكير. إذاً فالطرفان أو القطبان عالمياً لديهما قوة وقدرات للتأثير على العالم أو في العالم، والصراعات الأخرى الأصغر تصطف أو تتماهى فيها أو في إطارها كما صراع القومية - الرجعية أو أخرى، ولعل اصطفاف العالم جاء كذلك وقبل ذلك في الحرب العالمية الثانية. لا بد من صراعات عالمية وصراعات في مناطق العالم قبل أو بعد الحرب العالمية وقبل أو بعد الحرب الباردة. إذاً نحن كنا في اليمن في هم ومشكلة استمرار حملات وحروب توحيد اليمن شيوعياً بالقوة "المناطق الوسطى"، فمن الصعب إلى مستوى الاستحالة مجرد التفكير بأن الثورة الإيرانية السلمية الإسلامية هي التوطئة لصراعات ما بعد الحرب الباردة، وهذا يؤكد مدى تخلف كل أطراف الصراع في اليمن كأطراف تشطير أو قوى وأطراف سياسية. إذاً وبانتهاء الحرب الباردة بانتصار أميركا فمن السذاجة تصور انتهاء الصراعات على مستوى العالم أو في مناطق العالم، كما من السذاجة عدم إدراك أن المصالح تأتي من الصراعات والصراعات تأتي منها، حتى لو أصبح كل العالم أممياً كما طرح طرف في الحرب الباردة أو صار كما أطروحات الطرف الآخر، فالماركسية لم توحد الاتحاد السوفيتي والصين في الحرب الباردة بل بات لدينا الماركسية اللينينية والأخرى الماوية من وضع صراع ومصالح الطرفين، وأثقال الغرب لم تختلف أو تتقاطع في الحرب الباردة كما اختلفت وتقاطعت بعد انتصارها في الحرب الباردة كطرف، وتجسدت الذروة لذلك في محطة غزو العراق. لقد بدا في المباشرة منذ احتجاز موظفي السفارة الأميركية بطهران كرهائن بعد الثورة الإيرانية، أن صراع الغرب مع إيران هو أولوية الغرب، ولكن الأولوية حتى أحداث سبتمبر 2001م هو الحرب العالمية ضد الإرهاب، الذي جاء من الإسلام السني كتطرف وبعد ذلك أولوية غزو العراق وإقصاء النظام. ومع أنه طرح باتساع وكثافة بعد أحداث سبتمبر 2001م بأنها غيرت العالم جذرياً، فإن أنظمتنا تعاملت مع هذه الفرضية بشراكة التحالف مع أميركا ضد الإرهاب، وكأنه تحالف يحمي مسيرها ومصيرها. إذا أميركا باتت مهيمنة على العالم بأي قدر أو تقدير، فهي ستغزو العراق إذا قررت ومن السهل خلق الأسباب في واقع العراق أو اختلاقها، وإذا كانت لا تكترث باعتراض أو معارضة حلفائها في الاتحاد الأوربي فلن تكترث بمعارضة أي آخرين أو قوى أخرى. لقد انهزمت أميركا في الصومال وانسحبت لأن تدخلها كان لإعادة الأمن والاستقرار، ولكنها لو تدخلت لإنهاء إقصاء نظام فإنها كانت ستنتصر، وهي بالتدخل في أفغانستانوالعراق انتصرت بإقصاء طالبان ونظام البعث، ولكنها لم تنجح بعد ذلك في توفير الأمن والاستقرار وإن ظلت ترتكز على ما تسميه حريات وديمقراطية ونحوه، فما ينجز في ذلك سطحي ومحدود ومشوه. إذاً الرئيس بوش الابن طرح حتمية محاكمة رئيس العراق صدام حسين، فالأفضل أن يحاكم في العراق ويقوم طرف سياسي ومذهبي في واقع العراق بالتنفيذ المفاجئ للإعدام. إذا القذافي في ليبيا رضخ ودفع تعويضات "لوكربي" بل وقدم أو سلم مكونات طموح برنامج نووي لتجنب المحاكمة أميركيا، فثوار ليبيا كانوا وسيلة أو غطاء تعذيبه وتصفيته دون حاجة لمحاكمة. إذا فمجيء التحالف الدولي والقوات الأجنبية في الخليج العربي لم يكن هدفه تحرير الكويت وإنما -ربطا بذلك ولاحقا - غزو العراق، ومحطات تحرير الكويت أو غزو العراق أو محطة الثورات السلمية هي محطات خلخلة لواقع منطقة لإعادة ترتيب وتركيب مصالح متصل بصراعات مناطق أخرى، كما الربط بشرق آسيا أو بأفريقيا أو بالشرق أوسطية. لا يعني ذلك أننا مع أخطاء الأنظمة أو استمرار الأخطاء أو الأنظمة، كما لا يعني أننا ضد الثورات أو أن الثورات هي أكثر عمالة من الأنظمة، الذي يعنيه هو أن كل الأطراف التي تصطف مع الأنظمة أو التي تمثل اصطفاف الثورات أو المعارضات يفترض أن تكون على وعي بعيد بالصراع المتراكم في واقع أي بلد افتراضاً، والمركب في سوق وتسويق هذه المحطة للتعامل بواقعية الواقع وبالواقعية مع الواقع. ربما لم نسمع عن فساد رئيس حكومة في ظل وبعد انتخابات تجعله خارج الحكومة افتراضاً كما تابعنا عن المالكي رئيس الحكومة في العراق، ورغم ذلك فالأزمة السياسية في العراق لم تحل إلا بالمجيء وإعادة فرضه رئيساً للحكومة، وبالتالي فالصراعات ومن خلال الديمقراطية في أطرافها وأدواتها انتصرت لرئيس حكومة فاسد، بل وفرضته بعد وليس قبل كشف وانكشاف فساده. عندما نتحدث عن كلفة الغزو والبقاء الأميركي في أفغانستانوالعراق، والكلفة داخلياً للأزمات وللتبعات وعدم القدرة مع ذلك على توفير الأمن والاستقرار، وعندما نتوقف عن انهزام أميركا في الصومال حين تدخلت لتوفير أمن واستقرار غير التجارب الأخرى وتجارب التاريخ، فإن علينا التسليم بأن تغيير وإقصاء نظام بشكل غير مرتب وبترتيب البديل "كتسليم واستلام"، ومستوى التسليم والتداول السلمي للسلطة فذلك احتماله الأكبر أن ينشئ مشكلة أكبر من أي وكل المشاكل المستهدف حلها أو معالجتها. إذا أي نظام كطرف يقبل بتسليم السلطة وفق ترتيبات السلمية والتداول السلمي للسلطة، فهو ساعد الواقع وتعاون مع أطراف الواقع الأخرى الواعية والواقعة لتجنيب البلد مشكلة أكبر، وربما كوارث أو مكارثية. رفض مثل هذا المسلك الواقعي والواعي لحاكم أو نظام، والإصرار على التطرف الخطابي والمواقفي هو إصرار على دفع الواقع بمؤثراته والمؤثرات عليه إلى كوارث ومكارثية الصراع بأسوأ ما يحتمل ويتوقع، و هذا ما أحسسنا بمده إلى الفضائيات الرسمية أو الحكومة بعد الوفاق وفي ظل حكومة الوفاق من عناصر الانتماء للإخوان ولأطراف أخرى في "المشترك". ربما كان المنتظر تفعيل التهدئة في الخطاب السياسي والإعلامي للمشترك كأطراف وقعت على اتفاق المبادرة الخليجية في الفضائيات الخارجية والمعارضة، فإذا الذي يمارس هو التصعيد إلى الفضائيات الحكومية. بوضع ما بات إعلام المحطة كفضائيات خارجية غير المعارضة يمارسه ويسير فيه، فهذا التصعيد المعارضي لخطاب العداء والتثوير تجاه الآخر لم يعد له تأثير في الواقع أو تأثير يؤثر أو يعتد به، ولكن تأثيره الواقعي السياسي كموقف على علاقة الواقع بتوقيع المبادرة الخليجية وفي سير التطبيق كما يطالب مجلس الأمن والمجتمع الدولي والطرف الأقليمي الراعي. فالواقع أو المجتمع هو الطرف الأساسي بعد التوقيع على المبادرة في الإسناد والضغط للتنفيذ على كل الأطراف، وهذا التصعيد هو ضد المبادرة وضد نجاح تنفيذها ويؤثر باتجاه إضعاف الثقة وروح التفاؤل في الواقع، وبالتالي فسقف نجاحاته استعادة الأزماتية أو العودة إلى الأزمة، فيما أي تصعيد وكل تصعيد هو أعجز وبات أكثر ضعفاً تجاه ما يسمى "الحسم الثوري" أو حتى "البقري". لقد عرف رئيس مصر جمال عبدالناصر بالزعيم العربي وزعيم الثورات العربية القومية، فمن يمكن أن يرشح أو بين المرشحين لتزعم محطة الثورات السلمية عربياً؟!!. رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حمد بن جاسم آل ثاني يتصرف كزعيم لهذه الثورات من تموضع وأدوار قطر أو من الموضعة التي آلت إليه الجامعة العربية. المادة التي ثبت أن نشرت وانتشرت عن حديث له في الكواليس والغرف المغلقة، فهو يتحدث عن أحقية أسرة آل ثاني عن الأسرة السعودية في حكم أو هيمنة أو توسع من خلال هذه المحطة. استدلالي بهذا الحدث الحديث لم يعد في سياق التأثير على علاقة بلدين أو بدافع توتيرها بين نظامين بعدما نشر وانتشر، ولكن الأهم أن هذا المفروض أو المفترض كزعيم للثورات السلمية لا يرى المحطة غير محطة لمد وتوسع لحكم أسرة آل ثاني. إذا زعيم الثورات السلمية يفكر أو يخطط لتوسيع حكم أسري لقرن قادم فأين الثورات منه أو أين هو منها كزعيم في الفكر والتفكير؟!!.. هل يعني هذا أن الثورات السلمية هي فقط ضد الثورات القومية والأممية فقط؟!!.. وإذا طالت الأردن كملكية كاحتمال فمن أجل الوطن البديل في ظل الطرح الأمريكي عن الشعب الفلسطيني المخترع!!.. إذاً فمن الشطط والشطح للبعض كأشخاص أو أثقال وأطراف سياسية تصعيد خطاب التطرف الشتائمي إلى الفضائيات الرسمية تجاه حاكم ونظام قبل بالحل السلمي والتسليم السلمي للسلطة في إطار التداول السلمي للسلطة، في ظل حقيقة أن زعيم أو قائد هذه الثورات يرى المستقبل كقرن هو لتوسع حكمه الأسري ربما من فلسفة ثورية هذا الحكم الأسري كوحيد وأوحد في التاريخ، يجمع بين الأسرية والتوريث وبين الثورية والثورة. ولعل توكل "النوبلية" التي بشرت بالثورات لتكتسح دول الخليج بالكامل ما عدا قطر الأبية لم تطرح ذلك من فراغ، وإنما من فلسفة زعيم وقائد الثورات السلمية والذي لم يحتج ليدفع بتوكل لأهلية الحصول على الجائزة، وإنما دفع بالجائزة إلى توكل بقدراته الاستثنائية والخاصة. الذي لا يلتفت إليه هو أنه ليس كل الناس الذين لا يسيرون في خط التطرف الثوري وخط الثورات المتطرف يدافعون عن الأنظمة أو هم ضد التغيير، ومثل المفكر الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل فوق التوصيف بمثل هذا أو تنصيص مثل هذا عليه، وفي طرحه ما تحتاجه الثورات من واقعية إلمام ووعي أبعاد لتستفيد وتفيد وتتعامل مع واقعها باستشعار المسؤولية. التغيير من صراعات الخارج أو تفعيل الخارج لصراعات مصالحه كارتباط بأرضية التغيير الداخلية، هو تغيير محفوف بالمخاطر وتتهدده المخاطر فوق كل المثاليات والتنظير قبل وبعد الحرب العالمية الثانية وقبل وبعد الحرب الباردة، بما في ذلك محطة الثورات السلمية، ولذلك فلسنا ضد التغيير ولكننا ضد التهور الأرعن والتطرف الأهوج في أي تغيير أو محطة تغيير!.