مع حلول كل موسم رمضاني تأتي هناك تباشير الخير والصدقة وإجزال العطاء تيمناً بإمام العارفين وقدوة العاملين رسول الرحمة وهادي الأمة، الذي كان أجود من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان، وهذا يعني أن عطاءه كان طوال العام مع الزيادة في رمضان لما لهذا الشهر من منزلة عظيمة ميزته عن بقية الشهور والحسنة فيه بعشر أمثالها والنافلة فيه بفريضة فهو موسم للتجارة الرابحة مع الله عبادة ومعاملات. إن من يشاهد اليوم ويقيم من أصابتهم الفاقة والجوع والذين خرجوا كما تخرج الأسود من عرينها للبحث عما يسد رمقهم، يجد أن معظمهم من أصحاب الهيئة والقيمة في منظرهم وملبسهم من ذوي العمائم وربطة العنق والكل يستنجدون الأغنياء ويمدون أيديهم إليهم لمساعدتهم، وأكثر من أصابهم الفقر هم أبناء الأرياف الذين تركوا الزراعة والنحت في الصخر ليريقوا ماء وجوههم اليوم على أبواب الأغنياء وداخل المساجد والذين يعرضون ظروفهم وعاداتهم لينالوا العطاء، وقد وصل إلى مسامعي أن هناك الكثير من المتسولين منضوين في أطر مؤسساتية لتعمل على إخراج الكثير من الشحاتين والمتسولين كنوع من الاحتراف المهني، كما روي ايضا أن هناك من يمدون أيديهم للتسول في المساجد ويخرجون يركبون سيارات فارهة، ولم نعد اليوم نفرق بين المحتاج الحقيقي المضطر وبين الذي يمد يده ضرارا وليس اضطرارا كما شاهدت بأم عيني في هذا الشهر الكريم الكثير من التجار، والذين يمتلكون امبراطورية تجارية وهم يستقبلون استقبال العظماء الفاتحين والكل يتمنى أن ينال رضاهم وعطاياهم وهم في الحقيقة ليسوا بعظماء تاريخ ولكنهم عظموا بثرواتهم التي أسست على حساب الفقراء وأنينهم، وقد قال أحد الحكماء (إذا رأيت يوماً فقيراً فاعلم أن غنيا قد سرق ماله) واليوم نراهم يلبسون ثياب الرهبان لتوزيع بركاتهم وهم أساسا أسباب الأزمات والفقر ومخرجاته ولكنهم اليوم يتفاخرون بعطاياهم على المؤلفة جيوبهم والتي تكون أساسا على حساب ضمائر تلك الأيادي المحدودة وهم يتبوءون مكانتهم في الوظيفة العامة، وهم لم يدروا أنهم بأفعالهم تلك يذبحون النظام والقانون، وتتحول تلك المرافق الوظيفية إلى أماكن للشحاته والتسول الأمر الذي يشوه سمعة المكان والقائمين عليه فلماذا لا يربأون بأنفسهم ويحافظون على ماء وجوههم وهيبة الوظيفة العامة التي تنتهك بأقذع الألفاظ ويندى لها الجبين. لقد تحول العمل الخيري وتوزيع الصدقات من المستهدفين الحقيقيين الفقراء ليصل إلى ذوي القامات العالية وغير المستحقين لكسب ودهم، وكم ترى من "الظروف" المكنوزة بالمال وهي توزع في المكاتب الحكومية ومنها ما يتم توصيلها إلى منازلهم خاصة ذوي المناصب العليا والرتب العالية، بينما الفقير الحقيقي لا تصله حفنة من الريالات التي لا تسد رمقة ولا تسمنه ولا تغنيه من جوع إذن هل أصبحت الصدقة أو الزكاة لا تصرف ضمن المصارف الثمانية التي شرعها الله سبحانه وتعالى وأصبحت تصرف مجاملة وشراء للذمم والضمائر ؟!! فيا أصحاب المال هناك الكثير من الأسر التي لا يوجد معها ما يسد رمقها ليوم واحد ابحثوا عنهم وادرسوا حالتهم اجتماعيا واغنوهم عن السؤال، وكذلك الذين تحسبونهم أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافان بدلا من أن تهدروا تلك الزكوات والصدقات لقوم متخمين في بحبوحة العيش الرغد وهم ليسوا محتاجين، والتجارة الرابحة مع الله ليس في هؤلاء ولكن في الفقراء المحتاجين، والذين ينظرون منكم العطاء الجزيل، أما غيرهم الذين تخطبون ودهم بعطاياكم فهي والله ليست برابحة مع الله سيكونون متسولين أمام الله سبحانه وتعالى. كما نشير هنا إلى أن الدور الاجتماعي قد تراجع كثيرا وانعدم ذلك التكافل الاجتماعي رغم كثرة المنظمات الخيرية التي تنشط في رمضان، ولكن للأسف غلب عليها الطابع السياسي والولاء الحزبي ولم تعمل جميعها في استهداف كافة الشرائح الفقيرة بغض النظر عن الانتماء الحزبي للفرد المستهدف، وهذه طامة كبرى نشأت جراء تسييس العمل الخيري.