رغم جهود ومحاولات بغداد لحيازة وضع ثقل في المنطقة سواء بعد توقيع اتفاق السلام بين مصر واسرائيل أو خلال الحرب مع إيران، إلا ان المستوى الأكبر من الثبات ظل لمصر والسعودية كأثقال في المنطقة حيث مثلا قطبي الصراع العربي "القومي- الرجعي" وبعد ذلك باتا قطبي النظام العربي كما عرف وتم التعارف عليه. ما علاقة اليمن فيما يتصل بواقعها وتطوراتها بوضع الثقلين كقطبين للصراع العربي أو كقطبين للنظام العربي؟!. مسألة الضرورة والاضطرار كتقدير أو قرار سياسي تظل مسألة نسبية سواء في ضرورتها ومن ثم في أضرارها، ومن جانب وجهة مصر طرحت ونوقشت لفترة قضية التدخل في اليمن ومدى سلبياتها وايجابياتها. لم يعد مجدياً ولا مفيداً طرح قضية استنجاد الثورة بالقوات المصرية على أساس انها ضرورة مهما كانت أخطاؤها أو مخاطرها أو على أساس انها خطأ أو صواب، والمفيد للوعي التسليم ببديهية أن هذا القرار أدخل اليمن في صراع قطبي الصراع في المنطقة وبأي قدر هو مرتبط بالصراعات العالمية. حين التحرر من أنظمة حكم استبدادية أو بوليسية، فالطبيعي حدوث مستوى من الضوضاء أو الفوضى يضعف الاستقرار بأي قدر أو يقلل نسبة الاستقرار، ومثل هذا بأي قدر كان لا بد من حدوثه بعد انهيار الحكم الإمامي أياً كانت قرارات الثورة أو سياساتها. تأثير هذا العامل وحده محدود وله سقف لا يستطيع تجاوزه في هز الاستقرار، بينما دخول دائرة أو مدارات قطبي صراع هو الذي هز الاستقرار بشكل قوي وعميق وبعيد. ولهذا علينا التأمل في اجواء الصراعات بالمنطقة وما يتصل بها عالمياً حين مجيء ثورة سبتمبر أو اكتوبر ومدى تأثير ذلك في خيارات أو قرارات لها. النظام الإمامي تحارب وتصارع مع النظام السعودي عام 1934م وقبلها وبعدها وليس مع النظام المصري أو عبدالناصر، ومع ذلك فالصراعات الجديدة هي التي تفعل وتجد التفاعل والبديهي ان يكون أي تحالف أو تقارب هو بين الثورة ومصر عبدالناصر وبين الإماميين أو الملكيين والنظام في السعودية فوق الصراعات السابقة، ومثل هذا تكرر وبما لا يستساغ بين الاشتراكي "الشيوعي" وبين النظام السعودي عقب تحقيق الوحدة، وهكذا فان تغييرات ومتغيرات أو حسابات وحساسيات قد تنقل حالة علاقة نظام كما في عهد علي عبدالله صالح من مستوى قوي من الارتباط والتحالف مع السعودية "قبل الوحدة" إلى مستوى من التوتر والقطيعة والمواجهة بعدها كانقلاب موازٍ للانقلاب في العلاقة بالاشتراكي. إذا تساءلنا في ظل مثل هذا التغيير المفاجئ أو مفاجآت المتغيرات أيهما أسهل لثقل مثل مصر أو السعودية من أي وضع في أي وضع، أن تثبت أو تزعزع الاستقرار في بلد مثل اليمن؟ بالتأكيد فزعزعة الاستقرار هو اسهل بكثير من دعمه أو تثبيته، ومع ذلك فطبيعة وتلقائية صراع قطبي الصراع العربي بعد ثورة سبتمبر لم ينسف فقط سمة الاستقرار التي فرضت من الاستبداد الامامي، بل ان هذا الصراع زرع وضع اللا استقرار لمدى أبعد حتى وهز الاستقرار لم يكن في حد ذاته هدفاً لأي طرف. فإذا النظام السعودي بات يهاجم أو يستهدف من اليمن فالطبيعي ان يدافع عن ذاته بأقصى مستطاع من اليمن، خاصة في ظل وجود طرف أو اطراف ومن أبناء اليمن من يواجه هذا المد المستهدف للسعودية وفي داخل اليمن. النظام الإمامي لاحق كل بندقية أو آلية لقذف رصاصة من التي استعملت في بدايات الدولة العثمانية، ولذلك كان عسكري الإمام يرهب قرية أو قبيلة. خلال حرب ثماني سنوات بعد الثورة ربما لم يعد منزل في اليمن يخلو من بندقية حديثة وكمية ذخائر غير شروع الوجهاء والاثقال في تكديس اسلحة اكثر وأثقل. بعد رحيل القوات المصرية فالملكيون أو الإماميون لم يسيطروا فقط على الجبال المحيطة بصنعاء بل توغلوا حتى أطرافها مع صغر المدينة آنذاك، وحيث الملكيون لم يفرضوا أو يمارسوا نظاماً في كل المناطق والمساحات التي تجاوزوها حتى الاطباق على صنعاء فذلك يعني وضع اللانظام، واي استقرار في وضع اللانظام هو استقرار توافق للتباينات في النظام الاجتماعي وذلك ما اتبعه الشيخ عبدالله الاحمر في مساحة من اليمن خلال اعتكافه في فترة الرئيس الحمدي. إذا كان في واقع اليمن أو وعي اليمنيين بأي قدر نتيجة جهل أو حاصل تجهيل من لا يقف مع الثورة ويناصر النظام الامامي الابشع في ظلمه والاشنع في تخلفه، فكيف يكون أهلاً أو مؤهلاً لوعي أي صراع فوقي قومي أو عالمي. في الواقع فالشيخ عبدالله الاحمر استعان بالعصبية والعصبوية ليجعل من قبيلته كتلة جيش شعبي مقاتل وفاعل، كما طرفا الصراع داخل الاشتراكي استعانا بذات العصبية والعصبوية لحسم صراعهما في حرب عدن 1986م. إذا كانت الثورة استنجدت بمصر والمد القومي لنصرتها فبعد حرب ثماني سنوات لم يكن أمامها من خيار غير اتفاق صلح مع الملكيين، وقد بات بيد النظام السعودي 99% من أوراق الاستقرار في اليمن ولذلك فالسعودية من باب الاحتراز اشترطت عدم دخول اسلحة توصف أو تصنف ثقيلة لمسافة محددة من حدودها، وفي مناطق معينة هي صعدة والجوف، ولذلك فأقل حضور للدولة ظل في المحافظتين. ثورة أكتوبر جاءت بعد الهزيمة القومية عام 1967م وقد اعتدنا ان نقرأ أو نسمع في تعليل أو تحليل الحدث بأن انتصار ثورة اكتوبر كان رداً على الهزيمة القومية، ليؤكد ان الهزيمة لم تؤثر على ارادة الانتصار. توظيف الحدث بهذا الشكل لتقوية العزيمة أو الارادة يمثل استعمالاً ايجابياً واعياً ومحبذاً، ولكن دون ان يلغي وعينا والتفاتنا إلى جوانب اهم في معطى الصراعات. فالهزيمة القومية كانت بمعيار الصراع العالمي بمعيار انتصار امريكا ضد السوفيت، مثلت استفزازاً للسوفيت وهم في وضع أو احساس بالقوة وفي منطقة شديدة الحساسية.. مثل هذا يفهم في وضع للعلاقات الدولية بالاحساس والتعاملات ويتفاهم ويعالج بدون مباشرة للتفاهمات أو التوافقات كتعويض أو معالجة مستوى مرتفع من التوتر. وهكذا فالخيار الشيوعي لثورة اكتوبر مرتبط ببيئة الصراع قبل وفي حين انتصارها، والذي يؤكد وضع قوة السوفيت في ذلك الزمن هو ان قوى وأثقال المنطقة بعد ضعفه ذهبت بالتنسيق مع امريكا لاستنزافه إلى افغانستان فيما لم تجرؤ على استنزافه في اليمن. وهكذا فحروب توحيد اليمن شيوعياً تؤكد ان الشيوعية عالمياً مستنفرة وفي وضع هجومي مع ضعف الشيوعية وواقعها الضعيف في اليمن. الاشتراكي لو لم يجد لدى قطبي أو ثقلي النظام العربي استجابة أو تجاوب حينها "بعد تحقيق الوحدة" ما صعّد الأزمات وما أوصل الأوضاع إلى حرب 1994م. فهذه المحطة هي غير أزمنة ثورة سبتمبر واكتوبر لتبرير الاستنجاد القومي أو الخيار الشيوعي بالاضطرار أو الضرورة. اليمن التي تستنجد بمصر من الامامية والملكيين والتي لا تستطيع الوصول إلى نسبية الاستقرار إلا بدور وتأثير السعودية ليست من تفكر صراعياً مع غزو الكويت، وهي فاقدة التأثير في أطرافها أو مساحات منها كبلد ودولة، وبالتالي فالموقف من غزو الكويت فيه اختلاق سياسي صراعي للتبرير لمشروع استهداف اليمن أو وحدته من وضع صراعات سابقة ومتراكمة، وهذا ما أكده احتلال ارتيريا لاحقا لجزر حنيش اليمنية، حيث لا يمكن لنظام قوي أو ضعيف بأي قدر ان يقبل أمام نظام أضعف منه بمستوى ما قبل به النظام في اليمن ورضوخه لتحكيم دولي وسنوات من الانتظار حتى استعادة تلك الجزر من خلال التحكيم الدولي. لقد كان على القاهرة استضافة الرئيس السلال بعد اقصائه وأقطاب النظام التي سارت قومياً إلى مستوى من الأدلجة كمواقف، فيما النظام السعودي كان كثير الواقعية كونه الطرف الوحيد القادر على اقناع الأئمة من أسرة آل حميد الدين بعدم العودة إلى اليمن واستضافة هؤلاء وغيرهم، فيما القاهرة والرياض تعاونا تنسيقاً في دور واحد للتعامل مع من اختاروا السفر إلى الخارج بعد حرب 1994م. فباستثناء ما عرف بقائمة الصراع فلا مبرر لغيرهم في السفر إلى الخارج غير تجديد وجديد الصراع أو زيادة وجديد الرفاهية، وحتى قائمة ال16 فقد صدر العفو عنها لاحقاً. قد يكون أسامة بن لادن اضطر في ظل نظام شيوعي جاثم للاغتراب في السعودية، وقد يكون ابراهيم الوزير وجد ضرورة أو أفضلية للبقاء في الخارج، فمن يضمن لأي منهما الوصول إلى هذا الثراء والثروة ليظلا في اليمن. إذاً فبمعايير ما مورس في اليمن منذ ثورة سبتمبر واكتوبر فانه لم يمارس تسامح في الصراعات كما في ظل وبعد حرب 1994م حيث لا محاكمات ولا تصفيات ولا مصادرة لحقوقهم أو منع لاستحقاقاتهم. الاشتراكي مارس "اخطاء نظام" من زوايا التخوين والعمالة للرجعية وأصدر حكم اعدامه ونفذ ما استطاع كما تصفية رئيس حكومة القاضي الحجري في أوربا كما استخدمت "أخطاء مواطنين" لاعدام الآلاف بتهم الخيانة والتخوين والعمالة ونحوها. المتغيرات عالمياً وفي المنطقة غيرت تبريرات ومبررات الصراع فقط فأصبحت "أخطاء نظام" تعني الداخل ولم تعد تعنى بالخارج كخيانة وتخوين وعمالة ونحوه، فكيف لنا تصديق تبريرات وتخريجات صراع تساير المتغيرات وتحاول استخدامها على طريقة فرض الوحدة شيوعياً بالقوة كاستخدام تفعيل لصراعاتها ولأهداف واستهداف الصراعات. قد يكون للنظام أخطاء من العيار الثقيل بأي قدر ولكن المعارضة وخلال عقدين لا تهتم بطرح هذه الأخطاء بقدر ما تمارس خطاب الحاح جامح لاجهاض الوحدة وتمزيق اليمن. اخطاء نظام أو أخطاء مواطن حينما يسوق للاقصاء أو التصفية وسيلة انكشفت وملت واستهلكت.. ونعم يستطاع تأجيج صراعات ولكنه يعنينا ويكفينا أن نعي أن الهدف ليس اصلاح نظام أو اخطاء نظام، وانما استهداف النظام من خلال الوحدة أو استهداف الوحدة من خلال النظام. قد لا يكون مثلي بالضرورة مع بقاء أو تغيير نظام ولكنه مع ما هي أفضلية في النظام أو التغيير، والذين تتعالى اصواتهم ويطغى هديرهم لاقصاء النظام، لم يقدموا بديلاً يقنع كنظام أو يحس بأفضليته، وبالعكس فان ما يقدمونه من بدائل تؤكد ان النظام الحالي بغض النظر عن مدى أخطاء له وما قد يختلف حوله بمعيار الافضلية، فان ما تعاطى به كفكر وتفكير واسلوب وتجريب بات الحاجية الحيوية الأنسب ليأخذ بها أي نظام قادم ويطورها.