السامعي: تعز ليست بحاجة لشعارات مذهبية    سعد بن حبريش.. النار تخلف رمادا    فضيحة الهبوط    "الوطن غاية لا وسيلة".!    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    السقلدي: تحسن قيمة الريال اليمني فضيخة مدوية للمجلس الرئاسي والحكومات المتعاقبة    جياع حضرموت يحرقون مستودعات هائل سعيد الاحتكارية    من المستفيد من تحسن سعر العملة الوطنية وكيف يجب التعامل مع ذلك    وادي حضرموت يغرق في الظلام وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية    في السريالية الإخوانية الإسرائيلية    مفاجأة مونتريال.. فيكتوريا تقصي كوكو    سمر تختتم مونديال السباحة بذهبية رابعة    أيندهوفن يتوج بلقب السوبر الهولندي    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    شبوة .. توجيهات بإغلاق فروع شركات تجارية كبرى ومنع دخول بضائعها    العالم مع قيام دولة فلسطينية    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    جحيم المرحلة الرابعة    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    لمناقشة مستوى تنفيذ توصيات المحلس فيما يخص وزارة الدفاع ووزارة الكهرباء..لجنتا الدفاع والأمن والخدمات بمجلس النواب تعقدان اجتماعين مع ممثلي الجانب الحكومي    في خطابه التعبوي المهم قائد الثورة : استبسال المجاهدين في غزة درس لكل الأمة    مساعد مدير عام شرطة محافظة إب ل"26سبتمبر": نجاحات أمنية كبيرة في منع الجريمة ومكافحتها    العلامة مفتاح يحث على تكامل الجهود لاستقرار خدمة الكهرباء    إعلان قضائي    لجنة أراضي وعقارات القوات المسلحة تسلم الهيئة العامة للأراضي سبع مناطق بأمانة العاصمة    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    الشخصية الرياضية والإجتماعية "علوي بامزاحم" .. رئيسا للعروبة    2228 مستوطناً متطرفاً يقتحمون المسجد الأقصى    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الدولة العميقة في اليمن
نشر في الخبر يوم 24 - 12 - 2017

عام آخر تطوى أيامه الحالكة على اليمنيين وتطوى معه صفحة الرئيس السابق بصورة درامية والذي اختار هذه النهاية بكل ما تحمل صورة المشهد الأخير من أبعاد ورمزية تواري حقبة من تاريخ اليمن الحديث .
أربعة عقود من الزمن مضت وهي فترة نظام صالح الذي عُرف بالمراوغة والتدليس فأسلوبه الديماغوجي "السهل الممتنع والفساد الناعم" مقارنة بفترة الحوثيين ذات البعد الشمولي الفظ والتسلط والاستحواذ على كل تفاصيل الحياة .
لم يستغل صالح فطنته والكرزما التي حظى بها لثبيت أركان دولة مدنية تساعد على الاستقرار في حال رحيله بل كرس اهتمامه لتأسيس نظامه ومقربيه ، وهذا حال رؤساء كُثر في جمهوريات العسكر العربية.
استهل صالح حُكمه بحرب فيما عرف بحرب" المناطق الوسطى " ويكفي ان عهده شهد أكثر من عشره حروب من ضمنها ستة حروب عبثية ضد الحوثيين .
اتسمت فترة حكمه بسياسة فرق تسد وضرب الخصوم ومهادنة القوى السياسية ومحاولة إرضاء الخارج الإقليمي والدولي ، فاختزل رؤية العالم لليمن وكأنه بؤرة إرهاب .. بحيث غدا المجتمع الدولي ينظر لليمن في العقدين الأخيرين من زاوية أمنية وليس تنموية ..
خلال فترة حكم صالح التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود استطاع أن يؤسس منظومة فساد واسعة، عبارة عن شبكة معقدة من لوبيات مالية وعسكرية وأمنية وسياسية وقبلية، وهي شبكة متينة في قوتها، معقدة في تركيبتها، ومتباينة في أهدافها التي تسعى إلى المحافظة عليها، هذه المنظومة لها ارتباطات وعلاقات بقوى مشابهة على المستوى الإقليمي والدولي، يربطها هاجس واحد هو الحفاظ على مصالحهم من أي تهديد قد ينشأ، لذلك فقد سلكت بعض الثورات مسلكاً تصالحياً يحقق أهداف الثورات ويمنح النظام السابق فرصة للتعايش، وهذه تسمى "العدالة الانتقالية"، النقيض من العدالة الجنائية التي تقوم على المحاكمات والقصاص.
ايد الإقليم طموحات صالح بعد خروجه الشكلي من السلطة ولقى تعاطف دولي أيضا وذلك من مدخل إيهام المجتمع الدولي بقدرة صالح على التصدي للإرهاب بعد ان صور للخارج ونمط نهج اليمن وتعامله بإقليمه بأنه بوابة امن الخليج وبدلا من رؤية اهتمام دول النفط باليمن بتنميته وفتح أبواب الخليج للعمالة اليمنية ، كان همه الأساسي ان يثبت لممالك النفط بمقارعة القاعدة نيابة عنهم ، وبأنه سيضل حارساً وفياً لتلك الأنظمة ، وباعتباره شريكاً أساسياً في محاربة الإرهاب ، والهاجس المشترك من صعود تيار الإسلاميين، خاصةً الإخوان المسلمين ، عقب ثورات الربيع العربي.
هذه العوامل وغيرها مهدت الطريق وهيأت السُّبل أمام الدولة العميقة لكي تنشط، بل ويستفحل خطرها، حتى تمكنت من إسقاط الحكومة ثم الدولة بمكوناتها الطبيعية.
وبعيدا عن تفاصيل يوميات ما بعد المبادرة الخليجية فقد تجسدت مساعي صالح إلى سعي الحكومة التي يشكل المؤتمر نصف أعضائها ناهيك عن كوادر المؤتمر او حتى مناصريه في كل أجهزة الدولة لإعاقة أعمال لإظهار فشلها ثم إسقاطها وذلك من خلال خبرته بالوضع اليمني من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتركيبة المجتمع ووعيه واحتياجاته الأساسية، فقد عمد إلى خلق الأزمات عن طريق عناصره في الحكومة وفي مؤسساته.
في اليمن وسواها من بلدان الربيع العربي جملة من التداخلات وتراكم الفساد وتأثير النخب المتعاقبة التي لازالت جذورها لليوم وحتى ولو انقسمت بين شرعية وانقلاب لكنها حتما تقولبت خلال ما يقارب الأربعون عاما الماضية وتشمل النظام السياسي وحتى بعض رموز المعارضة الشكلية وسعى المؤتمر لما عُرف بتفريخ أحزاب ولا يعرف المؤتمريين ان يوما ما سيأتي وقت يفرخ حزبهم هو الآخر!
منذ ان سمح للأحزاب دستورياً غداة الوحدة اليمنية إلا غدت مجرد معارضة شكلية وبأن مقولة الديمقراطية التي شرعنت العمل السياسي غداة الوحدة لم تخدم سوى النظام السياسي نفسه ، فبعد خروج صالح الشكلي بعد ثورة الربيع العربي تحول حزبه " المؤتمر الشعبي العام " من حزب السلطة إلى حزب التسلط !
وكأن المؤتمر الشعبي هو صانع المعجزات ، وعندما يكون الحزب أهم من الوطن فتلك كارثة ، وكذلك عندما يكون رئيس ذلك الحزب اهم من الحزب نفسه فتلك كارثة مضاعفة !
ولهذا انهارت الدولة بمجرد خروج الفاعل الأساسي في هذه الدولة المفترضة من المعادلة ، وبقى بذريعة المؤتمر ينكل لمن بعده ، فبعد ثورة 11 فبراير تم تسليم خرقة من ثلاثة ألوان في حفل كرنفالي بهيج بخروجه الشكلي وتم التفرغ لإفساد المرحلة الانتقالية من اليوم التالي !
في تلك الإثناء تغلغلت الظاهرة الحوثية في جسم الدولة مع ان جذور التغلغل ألسلالي بدأ منذ مطلع السبعينيات،أي منذ المصالحة الهشة التي تلت الحرب الأهلية ، أفرزت تلك المرحلة وبعد ثمان سنوات بيئة سياسية وعسكرية لفترة علي عبدالله صالح منذ نهاية السبعينيات .
وخلا الأربعة العقود الماضية تنامت الدولة العميقة بتحالف "العسكرتارية" مع القبلية مع الإسلام السياسي بشقيه تارة مع هذا وأخرى مع ذاك والأخير الذي اليوم يعاني منه الجميع بما فيه الدولة العميقة نفسها المنقسمة بين الداخل والخارج .. ومن هنا فاحتمال فتواري ما عُرف "الدولة العميقة" يعني بداية مرحلة الدولة المدنية شريطة توافق الجميع ولن يتأتى هذا إلا بإرادة وطنية تلتف حول شخصية كرازمية وستنتج مشهد سياسي جديد تذوب فيه المكونات التقليدية التي تصدرت المشهد لأكثر من ثلث قرن مضى لتكون في مكون او مكونات جديدة وربما صيغة أخرى للواجهات السياسية ، لكن اللافت ان يمن جديد يتشكل من رحم المعاناة ، وحتما لن يبدو هذا على الأمد القريب او المنظور فالمرحلة تحتاج وقتا للولوج لما يمكن تسميته بالجمهورية الثانية . لأننا وخلال خمسة وخمسون عاما لم نعيش حتى جمهورية أولى حتى نحلم بثانية فقط عشنا على قيم وطنية افتراضية تدعى (جمهورية ، دستور، فصل السلطات، ديمقراطية ، وحده سيادة وطنية الخ … وكلها مجرد قيم افتراضية ليس إلا).
كانت آخر رقصة مروض الثعابين غداة خروجه الشكلي من السلطة بعد ثورة 2011م هي إفساد الفترة الانتقالية من اجل رئيس من بعدي اسمه احمد ، وبتواطئ اقليمي كان احتواء ثورة الشباب بمنحة حصانة ما كان يحلم بها أي دكتاتور عربي.
انتهت تلك المراوغات باستدعاء الحوثيين من صعدة لإنهاء مكون سياسي آخر معترف به في الدستور واللافت انه بدلا من القضاء على الإصلاح قضوا على المؤتمر نفسه بعد أيام قليلة من مقتل صالح .!
إجمالاً يُعتبر تاريخ 2 ديسمبر من العام المنصرم " ليوميات الحرب اليمنية" علامة فارقة عندما أعلن صالح تمرده عن شريكه في الانقلاب ولقى حتفه بعد ذلك بنحو يومين .
اللافت ان ميلشيا الحوثي وحسب مصادر مستقلة أكدتها منظمات حقوقية بأن الحوثيين قد اعدموا ما يزيد عن ألف عنصر من حزب المؤتمر بينهم كوادر حزبية وكبار الضباط ورجالات صالح وجرح آخرون وزج بمجموعات كبيرة في سجون الحوثي ، ناهيك على فرار قيادات من الصف الاول وبعض العناصر الإعلامية
وبهذا يمكن القول بأن نخبة المؤتمر والمولين لصالح قد قضى عليهم تقريباً ، وعليه يمكن بأن مشروع الإمارات في تدوير السلطة العميقة قد فشل ، ولسان حال اليمنين رب ضارة نافعة ، ويتسائل الكثيرون ماذا لو حدث العكس . أي انتصار صالح على الحوثي ، آنذاك كان سيزداد قوة مستندا لدعم الإقليمي من جهة وبأن سيظهر في دور المنقذ ، والمضحك بأنه سينقذ اليمن من نفسه وكأنه يثور على نفسه باعتبار صالح كان شريك الانقلاب في سقوط صنعاء المدوي في 21 من سبتمبر من العام 2014م
في كل بؤر بلدان الربيع العربي للدولة العميقة صور متعددة .
وفي سياق إفرازات ما بعد مقتل صالح فرغم تفكك منظومة الفساد والذي قد يعني تواري الدولة العميقة لكن ليس بالضرورة احتمال إعادة تدويرها وإنتاج نظام جديد بشكل أو بآخر بتواطئ الإقليم كما في العقود الماضية ، لكن تضل في كل الأحوال محاولات ونوايا الإقليم ، ولهذا على النخب اليمنية التي يعول عليها حمل مشاعل التغيير ان تدرك لتفاصيل ذلك وبأن العام 2018 م سيحدد مصير اليمن لعقود قادمة فأما التوافق والانفراج ، وأما مزيداً من التمزق والتيه والشتات ..
* كاتب وسفير في الخارجية اليمنية
│المصدر - السوسنة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.