تعيش المملكة العربية السعودية حالة من القلق والهوس بشأن المجاهدين الذين يقاتلون في سورية، حيث تعمل على احتواء خطر تداعيات القرار الملكي باعتقال كل من يعود الى السعودية وتعرضه للسجن ما بين 5 و20 عاما، بمحاولة استيعابهم "كتائبين" وتسهيل عودتهم عن طريق تركيا بطلب من المملكة، بالاضافة الى تشديد المراقبة على وسائل التوصل الاجتماعي للحد من اي تواصل بين الداخل والخارج. وزداد هذا القلق مع انتشار انباء بشأن الاعداد الحقيقية للمقاتلين السعوديين في سورية والذي قدر باكثر من 10 آلاف مقاتل على مدى السنوات الثلاث الماضية قتل منهم بحدود ثلاثة آلاف، حسب مصادر شبه مستقلة. وكانت الإحصاءات الرسمية السعودية قد قدرت في السابق بأن نحو 1400 سعودي يشاركون في المعارك بسورية، غالبيتهم من صغار السن، عاد منهم 250 شخصًا فقط خلال الفترة الماضية. وقال عادل مرداد سفير السعودية لدى تركيا إن كل السعوديين العائدين من القتال في سورية كانوا رجالا، ولم يكن من بينهم أي عنصر نسائي، مشيرًا إلى أن السفارة أخبرت المواطنين الذين أبدوا رغبتهم في العودة للمملكة بأنها ستقدم الرعاية اللازمة والمساعدة التي يحتاجونها حتى مغادرتهم الأراضي التركية صوب المملكة. وذكرت صحيفة "وورلد تريبيون" الأمريكية أن تركيا بدأت في إعادة سعوديين قاتلوا في سورية. ونقلت الصحيفة الأمريكية في تقرير لها ترجمته "عاجل" تصريحات رسمية من مصادر تركية بأن إعادة المقاتلين السعوديين جاء استجابة لطلب المملكة بتسهيل عودة المواطنين المغرر بهم الذين ذهبوا لمحاربة نظام بشار الأسد في سورية. ووفقًا للتقرير، قال المسؤولون إن العديد من السعوديين الذين ذهبوا بهدف "الجهاد" في سورية قد عبروا الحدود من سورية إلى تركيا، وتعاملت معهم سفارة خادم الحرمين الشريفين في أنقرة. كما لفت السفير السعودي إلى أن ما تقوم به السفارة من جهود في سبيل تسهيل إعادة المواطنين "المغرر بهم من مناطق التوتر"، يأتي تنفيذًا للأوامر بالتشديد على إيلاء كل رعاية واهتمام لشؤون المواطنين كافة، والحفاظ على أمنهم وسلامتهم في الخارج، وبخاصة في مناطق التوتر. وسبق أن أكدت مصادر سعودية أن السلطات تتعامل مع من يعودون على أنهم ضحايا للتغرير، ويتم إخضاعهم لبرامج نصح وإرشاد بالتعاون مع ذويهم، ما لم يثبت خلاف ذلك. جاء في في القوت الذي تتخوف فيه السعودية من ارتداد "الإرهاب" المدعوم من قبلها في سورية على أراضيها، والجانب الجديد من هذا الخطر يتعلق بنشر أفكار "الإرهاب" عن طريق الانترنت. وترددت انباء في اوساط مقربة من السلطات السعودية في بيروت ان الحكومة السعودية تدرس سحب جنسياتها من بعض الشبان السعوديين الذين يقاتلون في سورية اذا لم "يتوبوا" ويلقون السلاح اسوة بقرار اتخذته الحكومة البريطانية تنفيذا لقرار اقره البرلمان البريطاني بطلب من رئيسة الوزراء تيريزا ماي. وكانت السلطات السعودية سحبت جنسيتها من الشيخ اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة عندما انتقل الى الخرطوم عام 1991 وبدأ في وضع البذرو الاساسية للتنظيم. وافاد موقع صحيفة "الوطن" السعودية الثلاثاء نقلا عن عبد الرحمن الحدلق مدير الأمن العقائدي في وزارة الداخلية السعودية والمسؤول عن مراقبة الانترنت في المملكة حين قال: "إن التطرف بات يمثل خطراً جديداً وعلى نطاق أكبر في السعودية بسبب الأزمة في سورية الأمر الذي يتطلب "حرب أفكار" أكثر قوة على الانترنت". وتشير تصريحات الحدلق إلى أن دائرة الأمن العقائدي بدأت تحول تركيزها بشكل متزايد نحو الأشخاص الذين يستخدمون الانترنت لتجنيد مقاتلين لارسالهم الى الخارج. وقال الحدلق: إن دائرة الأمن العقائدي تراقب "أي شيء قد يؤثر في استقرار المملكة العربية السعودية". وأضاف: إن هذا التفويض الموسع يشمل الناشطين السلميين في المجال السياسي أو حقوق الإنسان. واعتقلت السلطات السعودية عدة أشخاص خلال العام الأخير بتهم تشمل تعليقات على الانترنت. وقال الحدلق: "مهمتنا مواجهة التطرف سواء كان من جانب المحافظين أم الليبراليين". وتراقب دائرة الأمن العقائدي الأنشطة على الانترنت وتبلغ الأجهزة الأمنية بالتهديدات وتشارك في وسائل التواصل الاجتماعي. وقال الحدلق: من الضروري أن تخوض السعودية "حرب أفكار" على الانترنت. وأضاف "إذا لم نفعل هذا سيعود الإرهابيون وستعود قضية الإرهاب". ويشعر بعض النشطاء الليبراليين في السعودية بالقلق من استهدافهم من نفس الدائرة (الأمن العقائدي) التي تتعامل مع الإرهاب. وقال الحدلق: إن معظم الأشخاص الذين يتحدثون نيابة عن الحكومة على الانترنت "متطوعون" والكثير منهم يفعل ذلك دون مساعدة أو توجيه أو حتى بعلم السلطات. وقال: إن الذين يتحدثون ضد المتشددين "يؤدون في واقع الأمر عملاً جيداً فهم يضعون رسائل ويردون على المتطرفين". وعلى مدى السنوات الثلاث المنصرمة شددت الحكومة حملتها على كل الجماعات التي تتحدى السلطات بما في ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان ودعاة الديمقراطية الذين احتجزوا وسجنوا. وفي العام الماضي صدر حكم بالسجن لأكثر من عشرة أعوام لناشطين سياسيين وحقوقيين وكان من أسباب هذا نشر رسائل على مواقع للتواصل الاجتماعي طالبت إحداها بعزل وزير الداخلية حينئذ نايف من وظيفته وتوجيه الاتهام له بانتهاك حقوق الإنسان. وعن تخوف السلطات السعودية من الإخوان المسلمين قال الحدلق: إن الإخوان أثاروا "قضايا تتناقض مع السياسات السعودية". وأضاف أنه يعتقد أن "عشرات" السعوديين الآن يخضعون للتحقيق أو يحاكمون بسبب تعليقات كتبت على وسائل للتواصل الاجتماعي. وتابع: إن أغلب الذين يخضعون للمراقبة في المملكة "متعاطفون" وليسوا أعضاء نشطين في الجماعات المتشددة. وقال: إن الأمر الملكي الجديد الذي يفرض أحكاماً بالسجن على من يذهبون للخارج للقتال أو ينضمون لجماعات تعتبرها الحكومة متطرفة سيسهل من مهمة إدارته. والسعودية هي مصدر رئيس للسلاح والمال للمسلحين الذين يقاتلون في صفوف المعارضين ولاسيما المتشددين في سورية، لذلك تشعر بقلق متزايد من أن يرتد ذلك إليها مع تزايد نفوذ المقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة وذلك على غرار التهديد الذي واجهته السعودية من المقاتلين العائدين من أفغانستان والعراق الذين قتلوا مئات الأشخاص في حملة تفجيرات قبل القضاء عليهم خلال العقد الماضي. يُشار إلى أن الملك عبد الله بن عبد العزيز، أصدر مطلع الشهر الحالي أمرا ملكيّا يعاقب بموجبه بالسجن مدة "لا تزيد عن عشرين عامًا" كلَّ من شارك في أعمال قتالية خارج المملكة، أو الانتماء للتيارات أو الجماعات الدينية والفكرية المتطرفة.