صدق المثل القائل "كمن يستجير بالرمضاء من النار" هكذا هو الحال الفلسطيني الواقع بين رمضاء حكومات الإحتلال ناكرة الحقوق والعهود ، وخذلان الراعي الأمريكي الحصري لعملية التسوية الذي لسع المؤمن من جحره ليس مرّة أو مرّتين وحسب بل مرات ومرات والمنحاز بطبيعة العرف الأمريكي السائد للحليف الإستراتيجي من جهة ، ونار الدول العربية التي تخلت عن دورها القومي فاسحة المجال أمام القوى الإقليمية الأخرى لسد الفراغ الحاصل ولم يعد يجمعها قواسم مشتركة سوى مظلّة المقّر الرسمي من جهةٍ أخرى ، لذلك لا يجدى نفعاً تكرار الدعوات لانعقاد الإجتماعات العربية الإستثنائية أو العادية التي خرجت وستخرج مثل كل مرة بالإدانات والشجب والإستنكار دون تحرك جاد يضع حداً للإستهتار بالحقوق العربية والفلسطينية ، فضلا عن وعود الدعم وتوفير شبكة الأمان المالي المقررة في العلن منذ سنوات دون أن ترى طريقها للتنفيذ عدا القلّة الذين التزموا بها ، بينما تجري الأفعال في الخفاء عكس مايقال تماما خاصةً أن القمة العربية التي احتضنتها دولة الكويت ولم تتمكن من إصدار بيان ختامي يتضمن قرارات نافذة خشية تفجّر الخلافات العربية العربية وماطرأ عليها في البيت الخليجي واكتفت بإعلان عن نتائج القمّة لم يمضي عليها الكثير من الوقت ، وإلا كان يكفي ترجمة التزاماتها السياسية والمادية التي أقرتها بشأن القضية الفلسطينية ولم يجفّ حبرها بعد على أرض الواقع . لقد خرج البيان الختامي الذي صدر عن اجتماع الدورة الإستثنائية لوزراء الخارجية العرب بناء على طلب فلسطين بصيغٍ غير مفهومةٍ ولم يرتقي إلى مستوى الإبتزاز الخطير الذي أقدمت عليه سلطات الإحتلال بالتزامن مع انعقاد المجلس الوزاري بإصدار رزمة أولية من العقوبات الجماعية استثنت منها المفاوضات والتنسيق الأمني ، تضاف للحصار المُطبق بينها السطو على الأموال الفلسطينية المجباة من عوائد الضرائب والجمارك وتطال أيضاً حياة المواطنين والتضييق على الحركة ووقف تصاريح العلاج ما يعقّد مناحي الحياة ثم تتبعها إجراءات لاحقة أشدّ فتكاً حسب وصف طغاة العصر الراهن ، ثمة اندهاش حقيقي حول استمرار اللقاءات الثلاثية بعد العربدة الإحتلالية التي لاتقف عند حد ، حتى أنها لم تراعي حفظ ماء وجه الوسيط الأمريكي ، فإذا كان الموقف الأمريكي المنحاز أحد أهم عوامل التأزيم لما وصلت إليه الأمور فما الذي يرجوه الوزراء العرب من دعوتهم لمواصلة المساعي الأمريكية لإستئناف مسار المفاوضات الفاشلة ؟ كان ينبغي على أقل تقدير تضمين البيان الختامي الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة لوضعها أمام مسؤولياتها من خلال دعوة عاجلة لدرء مخاطر عدوان جيش الإحتلال وإرهاب المستوطنين وعصابات تدفيع الثمن المستمرّة على الشعب الفلسطيني ومقدساته وممتلكاته ومصادرة أراضيه وتوفير الحماية الدولية له من بطش الإرهاب الاحتلالي. بالأمس القريب كشفت وزيرة مايسمّى العدل "الموسادية تسيبي ليفني" رئيسة وفد المفاوضات مع الجانب الفلسطيني عن وجهها الحقيقي خلال تصريحات متشددّة ومنفلتة أرادت من وراءها إزالة الفوارق بينها وبين غلاة المتطرفين بل المزايدة عليهم إزاء بدعة "يهودية الدولة والقدس الموحدة العاصمة الأبدية لإسرائيل " والإدلاء بدلوها المليء بالحقد مع جوقة المهدّدين بعظائم الأمور ضد السلطة الفلسطينية رداً على قرار توقيع الإنضمام لخمس عشر معاهدة واتفاقية ووكالة دولية ، قالت بأنها زارت أحدى عشر مرة دولاً عربية خلال خمسين يوماً أشادت به بحسن الإستقبال وكرم الضيافة العربي ثم حصلت من هذه الدول على تعهدات بعدم دعم الفلسطينيين ودللت على قولها حين اعترضت إسرائيل سابقاً على دفع مليار دولار لدعم مدينة القدس لم يدفع العرب منها فلساً واحداً استجابة لطلبها إضافةً إلى قولها بأنها لم تجد معارضة عربية حول أن تكون القدس العاصمة الموحدة لكيانها ، قد يقول قائل أن السياسة الإسرائيلية تهدف من وراء التصريحات هذه صب الزيت على نار الأزمة ودليل على أزمتها الداخلية المربكة وبالتالي فهي تلجأ لخلط الأوراق وتزييف الوقائع لحرف الأنظار عن حقيقة أوضاعها ، ربما يكون ذلك صحيحاً لو سمع أحد عن تلك الزيارات بشكلً علني أو تكذيب ماجاء على لسانها من باب الوازع الأخلاقي وما الذي دار خلالها إن لم يكن هناك مايخشاه هؤلاء ، ولكن الحقائق الماثلة للعيان تؤكد ذلك الإستخذاء تجاه مايحصل للإنتهاكات الصارخة بحق مدينة القدس والمسجد الأقصى الذي يستباح حرمتة وتهدّد ركائزه تمهيداً لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه من قبل المتطرفين ووزراء الإئتلاف العنصري وأجهزة الأمن الإحتلالية أفلا يستحق ذلك وقفة غير العبارات الممجوجة تتناسب وحجم الخطر الداهم ؟ مع أن الأمر لايحتاج الذكاء الخارق لمعرفة هذه الدول والدور المشبوه الذي تقوم به خدمة للمخططات الرامية للنيل من الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني لقاء الحفاظ على بقاءهم أو البحث عن دور يتجاوز قدراتهم في مواجهة اشقائهم لا أعدائهم . إن المرحلة الراهنة التي تُعدّ الأصعب في تاريخ الصراع العربي الصهيوني نظراً للتحولات التي تشهدها المنطقة العربية وانشغالها بأوضاعها الداخلية وتحتاج إلى وقت طويل قبل أن تستعيد زمام المبادرة ، ضرورة استكمال الإنضمام للوكالات والإتفاقيات والمعاهدات الدولية وفي مقدمتهم الإنضمام لمحكمة الجنايات الدولية وتوقيع معاهدة اتفاق روما ، كما تتطلب أولا وأخيرا تفعيل طاقات عناصر القوة الكامنة لدى الشعب واستعادة وحدته الوطنية ثم الإستعداد التام لمواجهة ماهو قادم من ضغوطات هائلة وتصعيد للعدوان على الشعب الفلسطيني يطال مختلف المستويات الإقتصادية والسياسية والأمنية والردّ عليها بالمقابل بوقف التنسيق الأمني ومغادرة موائد المفاوضات التي لاطائل منها وتدور في حلقة مفرغة وتمنح الإحتلال الوقت اللازم لتنفيذ مأربه الإستعمارية الإستيطانية التي تنامى بشكلٍ لم يسبق له مثيل ، وبالتالي لايجب التعويل على الأخرين الذين لايمكن أن يكونوا بديلاً أصيلاً عن الفعل الفلسطيني بكونه العامل الحاسم في خلق معادلة الصراع على أهمية الدعم العربي والدولي للقضية الفلسطينية الذي يشكّل الحاضنة الشرعية لعدالة المشروع الوطني التحرري عندما تمتلك البدائل المختلفة التي لاتجعلها رهينة الخيار الوحيد والذي سيكون مكلفاً للإحتلال نتيجة صلفه وتنكره للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، يدرك الجميع أن لا أحد يرغب بالمغامرات الطائشة غير المحسوبة ولكن الحسابات إذا أخذت طريق اللاخيار عندها فقط يتوجب رفع الراية البيضاء وهذا مالا ينطبق على حيوية وكفاح الشعب الفلسطيني الطويل وتضحياته الجسام على مذبح الحرية والإستقلال.