الأزمات المتتالية في المشتقات النفطية وانقطاع التيار الكهربائي التي نعانى منها في مختلف أنحاء الوطن يوماً بعد يوم, لا ترجع فقط إلى أسباب اقتصادية أو سياسية فقط, لكنها ترجع وبشكل كبير من وجهة نظري إلى أزمة ضمائر أصابت العديد من الأفراد – مسؤولين ومواطنين عاديين – ينتسبون إلى هذا الوطن ببطائقهم الشخصية, وليس بقلوبهم وضمائرهم التي مات فيها حب الوطن والانتماء له والتضحية من أجله. فعندما يعتدي بعض الأفراد مراراً وتكراراً على أبراج وخطوط نقل الكهرباء, وتفجير أنابيب النفط, دون أن تتخذ الأجهزة المعنية إجراءات صارمة لمعاقبتهم, فهذا دليل على أزمة ضمير عند هؤلاء المخربين وعند المسئولين الساكتين عنهم, أو الداعمين لهم!! وعندما تتوافر المشتقات النفطية في محطات البيع في مختلف أرجاء الوطن, وتختفى فجأة بمجرد إشاعة عن ارتفاع في هذه المشتقات, أو تباع إلى تجار السوق السوداء ليلاً, فهذا دليل على أزمة ضمير لدى أصحاب هذه المحطات وتجار السوق السوداء الذين يتعاملون معهم!! وعندما تُصرَف الملايينُ على الرَّصف في الشوارع ثُم يتآكل الإسفلت وتتكاثَر الحفرُ بعدَ قليل مِن الزمن، فهذا دليلٌ على أزمة ضمير، وعندما تُصرف ملايين الريالات على الصرف الصحي، ثم لا نَجِد شيئًا من ذلك يتحقَّق على أرض الواقع، بل تحصُل على انهيار صحِّي يبتلع الإنسان ويضرُّ الحيوان، فهي أزمة ضمير. وعندما يقترب حلول شهر رمضان الكريم فيختفى الغاز وترتفع بعض أسعار السلع الاستهلاكية, وتشهد الأسواق سلعاً منتهية الصنع لا تصلح للاستهلاك الآدمي, فإن هناك أزمة ضمير يعانى منها أولئك التجار الذين يمارسون هذه التصرفات, والمسئولون الساكتون عنهم أو المستفيدون منهم!! وهناك العديد من المظاهر السلبية والأزمات المتلاحقة التي نعاني منها اليوم في بلادنا ومجتمعنا, وتؤكد أن هناك أزمة ضمير – بل ضمائر – خربت وفسدت بفعل فاعل مع وجود استعداد سابق لهذا الخراب والفساد والعفن أدى إلى الانجراف السريع والمتلاحق بدون كبح جماح أو فرامل مساعدة على تقليل هذا الانجراف وتلك الانحرافات.. و مع كلِّ أزمة جديدةٍ تمرُّ بنا علينا أن نتأكَّد مِن أنَّ هذه الأزمة ليستْ أزمة موارد أو مشتقات، ولكن الأزمة الحقيقيَّة هي في الضمائرِ التي تفتقد غالبًا إمَّا للكفاءةِ أو النَّزاهة، وتستحوذ – للأسف – على التفاهةِ أو الشراهة! والمهم أنَّها لا تصلُح للاستمرار في أماكنِها، وقد تختلف الأزماتُ، وتتباين المسكِّنات، وتتبادل الأسماءُ والمسمَّيات، لكن السبب الرئيسي يظل في نظري هو أزمة أو موتُ الضمير. إن نهضةُ الأمَّم ليستْ في مواردها الماديَّةٍ من ذهب و فضة والماس أو نفط و غاز, وإنَّما تتمثَّل في مواردَ بشرية تمتلك ضمائرَ حيةً، وعقولاً ذكية، ونفوسًا أبيَّة تفكِّر وتعمل، وتُتقن وتبتكِر، فتصل لكلِّ هذه الموارد.. والضَّمير هو الدافعُ الملهِم، وهو المحرِّك المُهم، وهو المنظِّم الفعلي، وهو المنسِّق الأصلي لكلِّ الموارد، بل هو أعظم الموارد، إذا كان ضميرًاً حيًّاً أحيا مَن معه، وإذا كان ميتًا أمات مَن حوله. فما أحوجَنا اليوم إلى ثَورةٍ لإحياء الضمير، فلا تستبدّ نفس وتتسلَّط على الجوارح والأعضاء! ما أحوجَنَا إلى وخْز الضمير وإيقاظه عندَ الرجل والمرأة، عندَ الشاب والفتاة، عندَ الحاكم والمحكوم، عندَ الغنيِّ والفقير، عندَ القويِّ والضعيف. وختاماً يمكن القول إن الضمير اليوم لدى الكثيرين منا مع الأسف بات عملة نادرة وبات الإنسان مُجرد خادم لرغباتهِ، والمصالح أصحبت هي الغالبة والمُسيطرة، والاستغلال والنفاق بات شعار الكثيرين للوصول إلى مآربهم!. أصبحت الازدواجية في الأقوال والأفعال جزء لا يتجزأ من حياة الكثيرين!, ولذلك نحن بحاجة إلى ثورة لإحياء الضمير لدى الكثير منا في واقعنا اليوم, لأن الضمير هو النبض الحي الذي من غيره تموت الشعوب والأوطان وتنتهي الأمم والحضارات وتزول القيم والمبادئ. لذا وجب على كل يمني يعيش في بلده وعلى ترابها, وينعم بخيرها أن يتقي الله في هذا الوطن ويعمل على إحياء ضميره حتى يحيا الوطن ويعلو فوق كل الهامات والرؤوس والمصالح والمنافع وإلا ستغرق السفينة وتهوي في القاع دون أن ينجو منها أو يفوز بها إلا أعداء الوطن والمواطن.