"البرادعي ونور وحمزاوي" الثلاثي المعروف بعلاقاته الوطيدة بأميركا يستعد لمواجهة النظام الحالي عقب الانتخابات الرئاسية وفوز المشير السيسي فيها، وذلك بوسائل عدة يغلب عليها الطابع السلمي ويمثل غطاء سياسياً لعنف الإخوان، منها تكثيف المقالات والندوات والمؤتمرات وخاصة في اميركا التي تتباكى على الديمقراطية التي راحت وثورة يناير التي ضاعت فضلاً عن المشاركة الفاعلة في المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية، والذي سينشأ وفقاً لمبادئ وثيقة بروكسل العشرة التي تم الإعلان عنها مؤخراً وتهدف إلى تحقيق أهداف ومطالب ثورة 25 يناير بحذافيرها بما فيها إعادة الجيش إلى ثكناته وابعاده تماماً عن لعبة السياسة والحكم. والمشكلة الاساسية التي تعرقل جهود هذا الثلاثي حتى الآن هي استحالة موافقة الإخوان على شرطهم الرئيسي وهو التخلي عن عودة مرسي للحكم، فمن غير المحتمل أن يشارك البرادعي في كيان يتمسك بشرعية رئيس – ولو بالتلميح – بعد أن شارك في اقصائه واتهمه بأنه سيدمر مصر، خاصة أن البرادعي ثار ضده وشارك في اقصائه، وكانت تلك هي الايضاحات التي نقلت للدكتور محمد محسوب نائب رئيس حزب الوسط وعضو التحالف الوطني لدعم الشرعية عن طريق وسيط يقال إنه اتصل بالبرادعي وعرض عليه المشاركة في الوثيقة وكيانها المرتقب. وكانت تسريبات إعلامية قد أشارت إلى أن الدكتور أيمن نور زعيم حزب غد الثورة، كاتب وثيقة بروكسل اتصل بالبرادعي، لكن نور نفى ذلك. وبعيداً عن النفي الذي قد يكون دافعه الأساسي هو المواءمات السياسية فإن البرادعي يرى إمكانية العمل المشترك للدفاع عن الأفكار لا الأشخاص والدفاع عن قيمة الديمقراطية من خلال كيان سياسي يكون الإخوان مجرد جزء فيه، وليس لهم فيه الدور القيادي، خاصة أن اتهامهم بالإرهاب أصبح يمثل عنصراً سلبياً لا إيجابياً لأي كيان سياسي ينضمون إليه في هذا التوقيت. كما يرى البرادعي أن الأخطاء المتوقعة للنظام بعد الانتخابات الرئاسية هي التي ستتحدد على أساسها طريقة العمل لمواجهته، مركزاً على أن ابتعاده عن الديمقراطية وعصفه بالحريات مثلاً ستزيد مساحة التحرك لمعارضته في الخارج وتضييق الخناق عليه، ويمكن للبرادعي لعب دور محوري في ذلك الاتجاه بما له من علاقات وطيدة بوزراء الخارجية الأوروبيين ومسئولين بالولاياتالمتحدة، والمتهم بالعمالة لها وبأنه تدرب في ال "سي آي إيه" على إسقاط مبارك والحلول محله كرئيس للدولة المصرية، وإن كان هو ينفي هذه الاتهامات ولا يعيرها اهتماماً على أساس أنها محاولة لتشويه الرموز من منافقي السلطة وأدواتها. هذا ويربط بين البرادعي ونور والدكتور عمرو حمزاوي سمات مشتركة مهمة أبرزها قناعتهم بأن ما حدث في 3 يوليو انقلاب وإيمانهم بامكانية تحقيق ديمقراطية في مصر لا تقصي أحداً ولا يكون فيها أحزاب على أساس ديني وكلها أمور ستدفعهم في النهاية إلى العمل معاً ضد النظام الحالي، خاصة أنهم جميعاً لاقوا حملات تشويه ضدهم من إعلام النظام الحالي، وبالأخص لأنهم يدركون جيداً بحكم قربهم من واشنطن أن الإدارة الأميركية الحالية بقيادة الرئيس الأميركي باراك أوباما كانت مع الإخوان ومساندة لهم وأنها غير راضية عن الإطاحة بالإخوان لأنه عصف بحلمها في الشرق الأوسط الجديد، وبأن أميركا عندما تواجه وضعاً من هذا القبيل فإنها تتعامل معه كواقع على الأرض، لكنها تسعى لتغييره بوسائل مالية واستخباراتية لكنها لا تبدأ في عمل ذلك عندما ترى كياناً سياسياً قوياً يعمل على الأرض يرفع شعار الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وفي نفس الوقت تتأكد أنه سيراعي مصالح واشنطن في مصر ومنطقة الشرق الأوسط. واحتمال سعي الولاياتالمتحدة لتنفيذ مخطط خاص بها في مصر والذي يحفز المقربين منها على العمل في ذات الإتجاه لم يستبعده المستشار محمد الدكروري المستشار القانوني للرئيس الاسبق حسني مبارك، حيث قال لي بحكم خبرتي الطويلة في مؤسسة الرئاسة فإن أميركا ستتعامل مع فوز المشير عبدالفتاح السيسي بالرئاسة كأمر واقع، لكنها إذا كانت ترفضه فإنها ستسعى إلى تغييره بوسائلها الناعمة المتمثلة في الوسائل التمويلية والاستخباراتية. ومن المؤشرات التي يمكن من خلالها استشراف إمكانية التوصل إلى تفاهمات بين الإخوان على المستوى القيادي والبرادعي، أن قادة الجماعة الإسلامية أهم فصيل سياسي في التحالف الوطني لدعم الشرعية وعلى رأسهم طارق الزمر الهارب حالياً لقطر ينظرون للبرادعي نظرة تقدير واحترام بسبب استقالته من منصبه كنائب للرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور على خلفية اعتراضه على طريقة فض اعتصامي النهضة ورابعة وينظرون إليه على أنه متمسك بمبادئه الليبرالية وبأن مواقفه متماشية مع ضميره الإنساني، وبالتالي فلا مانع من الاستفادة به في مواجهة النظام الحالي، ودافعهم الاساسي في ذلك هو أن مبادئه تحقق للتيار الإسلامي مساحة للتواجد السياسي على عكس الإقصاء التام الذي يتمسك به السيسي، وإن كان الإسلاميون بذلك يحاولون استغلال البرادعي وأمثاله كقنطرة للقفز على السلطة والتمكن من مفاصل الدولة والحكم مرة أخرى، وهو أكثر هاجس يخيف الليبراليين واليساريين المعارضين للمشير السيسي. احترام الجماعة الإسلامية للبرادعي والذي دفعها للضغط على الإخوان لقبول تواجده في بروكسل وكيانها وفي منصب قيادي يليق به، كان أحد أهم الأسباب التي جعلت محمد أبو سمرة، الأمين العام للحزب الإسلامي الذراع السياسية لتنظيم الجهاد، يتوقع انضمام البرادعي إلى وثيقة بروكسل خلال الأيام القادمة، كاشفاً أن أميركا ودول أوروبية تقف وراء هذه الوثيقة، وذلك بالتزامن مع توقعات آخرين بأن البرادعي سيكون حلقة الوصل بين الكيان السياسي للوثيقة وبين مسئولي أميركا وأوروبا غير الراضين عما يحدث في مصر والمتآمرين على المشير السيسي، خاصة أن البرادعي لديه دائرة معارف كبيرة في هذه الدول وخاصة على المستويين السياسي والدبلوماسي. وفي ذات السياق تؤكد مصادر مطلعة أن تحركات الخارج تتم بالتنسيق مع حركات في الداخل لبدء مواجهة حاسمة مع النظام بعد فوز السيسي بالرئاسة، مستدلة في ذلك بإعلان حركة 6 إبريل المحظورة والمتهمة بأنها إخوانية عن مقاطعة الانتخابات الرئاسية بعد أقل من 48 ساعة من إعلان أيمن نور عن وثيقة بروكسل التي تهدف بتركيزها على مبادئ وأهداف ثورة يناير إلى استمالة كل المعارضين للنظام بذريعة انقلاب لها، وخاصة البرادعي وحمزاوي والناشط السياسي خالد علي والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، المرشح الرئاسي السابق، مشيرة إلى أن هناك محاولات واتصالات مع أبو الفتوح وخالد علي للانضمام إلى وثيقة بروكسل والكيان الذي سيتمخض عنها. وفي ذات السياق أكدت تقارير سرية أن التحالف الوطني لدعم الشرعية أجرى بالفعل اتصالات بالبرادعي وأبو الفتوح وخالد علي وتفاوض معهم على الانضمام للوثيقة، ولم تشر التقارير المتعلقة بهذا الشأن إلى عمرو حمزاوي لا من قريب أو بعيد، لكنها أشارت إلى أن أبو الفتوح والبرادعي أعطيا إشارات كلها تتركز على ضرورة تغيير الآليات لتكون سياسية وسلمية وبعيدة عن العنف وتكون بعيدة عن الشعارات التي يفهم منها أنها تدعو للدولة الدينية، كالشعارات الإسلامية وضرورة استبدالها بشعارات مدنية، بالإضافة إلى استبدال شرعية مرسي بشرعية 25 يناير بهدف إعادة ثورة 25 يناير بمبادئها وعلى رأسها المبادئ الثلاثة "حرية.. عيش.. عدالة اجتماعية". وتأتي كل هذه التحركات مدفوعة بأمرين أشبه بالوهم وهما أن الانتخابات الرئاسية الحالية تم تزويرها وأن الفائز فيها وهو المشير السيسي لن يستطيع تحقيق أي انجازات ترضي الذين قامت على أكتافهم ثورة 25 يناير وبالتالي هناك احتمال أن تتسع دائرة المعارضين له في الداخل، كأن ينضم لها المؤيدون لصباحي، فضلاً عن أمر وهمي ثالث يتمثل في إخراج انتخابات برلمانية سيئة تعيد وجوه نظام مبارك إلى البرلمان من جديد ولو حتى وجوهه من كوادر الصف الثاني، وبوسائل كتلك التي كانت موجودة قبل ثورة 25 يناير، وبالتالي يحدث مزيد من التفتت في الجبهة الوطنية الشعبية التي قامت على اكتافها ثورة 30 يونيو، واتساع دائرة المعارضة والرفض لدولة استحقاقات 3 يوليو واستغلال كيان وثيقة بروكسل لكل هذه الافتراضات حال حدوثها في القفز على السلطة. محمد علي إبراهيم رئيس تحرير صحيفة الجمهورية سابقا – مصر