اقترنت كلمات مثل (نازح – ومهجر -ولاجئ) في أذهاننا كيمنيين بمأساة الشعب الفلسطيني وبالحديث عن جرائم الاحتلال الصهيوني بحقهم، وكيف أجبرهم تحت وطأة الحرب فالاحتلال أجبرهم على ترك وطنهم ليصبحوا لاجئين في مخيمات الشتات في دول مختلفة من العالم. كانت فرضية أن نعايش مأساة مشابهة في اليمن مستحيلة، لا يمكن طرحها حتى كسؤال افتراضي: ماذا لو أصبحت نازحاً ومهجراً كما هو حال الفلسطينيين؟ إلى وقت قريب كان سؤالاً كهذا ضرباً من الجنون واللامنطق، وها نحن اليوم نعايش ونتجرع مرارة ما كان بالأمس يبدو مستحيلا وبصورة أكثر إيلاماً وبشاعة، فأن تكون مهجراً في وطنك، تبحث عن مأوى في مسقط رأسك وبين أهلك فتلك مأساة تعجز كل البدائل عن التخفيف من وطأتها. اشتهر مركز دماج أو دار الحديث بمحافظة صعدة، بأنه مركز لتعليم القرآن ومنهج السنة والحديث يقصده الطلاب من مختلف أصقاع الأرض، ومنذ تأسيسه قبل أربعين عاماً لم يعرف عنه أبناء صعدة غير التعايش والألفة في أبهى صورة اتسعت له قلوبهم قبل أرضهم، ابتعاده بنشاطه عن السياسة إلى دماثة الأخلاق والالتزام الديني كانت عوامل رئيسية لعلاقة تعايش وثيق مع أبناء صعدة. حتى عندما نشبت الحرب بين الحوثيين والدولة. بقي أهل دماج بعيداً عن حلبة الصراع. يقول خالد الغرباني الناطق الإعلامي لمركز دار الحديث بدماج: لامسنا المعنى المأساوي لكلمة مهجر ونازح، ولا نطلب الانصاف سوى من الله وحده. التصوير مرفوض قطعاً، رفضوا إعطائي أي عنوان لأماكن تواجد المهجرين من أبناء صعدة الأصليين لاحتياطات أمنية، أعطوني رقم هاتف من بيده ملف الكارثة وهو الذي يتابعها لدى الجهات المختصة وبعد محاولات عدة وافق على مقابلتي، ذهبنا بسيارته إلى حيث يطمئن في العاصمة، بمجرد معرفة أنني أعمل في صحيفة "الناس". وافقت على شروطه بعدم ذكر الأسماء أو نقل أي كلام فيه شتم لأحد. (أ. أ) من أبناء صعدة ومن منطقة دماج نفسها كان يمتلك منزلين ومزارع نهب الحوثيون محتوياتها الباقية بما فيه خلع الأبواب والشبابيك. يقول: ستمائة قنبلة سقطوا خلال 100 يوم من الحصار والقصف رقماً لم يثر حفيظة أحد، 1500 جريح مازال 200 جريح منهم بحاجة إلى عمليات معقدة بالخارج وبرغم حصولهم على وعد من رئيس الجمهورية بذلك إلا أنه لم ينفذ منه شيء، المعونات والمساعدات التي تلقوها كانت من الجمعيات الخيرية وفاعلي الخير، لم تقدم الدولة شيئاً يذكر من هذا الجانب. ويضيف أن ملف التعويضات ومتابعة صرف ما وعدوا به خصوصاً أمين العاصمة عبدالقادر هلال إلا أن سفرياته وانشغالاته تحول دون إنجاز الوعود. وفيما يتعلق بمعالجة الجرحى أبرم عبدالقادر هلال عقداً مع مستشفى خاص بالعاصمة لمعالجة الجرحى من الطرفين على نفقة الدولة، خاض الحوثيون حرباً حتى في العلاج وحين وصلت تكاليف العلاج 90 مليون ريال ولم يتسلم المستشفى منها شيئاً أوقفت إدارة المستشفى تقديم خدماتها العلاجية وكان الحوثيون هم المستفيد الوحيد من ذلك العقد. تمت معالجة الحالات التي تحتاج سفر إلى الخارج من الحوثيين في الأردن وألمانيا ولا يعرف من تكفل بذلك، فيما سافرت بعض الحالات من مركز دار الحديث إلى الهند ومصر على نفقة أهاليهم الخاصة وعددها 10 حالات حد قوله. 220 أسرة إجمالي عدد الأسر المهجرة من منازلهم من صعدة وهم من أبناء صعدة الأصليين ومن مختلف المديريات يتوزعون في أماكن شتى من العاصمة في ظروف معيشية صعبة وبدون مصدر دخل. يقول م. الوادعي – الذي حدثنا عبر الهاتف أنه لم يخطر بباله يوماً أن يعيش على ما يجود به المحسنون هو وأفراد أسرته المكونة من 8 أفراد وهو الذي يملك المزارع والعقارات في صعدة التي دمرت ونهبت بالكامل. وقدرت اللجنة حصر الأضرار المكلفة من رئيس الجمهورية، قيمة الخسائر المترتبة عن عملية التهجير من الممتلكات الخاصة المختلفة بمبلغ 12 مليار ريال. صدر قرار رئيس الجمهورية باعتبار القتلى من الطرفين شهداء ويصرف لهم كل ما هو مقرر للشهداء من رعاية وامتيازات. قرار رئيس الجمهورية تحمل تكاليف نقل المهجرين من أبناء صعدة ومركز دماج والتي بلغت 402 مليون ريال اعتذرت وزارة المالية عن الصرف بحجة عدم توفر السيولة النقدية. توجيهات رئيس الجمهورية بتحمل الدولة تكاليف الآثار المترتبة عن النزوح وتوفير المأوى المناسب لهم ولأسرهم وقدرت بمبلغ 100 مليون ريال، اعتذرت وزارة المالية أيضاً عن صرفها بذات الحجة. وصدور توجيهات رئيس الجمهورية ببناء مركز بديل لطلاب مركز دار الحديث بصعدة في محافظة الحديدة لم ينفذ منه شيء. في الوقت الذي تستمر المعاناة الإنسانية لمهجري مركز الحديث بدماج تستمر حروب الحوثي التوسعية، وبضراوة أشد، والأمر الذي يزداد فيه المهجرون بدخول أعداد كبيرة من أبناء عمران إلى دائرة النزوح القهري، والبحث عن ملجأ في وطن ما عاد يتسع لمن يقول (لا) للسيد عبده. وفي ظل تقاعس الدولة عن القيام بواجبها بحماية مواطنيها في ديارهم، يبدو مطلب حق العودة سابقاً لأوانه بالتطورات على الأرض. وقد تتحول الدولة إلى مهاجرين نبحث عن وطن آمن. أقل ما يمكن المطالبة به حالياً هو تشكيل غرفة طوارئ لاستيعاب النازحين، وأن تقوم كافة المنظمات غير الحكومية التي تعنى بحقوق الإنسان بواجبها إزاء مهجرين باتت تضيق بهم أحياء العاصمة وقد يضيق بهم الوطن.