تختلف مقاييس الجمال الأنثوي بين فترة وأخرى، كما تتباين المعايير بين الشعوب. فلطالما تردد على مسامعنا أن الجمال هو عيون عربية كحلاء، أو أنف أوروبي طويل، أو فم أفريقي… وقد نعرف لاحقاً أن تلك التمظهرات تعد "قبحاً" لدى شعوب أخرى. غير أن ما يستوقفنا هو المعيار الموريتاني لجمال المرأة، والذي يعكسه جسمها الممتلئ وبعض الترهل في جسدها. تحتل السمنة مكان الصدارة على سلم معايير جمال المرأة في المجتمع "البيظاني"، وفي المكانة الاجتماعية كذلك. يلعب رجال العائلة دور الحارس الأمين لتلك العادة، فيؤمنون حاجات البنات خلال عملية "التسمين" وبعدها، من طعام وشراب وتسلية. فخلال فترة التسمين، يجب أن لا تتعرض أجساد الفتيات الطرية للفح الشمس كي لا تقسو. هذه العادة الغريبة تسمى محلياً "لَبْلُوح"، لكن الأغرب منها هو عندما تصاب إحدى الفتيات بالنحافة، لأن ذلك يعني في العرف المحلي أنها "فضحت الرجال أمام الأغراب". وعليه فسيكون رجال القبيلة التي تنتمي إليها عرضة للشعور بالاحتقار والندم، أينما وطأت أقدامهم. يوضح الناشط الحقوقي محمدو السليمان أن سيطرة التقاليد والقيم القبلية أدت إلى تكبيل الفتاة من خلال استخدام الرجال جسدها للتعبير عن مظاهر النعمة والكبرياء والتباهي أمام رجال القبائل. يقول التراد ولد محمد (29 سنة)، وهو شاب من الجيل الجديد من إحدى القبائل: "إن المرأة النحيفة ليست قبيحة بالضرورة، لكن النحافة تؤشر إلى تدني المستوى الطبقي، وغالباً ما تكون المرأة النحيفة مدعاة للمس من كرامة ذويها أو زوجها". ولكن كيف تكرّس هذه الظاهرة؟ تقول خديجة عبد الرحمن: "تتمّ ظاهرة لبلوح من خلال أساليب خاصة يغلب عليها العنف والإكراه، إذ يتم إرغام الفتاة التي قد لا تتجاوز الرابعة من عمرها، على تناول كميات هائلة من الطعام والشراب ليرتفع وزنها خلال فترة وجيزة". وتشير الإعلامية المهتمة بالعادات المجتمعية إلى أن لبلوح شهدت في المدة الأخيرة تقلصاً كبيراً في المجتمع الموريتاني حيث تقتصر ممارستها الآن على الأرياف النائية، بعدما كانت موضة المجتمع الكلاسيكي لقرون طويلة. يرى الباحث المختص في قضايا الشباب، إبراهيم ولد السمير، أن الرواج الهائل للفضائيات في نهاية القرن الماضي قد أثر على مجمل المظاهر المجتمعية التقليدية التي جلبها سكان البوادي والأرياف إلى المدن الرئيسية. ويضيف: "أصيبت عائلات بالدهشة والحيرة أمام عزوف الشباب عن الارتباط بالممتلئات وتفضيل النساء الرشيقات. والتلفزيون الموريتاني بات يحول المرأة السمينة أو الممتلئة إلى منظر كاريكاتوري". تشير التقديرات إلى أن 22% من الموريتانيات مارسن لبلوح على مضض، غير أن الظاهرة إلى انحسار ملحوظ، باستثناء الأرياف حيث النساء يعتقدن أن لبلوح هي الممارسة الأنسب للتبكير في تزويج بناتهن. تعتقد الغالية (36 عاماً) أنها لم تكن لتتزوج قبل قريباتها في القبيلة لو لم تمارس التسمين. تقول إن لبلوح أساس جمال النساء وتألقهن في أعين الرجال، وبدونه تعتبر الفتاة النحيفة عاراً على أسرتها ويتوجب على الأم إخفاؤها. تردد الغالية المثل الموريتاني الشعبي "تگبظ من لخلاگ الِّ تگبظ من لفراش"، ومعناه أن المرأة تأخذ مساحة من قلوب الرجال بقدر ما تأخذ مساحة من الفراش عند جلوسها. وتأسف الغالية لما أسمته "انجرار الشباب وراء قيم الغرب". في المقابل، تتحدث مريم (23 عاماً)، بأسى عن عملية خضوعها للتسمين بإشراف جدتها: "فجأة توقفت عن الذهاب إلى المدرسة بعدما أخضعتني جدتي لنظام غذائي خاص وكانت تجبرني على تناول العديد من الوجبات، من بينها الكسكس بالزيت والزبدة، بالإضافة إلى ثلاثة لترات من الحليب والمَذَقِ. وأخذت الوجبات تتضاعف حتى صرت أتناول ما يزيد على الخمس وجبات في اليوم الواحد". تضيف: "تطور الأمر حتى أصبح عملية إكراه فعلي، فقد كانت جدتي تربط حول أصابع قدمي عودين خشبيين، وتشدهما بشكل مؤلم حتى ترغمني على أكل كل ما تعرضه علي. في إحدى المرات تقيأت شقيقتي الحليب فما كان من جدتي إلى أن أرغمتها على شرب ما تقيأته في القدح. إنه عذاب أتمنى أن يكون قد توقف فعلاً، فهو لا يطاق". تتعرض أغلب الفتيات اللواتي يمارسن اللبلوح للتقيؤ الشديد والغثيان، غير أن النساء التقليديات يعتبرن الأمر طبيعياً وعرضياً. الدكتور سيدي محمد ولد عثمان، الاختصاصي في أمراض القلب، يقول إن "لبلوح ليست مجرد مشكلة جمالية أو نفسية، وإنما هي مشكلة صحية في المقام الأول. الأشخاص الذين يزيدون بنحو 40% على الوزن الطبيعي يكونون أكثر عرضة للمشكلات الصحية ومنها أمراض القلب والأوعية الدموية مما يؤدي إلى حالات وفاة مبكر". الكثير من شباب الجيل الجديد في موريتانيا باتوا يعرفون ضرر اللبلوح، والكثير منهم لم يعد يتفق تماماً مع هذه النظرة القديمة، فقد نشط أخيراً عدد كبير من الشباب ممن تحدى العائلة برفضه الارتباط بنساء ممتلئات. يقول الناشط محمد ولد السليمان "يجب وضع حد لتلك العادات والتقاليد، لأن اللبلوح انتقاص فاضح لكرامة المرأة"، معتبراً أنها عادة سيئة ساهمت في تحطيم شخصية المرأة وإيقاف طموحها إلى ولوج الحياة التعليمية والمدنية والمساهمة الفعلية في تطوير موريتانيا.