لا يبدو أن ثمّة عقوبات دولية ستطبق على اي طرف في اليمن، وستبقى مسالة العقوبات مجرد عصا غليظة يلوّح بها المجتمع الدولي، فقط، لفرض مزيد من سيطرته على الوضع في اليمن. وفي كل مرة ينوي المجتمع الدولي القيام بأمر قد يستفز طرفاً بعينه، فإن أول خطوة هي تحريك ملف العقوبات الدولية، والحديث عن اجراءات من قبيل منع السفر، وتجميد الأموال، وتتبع الأفراد والكيانات التي تحاول عرقلة التسوية السياسية في اليمن. وعقد بصنعاء لقاءً مشتركاً ضم سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية ممثلة بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ودول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، ولجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، لمناقشة المهام التي سيقوم بها الخبراء خلال زيارتهم الحالية والصلاحيات الممنوحة لهم بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2140، والمتمثلة بالتوصية بتحديد أسماء الأفراد أو الكيانات "المنخرطين في تقديم الدعم للأعمال التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن. ويبدو أن هناك عراقيل تعترض سير تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل في البلاد، من بينها إصرار مليشيا الحوثي على امتلاك السلاح وعدم تسليمه للدولة وفقاً لما وقعت عليه الجماعة في مخرجات الحوار، التي نصت صراحة على أن الدولة هي الجهة الوحيدة التي يحق لها حيازة السلاح. ولعل المظاهرات التي انطلقت اليوم في صنعاء وتعز وعمران وصعدة بدعوة من جماعة الحوثيين هي التي حركت من جديد المياه الراكدة فيما يخص ملف العقوبات الدولية، كما أن استعراض جماعة الحوثيين (شيعية) بالسلاح في العاصمة صنعاء أثار مخاوف المجتمع الدولي من جديد، باعتبار امتلاك جماعة طائفية للسلاح يقوّض أمن واستقرار البلد، ويهدد مصالح الدول الكبرى في المنطقة. وكان مجلس الأمن قد اقر في قراره رقم 2140 الصادر أواخر فبراير الماضي، تشكيل لجنة عقوبات تابعة لمجلس الأمن لمراقبة وتسهيل تجميد الأموال ومنع السفر، وتقصي معلومات حول الأفراد والكيانات المتورطة في الاعمال المعرقلة للمرحلة الإنتقالية أو تهديد أمن واستقرار اليمن. وقضى قرار مجلس الأمن بأن تجميد الأموال ومنع السفر ينطبق على أفراد أو كيانات تسميهم اللجنة متورطين في أو يدعمون تنفيذ أعمال تهدد السلم في اليمن وأمنه واستقراره، بما في ذلك عرقلة استكمال نقل السلطة أو تقويضه وإعاقة تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار، عبر أعمال عنف وهجمات على بنى تحتية رئيسة أو أعمال إرهابية، والتخطيط وإدارة أعمال تنتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو ارتكاب أعمال تنتهكه، أو تتضمن انتهاكات لحقوق الإنسان. وألزم قرار مجلس الأمن جميع الدول الأعضاء، لفترة مبدأية تتألف من عام واحد من تاريخ تبني القرار، بتجميد جميع الأموال والودائع المالية الأخرى والموارد الاقتصادية الموجودة على أراضيها، التي يملكها أو يتحكم فيها بشكل مباشر أو غير مباشر أفراد أو كيانات أو من ينوب عنهم ويأتمر بهم تسميهم لجنة العقوبات. كما ألزم القرار جميع الدول الأعضاء، لفترة مبدأية تتألف من عام واحد من تاريخ تبني القرار، اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع أفراد تسميهم اللجنة من دخول أراضيها أو عبورها. مصدر حكومي رفيع، فضل عدم الكشف عن هويته، قال ل"شؤون خليجية" إن هناك جدية كبيرة لدى المجتمع الدولي ودول الإقليم في فرض عقوبات بحق من يهدد الفترة الانتقالية في اليمن، مقللاً من خطورة تحركات الحوثي وأنها ربما عملية استدراج للمليشيا لتتكشف أكثر أمام العالم باعتبارها جماعة خارجة عن القانون وتمارس العنف وتبسط سيطرتها بقوة السلاح. ويتفق مراقبون مع هذا الطرح، ويرون بأن مجلس الأمن جاد في موضوع العقوبات، لأن الأمن في اليمن بات هاجساً دولياً نتيجة الموقع الاستراتيجي لليمن، والذي يطل على بحر ومحيط، ويسيطر على مضيق باب المندب الذي يمر منه 60% من نفط العالم، ويمتلك جغرافيا قريبة من شرايين النفط الممتدة على جسد الجزيرة العربية. ويرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ياسين التميمي أنه لا يمكن تسخير قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة لمصلحة أحد، لكن تعقيدات المشهد في اليمن، وتقاطع الإرادات المحلية والإقليمية في هذا البلد، وتفاقم حدة الصراع العقائدي على مستوى المنطقة، وبروز خطر القاعدة، كل هذه العوامل هي التي تساهم اليوم في تحويل القرار الأممي وآلية إنفاذه إلى ورقة ضغط سياسية". ولم يستبعد التميمي في حديث مع "شؤون خليجية" أن تستخدم هذه الورقة لتصفية مراكز قوى وأدوار مؤثرة في البلاد، ولكن ليس ضمن أجندة حماية التغيير، واستحقاقاته في اليمن، وإنما لحماية الترتيبات السياسية التي تضمن استقراراً، ولو هشاً، للأوضاع في اليمن، لا يسمح بتهديد المصالح الإقليمية والدولية". ويختم التميمي بالقول " اليمنيون ومعهم المجتمع الدولي لا ينظرون إلى تحركات الحوثي على أنها احتجاجات عفوية، بل أعمال منسقة وتدخل في سياق عرقلة التسوية السياسية في اليمن، ما يجعلها حتماً تحت طائلة قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2140).