بالنسبة لإسرائيل، وعند النظر في الخريطة الجيوسياسية الراهنة في الشرق الأوسط، لن نجد أن كل ما فيها سلبي أو ينذر بالخطر. وعلى الرغم من أن الشرق الأوسط هو أكثر انقسامًا اليوم من أي وقت مضى، إلا أن عزلة إسرائيل السياسية والدبلوماسية في المنطقة قد تلاشت. يتألف الشرق الأوسط في الوقت الراهن من ثلاث كتل رئيسة وإسرائيل هي شريك لكتلة كبيرة من هذه الكتل، والتي تتألف من مصر والأردن والسعودية والإمارات. ولكن، ورغم هذا، ما يشكل تحديًا بديهيًا لإسرائيل هنا هو خيار إدارة أوباما للشركاء في المنطقة. واشنطن لم تعتمد على هذه الدول السنية المعتدلة تجاه إسرائيل كوسطاء لوقف إطلاق النار مع حماس، ولكنها اعتمدت على الكتلة الموالية للإخوان المسلمين، والتي تتألف من تركياوقطر. ديفيد بن غوريون، وهو رئيس وزراء إسرائيل الأول وأحد الآباء المؤسسين لها، اعترف في وقت مبكر أنّه لن يكون لدى إسرائيل فرصة لتطوير علاقات ودية مع الدول العربية المجاورة لها. وبالفعل، نشر القادة العرب عمومًا، مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، لهيب الكراهية والانتقام ضد الدولة اليهودية، وكذلك فعل زملائه في سوريا وأماكن أخرى. ونتيجةً لذلك، سعتِ القياداتُ الإسرائيلية لتطوير علاقات وديّة مع الدائرة الخارجية من الدول غير العربية المحيطة بها، مثل إيران وإثيوبيا وتركيا. صعود الجمهورية الإسلامية في إيران بعد ثورة عام 1979، ورحيل الشاه صديق إسرائيل، انهى العلاقات الإسرائيلية الإيرانية. وأصبحت إيران حضنًا لأعداء إسرائيل الفلسطينيين ولحزب الله في لبنان، ومع طموحها النووي، فإنها تشكل اليوم أيضًا تهديدًا وجوديًّا للدولة اليهودية. وكانت تركيا الدولة المسلمة الوحيدة التي لديها علاقة ثابتة وودية مع إسرائيل. وحتى انتصار حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2002، كانت العلاقات التجارية والتعاون العسكري بين إسرائيل وتركيا مهمًّا لكلا البلدين. رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان من حزب العدالة والتنمية غير كل ذلك. كثف من العداء لإسرائيل مع كل فوز له على التوالي. وبعد فوزه الثاني في البرلمان عام 2007، بدأ صراعًا مع إسرائيل. وفي أواخر مايو 2010، أعطى أردوغان الضوء الأخضر لأسطول غزة برئاسة مافي مرمرة. وجاء انتصار حزب العدالة والتنمية لاحقًا في الانتخابات البرلمانية لعام 2011 ليزيد من معاداة أردوغان لإسرائيل وللسامية عامةً. وأما أحدث انتصاراته بالرئاسة في 2014، ودعمه التام لحماس والإخوان المسلمين، فيعني شبه قطع للعلاقات الخاصة التي كانت بين إسرائيل وتركيا. وأما الكتلة الثالثة في المنطقة فهي الكتلة الشيعية الراديكالية بقيادة إيران، والتي تضم شيعة العراق، ونظام الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان. والسؤال المحير هنا هو: لماذا اختارت واشنطن مواءمة نفسها مع كتلة تركياوقطر المؤيدة للإخوان المسلمين، وليس مع الكتلة الأكثر اعتدالًا تجاه إسرائيل بقيادة مصر والسعودية؟ كلٌّ من النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، والعائلة المالكة السعودية، مستاؤون من إدارة أوباما. القاهرة تمقت دعم واشنطن لجماعة الإخوان المسلمين، حيث أوقفت الولاياتالمتحدة تسليم الأسلحة إلى مصر لأنها تعتبر إزالة الرئيس المخلوع محمد مرسي غير شرعيّة. بينما يشعر السعوديون بالاستياء من إدارة أوباما لمحاولتها إنشاء تقارب مع إيران، ولتوقيعها في 24 نوفمبر 2013 اتفاقية التعاون النووي مع طهران في جنيف. "الخط الأحمر" لإدارة أوباما تجاه استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية في سوريا، والذي لم يوضع حيّز التنفيذ أبدًا، أدى أيضًا إلى شعور السعوديين بالخيانة. كما تلقي الرياض باللوم على الولاياتالمتحدة لتحويل العراق إلى شبه مستعمرة شيعيّة إيرانيّة، والتخلي عن أهل السنة هناك. والسعوديون مستاؤون أيضًا من طريقة تعامل أوباما مع السيسي الذي يؤيدونه. ومن الصعب فهم منطق الإدارة الأمريكية هنا، ولكن هناك حقيقة قد تكون مؤثرة في هذا التحالف؛ وهي أنّه في عام 2003 تم نقل مركز العمليات القتالية الجوية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط من قاعدة الأمير سلطان الجوية في المملكة العربية السعودية إلى قاعدة العديد الجوية في قطر قرب عاصمتها الدوحة. وتخدم قطر حاليًا بوصفها البلد المضيف للمرافق العسكرية الكبرى للولايات المتحدة. قاعدة العديد، وغيرها من المرافق في قطر، تقدم خدمات الدعم اللوجستي والقيادة والسيطرة، وتعد مركزًا لعمليات القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) في المنطقة. وكما ذكرت قناة الجزيرة (لسان حال النظام القطري) في 15 يوليو 2014: "لقد وقعت الولاياتالمتحدة اتفاقًا مع قطر لبيعها طائرات هليكوبتر هجومية من طراز أباتشي وأنظمة دفاع جوي باتريوت تقدر قيمته بمبلغ 11 مليار دولار". ولا يجب أن ننسى أيضًا أن قطر لديها ثالث أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، وتعدّ أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال، والذي يستفيد منه الأوروبيون بشكل رئيس.