إغتال مسلحون مجهولون مساء اليوم الاحد الاكاديمي والسياسي اليمني الدكتور محمد عبد الملك المتوكل في شارع الزراعة بصنعاء ، وقد حاول المارة الذي صادف وجودهم لحظة الحادث اسعاف الدكتور المتوكل إلى المستشفى الجمهوري إلا أنه فارق الحياة هناك . ولمزيد من تسليط الضوء على حياة الرجل وعلى جانب من سيرة تركت بصمة جلية في حياة اليمنيين السياسية و المدنية، وتجاوزت النطاق المحلي إلى الفضاء العروبي و الإسلامي و الإنساني، نعيد ما كتبه عبدالله علي صبري عن السياسي والاكاديمي المتوكل في السطور التالية : ولد الدكتور محمد عبد الملك المتوكل في مدينة حجة غرب اليمن عام 1942، وتلقى تعليمه الأولي في مدرسة ابتدائية تقليدية، وكان والده عاملاً للإمام يحيى حميد الدين، الذي يجتمع مع أسرة المتوكل في نفس النسب الهاشمي، غير أن ذلك لم يحل بين محمد عبد الملك الشاب وبين الحركة الوطنية التي قدمت خير رجالات اليمن و من ضمنهم الأستاذ النعمان الذي كان الأقرب إلى المتوكل، كما كان الراحل الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي. لم يتخندق المتوكل في إطار طائفي كما فعل الكثيرون من المتعصبين للهاشمية أو الزيدية، وقد تبلورت رؤيته الوطنية/ القومية بفضل دراسته في القاهرة التي حصل فيها على الشهادة الثانوية عام 1961، ثم على شهادة الليسانس صحافة من جامعة القاهرة عام 1966. كما ان الدكتور المتوكل أستاذاً للإعلام بجامعة صنعاء و أحد أهم كتاب المقالات والرأي السياسي في الصحافة اليمنية التي تتسابق لكي تحظى منه بمقالة أو مقابلة، وقد تعامل المتوكل مع الصحافة بانفتاح فيه تقدير لصاحبة الجلالة و أرباب الكلمة، وكما كان حاضراً في أهم الصحف و أكثرها انتشاراً، كان قريباً من المشاريع الصحفية الجديدة و من الكتاب الشباب الذين وجدوا فيه خير معلم لا يبخل برأي أو مشورة أو دعم معنوي. ولست أبالغ إن قلت أن المتوكل كان أبرز الشخصيات السياسية والإعلامية التي استعانت بها غالبية المشاريع الصحفية التي ظهرت إلى النور خلال العشرية الأخيرة. وإلى جانب دراسته في جامعة القاهرة كان للمتوكل حظاً من التعليم في الجامعات الغربية حيث حصل على درجة الماجستير في الإعلام الإداري من الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1980. و من خلال هذه التجربة تبلور الهم الإنساني في شخصية المتوكل، فكان منذ تسعينات القرن الماضي مبادرا إلى إنشاء منظمة حقوقية للدفاع عن الحريات والديمقراطية باليمن، وكان له السبق دوماً في هذا المجال، ولست أبالغ إن قلت مرة أخرى أن غالبية المنظمات الحقوقية الفاعلة باليمن تدين بالكثير للدكتور المتوكل، فهو إما مؤسساً، أو مستشاراً لبعضها أو مشاركاً رئيساً في أهم ندواتها وحلقاتها النقاشية. للدكتور المتوكل باع أيضاً في العمل الحزبي التعددي، لكنه برغم ذلك لا يعاني من داء التعصب الحزبي، فهو إذ ينشط في المجال العام وفقاً لقواسم مشتركة مع الآخرين تزيد أو تنقص، يحتفظ لنفسه في المقابل و على الدوام بمساحة حرة يعبر فيها عن ذاته دون أن يفرض على شركائه تبعات رأيه و موقفه. ساهم المتوكل في إنشاء التجمع الوحدوي للمشاركة، والذي ضم سبعة أحزاب سياسية عام 1989 وكان مقرر التجمع، و تولى رئاسة سكرتارية الأحزاب بعد قيام الوحدة اليمنية وإعلان التعددية الحزبية عام 1991، كما ساهم في تكوين الجناح الديمقراطي داخل المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) وفي وضع تصور المؤتمر في (يوليو) 1992. أسهم كذلك في لجنة حوار القوى الوطنية، وشارك في التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق في 18 كانون ثاني (يناير) 1994. و بعيد حرب صيف 1994 أسهم في تشكيل مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة، وانتخب ف 2001 أنتخب أمينا عاما مساعدا لحزب اتحاد القوى الشعبية المعارض، ومن خلال الحزب أسهم المتوكل بشكل فاعل في تأسيس اللقاء المشترك الذي يعد اليوم أحد أهم التكتلات السياسية في البلاد. هذه الأنشطة وغيرها صقلت تجربة المتوكل الحوارية، وساعدته على الإسهام في التقريب بين التيارين القومي و الإسلامي في المنطقة العربية، وشكل المتوكل مع ثلة من رفاقه ما يمكن تسميته " لجنة إطفاء الحرائق" و صولاً إلى تأسيس المؤتمر القومي الإسلامي، الذي انتخب منسقاً عاماً له خلال الفترة 1997-2001 ولا يزال حالياً عضواً بلجنة المتابعة. وللمؤتمر القومي الإسلامي دور كبير في دعم الديمقراطية بالوطن العربي و تأييد المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، ومنه تفرعت تنسيقات على المستوى القطري، لم تكن اليمن إحداها فحسب بل و أكثرها نجاحاً، فعبرها جرى التقريب بين الإسلاميين واليساريين القوميين و إعلان اللقاء المشترك المعارض الذي كان المتوكل عضواً في مجلسه الأعلى منذ تأسيسه حتى اليوم. المتوكل فوق ذلك أستاذ جامعي وباحث أكاديمي مرموق، فهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، و طالما عبر تلاميذه عن إعجابهم بطريقته الحوارية في التدريس، وبتواضعه معهم، وتفاعله مع شغفهم و تطلعاتهم التعليمية. كتب بحوثاً عدة في الديمقراطية و حقوق الإنسان وعن التنمية و الإعلام، لكن الأهم من ذلك كله أن الرجل كان منسجماً مع ما يكتب ومع ما يدعو إليه، فهو الشخصية المدنية في الجامعة و في الحزب و في الندوات العامة كما في بيته وفي تعاملاته الشخصية، وهو نصير المرأة اليمنية مدافعاً عن حقوقها، ومسانداً لحضورها في الحياة العامة، ووجد فيه أولاده نعم الأب المدني الذي لم يتردد في الدفع ببناته إلى النشاط العام، متجاوزاً حالة الفصام التي تعترى بعض دعاة تحرير المرأة، عندما يقولون ما لا يعملون. في خضم الثورة الشعبية التي تعتمل على الساحة اليمنية كان منزل المتوكل محطة يلتقي فيها الشباب يحاورون الدكتور و يحاورهم، كما كان منزله ملتقى للسياسيين الذين يبحثون سبل إنجاح الثورة والحفاظ على سلميتها و مدنيتها بعيدا عن العسكرة التي كان المتوكل سباقاً في التحذير من خطورتها، دون أن ينجرف إلى الشخصنة التي طبعت مواقف الكثير من الثوار المتحمسين. إنه بحق رائد المدنية في اليمن.