قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    ظاهرة حرب غزة جديدة على ذاكرة التاريخ    في لعبة كرة اليد نصر الحمراء بطل اندية الدرجة الثالثة    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    مبابي يعلن رسميا رحيله عن باريس سان جيرمان    تأملات مدهشة ولفتات عجيبة من قصص سورة الكهف (1)    الجمعية العامة تصوّت بغالبية كبرى تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة    هناك في العرب هشام بن عمرو !    الريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى له أمام العملات الأجنبية (أسعار الصرف)    مقتل وإصابة 5 حوثيين في كمين محكم شمال شرقي اليمن    وفاة طفلين إثر سقوطهما في حفرة للصرف الصحي بمارب (أسماء)    تفاعل وحضور جماهيري في أول بطولة ل "المقاتلين المحترفين" بالرياض    الحوثيون يطيحون بعدد من كوادر جامعة الضالع بعد مطالبتهم بصرف المرتبات    الحوثيون يفتحون طريق البيضاء - مأرب للتنصل عن فتح طريق مأرب - صنعاء    ضربة موجعة وقاتلة يوجهها أمير الكويت لتنظيم الإخوان في بلاده    لحوم العلماء ودماء المسلمين.. قراءة في وداع عالم دين وشيخ إسلام سياسي    د. صدام: المجلس الانتقالي ساهم في تعزيز مكانة الجنوب على الساحة الدولية    سياسي جنوبي: أنهم ضد الاستقلال وليس ضد الانتقالي    الشرعية على رف الخيبة مقارنة بنشاط الحوثي    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    الليغا .. سقوط جيرونا في فخ التعادل امام الافيس    الحوثيون يتحركون بخطى ثابتة نحو حرب جديدة: تحشيد وتجنيد وتحصينات مكثفة تكشف نواياهم الخبيث    "حرمة الموتى خط أحمر: أهالي المخا يقفون بوجه محاولة سطو على مقبرة القديمي"    تعرف على نقاط القوة لدى مليشيا الحوثي أمام الشرعية ولمن تميل الكفة الآن؟    أبرز المواد الدستورية التي أعلن أمير ⁧‫الكويت‬⁩ تعطيل العمل بها مع حل مجلس الأمة    "صحتي تزداد سوءا".. البرلماني أحمد سيف حاشد يناشد بالسماح له للسفر للعلاج ودعوات لإنقاذ حياته وجماعة الحوثي تتجاهل    أنشيلوتي: فينيسيوس قريب من الكرة الذهبية    صباح (غداً ) السبت اختتام دورة المدربين وافتتاح البطولة بعد الظهر بالصالة الرياضية    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    25 ألف ريال ثمن حياة: مأساة المنصورة في عدن تهز المجتمع!    البدر يلتقي الأمير فيصل بن الحسين وشقيق سلطان بروناي    وثيقة" مجلس القضاء الاعلى يرفع الحصانة عن القاضي قطران بعد 40 يوما من اعتقاله.. فإلى ماذا استند معتقليه..؟    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    السلطات المحلية بالحديدة تطالب بتشكيل بعثة أممية للإطلاع على انتهاكات الحوثيين مميز    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ 5 أبريل    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    وفاة وإصابة أكثر من 70 مواطنا جراء الحوادث خلال الأسبوع الأول من مايو    بسمة ربانية تغادرنا    جماعة الحوثي تعلن ايقاف التعامل مع ثاني شركة للصرافة بصنعاء    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    الدوري الاوروبي ... نهائي مرتقب بين ليفركوزن وأتالانتا    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    هموم ومعاناة وحرب خدمات واستهداف ممنهج .. #عدن جرح #الجنوب النازف !    باذيب يتفقد سير العمل بالمؤسسة العامة للاتصالات ومشروع عدن نت مميز    دواء السرطان في عدن... العلاج الفاخر للأغنياء والموت المحتم للفقراء ومجاناً في عدن    لعنة الديزل.. تطارد المحطة القطرية    تضرر أكثر من 32 ألف شخص جراء الصراع والكوارث المناخية منذ بداية العام الجاري في اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إخوان اليمن يعيدون النظر في الطموح والمسيرة السياسية بعد سلسلة انتكاسات
نشر في الخبر يوم 18 - 11 - 2014

أدت انتفاضة العام 2011 في اليمن ضد النظام السابق إلى خلق توازن سياسي فاعل, إلا أن الأحداث التي تلت ذلك غيرت تعادل ميزان القوى وأحدثت شرخا كبيرا في هذا التوازن, ولعل سقوط صنعاء المفاجئ – أو بطريقة أدق تسليمها للمتمردين الحوثيين الشيعة في سبتمبر الماضي- قد أخذ الدور المحوري في هذا التغيير اللافت لميزان القوى السياسية في البلد.
بعد أن تعلم إخوان اليمن من مصر الدرس جيدا, عندما قام الجيش بالانقلاب على سلطة وحكومة الرئيس المنتخب والشرعي محمد مرسي – بالكاد بعد عام من انتخابه- كان قادة التجمع اليمني للإصلاح في اليمن دقيقين تماما في البقاء بعيدا عن خط المواجهة وتجنب إعطاء الانطباع من أنهم سيطروا على العملية الثورية.
* تراكمات المرحلة
ومع تراكم الأحداث وصعود الثورة المضادة التي يتزعمها ويمولها الرئيس السابق صالح من خلال حلقة التحالف الواضحة مع الحوثيين والتي بدأت بإسقاط عدد من محافظات الشمال لعل أهمها عمران, والنفوذ المستمر لصالح في الجيش التي أظهرتها عدد كبير من القيادات العسكرية التي منعت مقاومة الحوثيين وجماعات الثورة المضادة المسلحة من دخول صنعاء, يضاف إلى ذلك وضوح التلاعب السعودي الذي سحب يده من الإخوان ورعى التحالف الخلفي مع الحوثيين, والذي ذهب كثيرا ضد التيار لما طرأ على القيادة السعودية من تغييرات في سياستها الإقليمية الناتجة من الضعف الهيكلي جراء السياسات المفروضة على المنطقة, مع ذلك هنالك خطوات واضحة تؤكد أن إخوان اليمن ومن جديد يسعون إلى إعادة النظر في طموحاتهم ومسيرة تنظيمهم السياسي.
بلا شك أن إصرار الحوثيين على إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات جديدة, مهما كانت المزاعم الحوثية ومنها عجز الحكومة المنحلة في تحسين الوضع والقضاء على الفساد إلا أن المهم في الموضوع أن تغيير الحكومة اليمنية يقوي من موقف إيران الدولي ويدعم مفاوضات برنامجها النووي خصوصا وأنها قد بدأت في إرسال عدد من البوارج الحربية والسفن باتجاه خليج عدن والبحر الأحمر حال تمكن الحوثيون من السيطرة على العاصمة صنعاء وعدد من محافظات الشمال. وبتنسيق مسبق بين طرف الحوثيين والرئيس السابق صالح وطرف القيادات العسكرية التي لازالت في ولائها الشديد لصالح, فقد بدا أن تسليم صنعاء للمتمردين الحوثيين بتلك السهولة هي أكثر من خطوة تكتيكية لعودة صالح إلى السلطة والانقلاب على الرئيس الحالي.
التحالف بين صالح والحوثيين (تحالف غير طبيعي) ويهدف إلى التلاعب بالعملية الانتقالية والقضاء على الخصوم السياسيين الذين هم في الأساس يمثلون ألد الأعداء للطرفين لعل أهمهم حزب التجمع اليمني للإصلاح.
تأثر إخوان اليمن بسلسلة الانتكاسات الحاصلة للإخوان في المنطقة وعلى ضوء ذلك يمكن تفسير سرعة صعود الحوثيين وسيطرتهم على العاصمة صنعاء في ضوء هذه الانتكاسات. وحيال ما يجري في اليمن ساد الصمت الخليجي خصوصا الصمت السعودي وهو موقف ساند الحوثيين ونتج عنه وقوع صنعاء تحت قبضتهم. ولأن النهج السياسي السعودي تميز بمعارضته الشديدة للحوثية التي تستقي نهجها التوسعي الشيعي على الأرض من إيران, إلا أن الصمت السعودي تجاه الحاصل عكس مدى عمق التناقض الكبير في السياسة السعودية في الفترة الأخيرة.
السياسة السعودية في الفترة الأخيرة ركزت وبشكل جذري على تعويض التراجعات السياسية والأمنية التي جاءت بفعل الثورات الشعبية ويتحمل الإخوان المسلمون مسؤوليتها بشكل كامل. لذلك لا غرابة بعد مساندة انقلاب الجيش على حكومة الإخوان في مصر أن يكون خطوة السعودية القادمة تطهير اليمن من جماعة الإخوان المسلمين, وهي النقطة التي تشرح الصمت السعودي حيال ما يجري وجرى في اليمن.
* الحوثية سياق شيعي رمزي
عندما بدأت المرحلة الرابعة للصراع الدموي في صعدة في العام 2007، في مواجهة التمرد الشيعي الزيدي إبان حكم الرئيس اليمني السابق صالح فإن القليل فقط هم من خمنوا أن زعيم المتمردين عبدالملك الحوثي سيأخذ في المضي قدما لتصبح حركة التمرد التي يتزعمها هي من بين القوى الرائدة في السياسة اليمنية. آنذاك، كان عبدالملك الحوثي ببساطة هو الزعيم الجديد لحركة الحوثي المسلحة، التي تحمل اسم عائلته وتنشط في منطقة صعدة شمال غرب اليمن. ولد الحوثي في وقت مبكر من العام 1980، ونجح في خلافة شقيقه الأكبر ووالده المريض.
ومنذ العام 2004 وضع الحوثيون أنفسهم أكثر من أي وقت مضى وبشكل واضح في السياق الشيعي الرمزي. هذا ويحظى الحوثيون بعلاقات وثيقة مع إيران وحزب الله، ودعم نظام الأسد في سوريا، ويحرصون على التمسك بترديد شعارات معادية للولايات المتحدة ومعادية لإسرائيل, في إشارة تذكرنا بما حصل في طهران في العام 1979. ويحرص الحوثيون أيضا على إحياء المهرجانات الشيعية تحديدا مثل عاشوراء.
* إخوان اليمن والدرس المصري
بعد الانتفاضة السلمية في اليمن عام 2011، ورحيل صالح بدا من أن الملعب قد ترك لجماعة المعارضة الرئيسية – حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو حزب تحالف بين الإخوان المسلمين والنخب القبلية المحافظة. في تلك الأثناء وفي ذروة الانتفاضة الشعبية والدعم اللوجستي والخبرة التي ميزت هذا التحالف, بلا شك فقد أعطى ذلك الحركة الثورية القوة اللازمة التي تحتاج إليه.
حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت في نوفمبر تشرين الثاني عام 2011 لتشرف على العملية الانتقالية السياسية بعد استقالة الرئيس صالح كانت تحوي العديد من أعضاء التجمع اليمني للإصلاح. كما كانت شرائح جهاز الأمن تأتي تدريجيا تحت سيطرة هذا الحزب، وقد بدا أن قادة الحزب هم الحلفاء الرئيسيين للرئيس المؤقت، عبدربه منصور هادي، الذين لعبوا جنبا إلى جنب في تحريك ركود العملية الانتقالية، وفي الوقت نفسه ظلت هنالك نوافذ مفتوحة للمطالبة بالشرعية الثورية.
بعد ذلك، بدا تقدم حزب الإصلاح إلى السلطة أكثر من المحتمل، حتى تعرضه لسلسلة من الانتكاسات التي تعرض لها الإخوان المسلمون في المنطقة على نطاق أوسع. على ضوء ذلك يمكن تفسير السيطرة على صنعاء من قبل أعداء الإصلاح -الحوثيين- بسرعة في ضوء هذه الانتكاسات.
وبعد أن تعلم الدرس من قيام الجيش المصري بالعمل ضد الإخوان المسلمين والإطاحة بالرئيس الشرعي، محمد مرسي، في يوليو عام 2013، بالكاد بعد عام من انتخابه، كان قادة التجمع اليمني للإصلاح دقيقين جدا بالنسبة للبقاء بعيدا عن خط المواجهة وتجنب إعطاء الانطباع من أنهم سيطروا على العملية الثورية.. لكن يبدو من أن حلفاءهم القبليين والعسكريين، الذين لعبوا تاريخيا دوراً حاسما في مسيرة الحزب تعود إليهم بعض الأسباب، الناجمة عن سقوطهم. ويعمل الإخوان المسلمون الآن في اليمن على إعادة النظر في تحقيق طموحاتهم ومسيرتهم السياسية والتنظيمية.
* الاعتداء على محسن
لقد كان الهدف الرئيسي للحوثيين في الهجوم على صنعاء يكمن في الاعتداء على علي محسن. وهو شخصية قريبة من صالح، وقاد الفرقة الأولى المدرعة في الحرب السابقة ضد الحوثيين. وقد ساهم انشقاقه في مارس من العام 2011 إلى سقوط صالح. الاستيلاء على قيادة الفرقة الأولى مدرعة وخروج محسن إلى السعودية في 21 سبتمبر من هذا العام يدل على رغبة الحوثيين الكبيرة في الانتقام. وقد لوحظ أيضا على نطاق واسع أن الرئيس السابق صالح وبهدوء قام بدعم المتمردين الحوثيين من خلال إعطاء تعليمات إلى القيادات العسكرية الموالية له في الجيش بعدم القتال. بالرغم من أنه قال القليل ذلك اليوم حال سقوط صنعاء، إلا أن صفحته الرسمية في شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك نشرت له صورا يبدو فيها مبتسما لنفسه.
مطالب الحوثيين بالقضاء على الفساد واحتجاجاتهم في يوليو على تضاعف أسعار الوقود وانخفاض القوة الشرائية، والمطالبة بإقالة الحكومة وتنفيذ استنتاجات بعيدة المدى من مؤتمر الحوار الوطني -التي لم يدعمها عندما كانت أعلنت في يناير- بشأن مكافحة الفساد، والمشاركة الديمقراطية الشعبية وتقاسم السلطة, كلها كانت مطالب للترويج بمدى مصداقية هذه الحركة في رفع العاهل الاقتصادي عن كاهل الشعب.
هذه المطالب منحت الحوثيين الدعم الاجتماعي والسياسي الذي تجاوز المجتمع الزيدي، ويذهب البعض إلى شرح ضعف المقاومة لتقدمهم في صنعاء بسبب الهجرة الداخلية، ووجود نسبة كبيرة من السكان ليست من أصل الزيدية. إضافة إلى الموقف المساند للحوثيين من طرف أنصار الرئيس السابق صالح بعدم التدخل. وقد زاد من الظروف التي هيأت للحوثيين سرعة العبور والتقدم صوب العاصمة ومحافظات أخرى السلبية النسبية لكل من المؤيدين لهادي والمجتمع الدولي. كل ذلك دلل على العداء الكبير للإخوان المسلمين اعتبارا الذين ملكوا الرغبة في التغيير وتجنب التشرذم الوطني وتصاعد العنف.
* درجات من التطبيع
من أجل تجاوز حقيقة البعد الطائفي، فإن الحوثيين لديهم رغبة جامحة في إثبات حضورهم. إنها إحدى المهمات الرئيسية التي يراها الحوثي, مع أن التوترات مع القوى السنية تبدو قوية بشكل خاص. بعد بضعة أيام من دخول المسلحين الحوثيين صنعاء، أدلى متشددون من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بتهديدات ضد الحوثي ليبدأ بعد ذلك الاستغراق في العمل. وكان أحد الجهاديين فجر نفسه وسط صنعاء يوم 9 أكتوبر، وأسفر عن مقتل 47 شخصا، وتزامن ذلك بهجوم آخر في جنوب البلاد قتل فيه 20 آخرون.
إن القدوم على تحليل الدوافع السياسية والاجتماعية والإستراتيجية لسكان مدينة صنعاء ومن ثم الخوض في قضية ما إذا كان هنالك طيف واسع من السكان يدعم الحوثيين قد يسمح أخيرا بالوصول إلى تفسير أكثر دقة من مسألة تعليق التداعيات على الطائفية الضئيلة، لكن مثل هذا التحليل، وبينما سيحظى بالقيمة البالغة, لن ينطبق تماما على المنطق الطائفي للصراعات. ومن ثم إلى التحول المباشر, وأن تكون هذه الصراعات هي الإرث المباشر لنظام صالح، والتي منذ اندلاع الصراع في صعدة في العام 2004، أجبرت باستمرار الزيدية الحوثية في العودة الى الجذور رغم ندرة الوصلات الوهمية التي كانت تربطها في بداية التأسيس مع إيران، بينما في نفس الوقت الاستفادة من الإسلاميين السنة.
القوة الإقليمية، للمملكة العربية السعودية، التي دائما ما تترك بصماتها على مجمل التغييرات الحاصلة في تاريخ اليمن، تلعب دورا أكثر تعقيدا مما يبدو. ولا نزال نلامس التفسير السائد في العالم العربي الذي يرى أن السعودية تصرفت بسياسة الانتظار والترقب تجاه العدوان الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء. مثل هذا التصرف يعتبر نتيجة طبيعية لعداء الإخوان المسلمين وأيضا التقارب الاستراتيجي مع إيران.
مع ذلك تشير بعض الحقائق في أن هذا التفسير غير كامل. ويأتي سياق تصرف السعودية تجاه جماعة الإخوان المسلمين بتجريمها، أو القطع في الموقف باعتبارها منظمة إرهابية، لا ينبع في الواقع من سياسة المملكة العربية السعودية المحلية، أو حتى من التنافس مع قطر، ودعم المملكة لنظام عبدالفتاح السيسي في مصر.. لكن دبلوماسيين سعوديين سبق وأن صرحوا مرارا أن هذه السياسة لا تنطبق على جماعة الإخوان المسلمين في اليمن.
* السعودية ضد التيار
بدلا من التلاعب السعودي -التحالف الخلفي مع الحوثيين ضد الإخوان (الذي من شأنه أن يذهب كثيرا ضد التيار)- فإن مواقف للرياض كهذه في الواقع تأتي من الضعف الهيكلي. الدبلوماسية السعودية في اليمن تتميز بعدم القدرة على التصرف، والدقة في صياغة السياسات والأهداف. القدرة على التصرف ليست فريدة من نوعها من الجانب السعودي: هنالك أيضا توقف واضح لموقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي ساند دول الخليج في دعم التحول السياسي في اليمن وتثبيت شرعية الرئيس هادي في المسارات من خلال التفهم العميق لمجمل الأزمات التي يعاني منها اليمن. لقد كلف جميع الأطراف المساندة والداعمة لليمن في عملية التحول, وجود عطل واضح, ومشكلة تزداد تفاقماً في عملها خارج إطار السياسات الموضوعة بين الاستخدام المكثف للطائرات بدون طيار لاستهداف عناصر القاعدة في جزيرة العرب، أو دعم الدولة المركزية، وفرض قيود على الهجرة.
الحقيقة أن أزمة الوكلاء التقليديين للمملكة العربية السعودية (وخاصة عشيرة آل الأحمر)، وتنامي قوة القاعدة في جزيرة العرب والحركة الانفصالية في الجنوب، كانوا جميعاً وراء تقلص قدرة المملكة العربية السعودية إلى حد كبير على قراءة الوضع واتخاذ إجراءات فعالة. علاوة على ذلك، هنالك مجموعة كبيرة من الشخصيات التي شاركت في الدبلوماسية السعودية -وزراء وأمراء والشخصيات الدينية، والهيئات شبه الحكومية- غالبا ما تتنافس مع بعضها البعض وهو ما يسوق إلى تعرقل السياسات المتخذة بخصوص اليمن. مثل هذا التنوع يدفع بقوة نحو احتمال الوصول إلى التقارب مع إيران سواء كان أكثر أو قل من إشارة وهمية، لأن مختلف الأطراف الفاعلة في الدبلوماسية السعودية منذ سنوات تراكمت لديها فكرة وجود تهديد للشيعة وسبب لها أزمة واضحة في المصطلحات الدينية والإستراتيجية على حد سواء.
* الانقلاب والقبض على صنعاء
في نهاية سبتمبر 2014 خضع اليمن بالفعل لانقلاب عندما قام مسلحو الجماعة المتمردة الشيعية "أنصار الله"، تحت قيادة الحوثيين، بالغزو والسيطرة على عاصمة البلاد صنعاء, تحت ذريعة أن المتمردين تعبوا من المفاوضات المطولة مع الرئيس هادي وحكومة حركة "الإصلاح" خلال معارك دامية، أخذوا المباني الإدارية والحكومية الأساسية -لمجلس الوزراء والوزارات والثكنات العسكرية، والبنك المركزي، ومحطات الإذاعة والتلفزيون. وقد قاتل الحوثيون ضد حزب الإصلاح- المرتبط بالإخوان المسلمين, والسلفيين, فضلاً عن أنصار الشريعة -فرع تنظيم القاعدة في اليمن- ووحدات من الجيش.
ساقت سيطرة الحوثيون الشيعة على العاصمة صنعاء إلى نتائج أدخلت تغييرات كبيرة في ميزان القوى خصوصا في الجزء الجنوبي من البلاد الذي يملك الأهمية الإستراتيجية لشبه الجزيرة العربية وفيه يقع خليج عدن وميناء عدن الاستراتيجي. وهو بعد كل شيء موقع ستعكس التغييرات الطارئة عليه "نقطة الضعف" على أكبر، وأغنى، وأقوى دولة عربية – المملكة العربية السعودية، الشريك الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة في الخليج الفارسي. بالإضافة إلى ذلك، تقع هذه المنطقة عند تقاطع طرق الشحن الملاحية العالمية المهمة القادمة من أوروبا إلى آسيا عبر قناة السويس والبحر الأحمر، وخليج عدن. هنا من جديد ينشأ وضع متفجر مرة أخرى قد يؤدى بالفعل إلى بروز العديد من النزاعات العسكرية. في شمال اليمن على سبيل المثال في سنوات الستينات من القرن المنصرم كان هنالك حربا أهلية بين الملكيين والجمهوريين، والتي شاركت فيها مصر والمملكة العربية السعودية.
لأكثر من عقدين من الزمن استمرت الحرب الأهلية بين الجنوب الاشتراكي والشمال الذي كان ممتلئاً بالمتطرفين السنة والشيعة. الحوثيون باعتبارهم هم العمود الفقري لقوات المتمردين الشيعة في اليمن، والتي تلقى دعما قويا من طهران، بما في ذلك توريد الأسلحة والمدربين العسكريين – أنصار الأئمة الشيعة من عائلة الحوثي الذين ثاروا في 2004 ضد الحكومة المركزية في صنعاء. ولفترة طويلة من القتال بين الحكومة المركزية والحوثيين جرت في منطقة جبلية في شمال غرب اليمن في محافظة صعدة مع الدعم العسكري للجيش الحكومي من الرياض والولايات المتحدة. ويرأس التمرد والهجوم الحالي على صنعاء الابن الأصغر للإمام بدر الدين الحوثي – عبدالملك الحوثي. ويتهم الحوثيون الحكومة بأنها ضمن سياق الوهابية بدعم من المملكة العربية السعودية، وتعتمد فقط على الطائفة السنية.
في العام 2009، أطلق الجيش الحكومي هجوما كبيرا ضد الحوثيين في شمال اليمن، مما اضطر مئات الآلاف من الأشخاص الفرار من منازلهم. ورافق هذه العملية تعزيز جوي من قبل القوات المسلحة السعودية، على الرغم من أن الرياض وقتها نفت رسميا. وعلاوة على ذلك، قامت الطائرات الحربية والطائرات بدون طيار الأميركية المشاركة في العملية، وتنفيذ عشرات الغارات على مواقعهم، والتي أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا بين السكان المدنيين. كما أن سفارة الولايات المتحدة في صنعاء تصرفت كمقر للعشرات من الموظفين والعاملين لوكالة المخابرات المركزية والبنتاغون الذين نسقوا تنفيذ عملية عسكرية ضد المتمردين. مؤخرا بدا أن الحوثيين كانوا يقاتلون ليس فقط ضد الجيش الحكومي، ولكن أيضا ضد الجماعات السنية من حزب "الإصلاح"، والتي ترتبط بشكل وثيق مع السلفية المقربة من الوهابية.
الحوثيون ينتمون إلى الطائفة الزيدية، التي تشكل حوالي 40٪ من سكان اليمن. وهي نسبة ضئيلة من جزء كبير من السكان، لكنها رغم ذلك حركة مسلحة أكثر تماسكا باستثمارها للحليف القبلي، وقد سبق لها أن حكمت لفترة طويلة جميع أنحاء اليمن. وقد عاش اليمن ما يقرب من ألف سنة في ظل حكم الإمامة الزيدية التي أطيح بها في ثورة عام 1962، عندما أعلنت الجمهورية اليمنية.
* باتجاه صنعاء واتفاقيات خارج السلام
في صيف هذا العام شنت حركة الحوثي، التي يمكن أن يصل مسلحوها إلى 100 ألف مقاتل، هجوما على العاصمة. وفي أواخر سبتمبر الماضي، بعد أن قامت صنعاء بالتنسيق لهدنة هشة بوساطة من طرف الأمم المتحدة، بدأت الحكومة والمتمردون المفاوضات التي أدت إلى توقيع اتفاقية للسلام. وقدمت الاتفاقية خطة لتشكيل حكومة ائتلافية، تشمل ممثلين عن الأقلية الشيعية والانفصاليين في جنوب اليمن.
لم يكن اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والمتمردين موضع التنفيذ أبدا، فيما لم يتمكن الرئيس هادي من البت في تعيين رئيس للحكومة الجديدة. وقد تسببت السرعة التي مكنت الميليشيات الشيعية من السيطرة على العاصمة اليمنية من خروج عدد كبير من الاستنتاجات والأفكار المتضاربة. وعن سقوط صنعاء، اتهم هادي كافة القوى السياسية قيامها بالتخطيط للتدمير بأنانية وحدة البلاد. كما أن رئيس الدولة السابق علي عبدالله صالح وحاشيته قد قاموا باستخدام اتصالاتهم المستمرة مع القيادات العسكرية الموالية للوقوف الميداني مع الشيعة وتسليم المدينة وإسقاط النظام الحالي. ووفقا لمجريات هذه الأحداث، فقد حرص صالح على الانتقام من العناصر الفاعلة في حزب الإصلاح السني الذين كان لهم الدور الكبير في زعامة ثورة 2011، عندما خسر السلطة.
هنالك أيضا أسباب جدية للاعتقاد بأنه على الرغم من تغيير النظام، إلا أن العمود الفقري للجهاز القمعي والجيش الموالين للنظام القديم بقى جانبا مهما يراهن عليه صالح. بالإضافة إلى أن الهجوم على صنعاء من قبل المتمردين وتسليمها بكل سهولة لهم هو بمثابة خطوة تكتيكية لعودة الرئيس السابق الذي أطاحت به الثورة الشبابية الشعبية في العام 2011. عدد كبير من المحللين يتحدثون مباشرة عن وجود "تحالف غير طبيعي" بين مؤيدي الرئيس السابق صالح والمتمردين الحوثيين الشيعة.
مع ذلك، فإن معظم سكان صنعاء غير راضين للغاية عن تسليم المدينة للحوثيين, الذين قاموا بتعليق صور للقادة الإيرانيين الشيعة أمثال الخميني وخامنئي، كذلك زعيم "حزب الله" حسن نصر الله. في صنعاء العاصمة تقوم الميليشيات الشيعية علنا بتنظيم مسيرات عبر الشوارع تهتف بالشعار الذي أدمنت عليه الحوثية "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل".
* قلق الإقليم يرهب الجوار
الأحداث في اليمن هي مصدر قلق بالغ للمملكة العربية السعودية المجاورة التي تتهم عدوها اللدود -إيران– بتوفير الدعم المالي والعسكري للمتمردين الحوثيين. ووفقا للرياض، تسعى طهران إلى تحقيق أجندة واضحة تهدف إلى خلق موطئ قدم في الجنوب الشيعي من الجزيرة العربية. وتعتبر المملكة العربية السعودية نفسها دائما كضامن للاستقرار في اليمن ومدافع عن الأغلبية السنية.
إيران، من جانبها، تقول إنها توفر الدعم المعنوي للحوثيين فقط. ومع ذلك فمن الواضح تماما أن إيران تحاول تقسيم الشرق الأوسط وخلق قوس شيعي من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا، في حين تحاول أن تظم إلى هذا القوس أيضا البحرين واليمن وفي المستقبل سيتمدد هذا التقوس والتوسع الشيعي إلى المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، حيث تعيش هنالك نسبة من السكان الشيعة وتتمركز احتياطيات النفط الرئيسية.. لكن العملية العسكرية للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية وقطر والأردن هي مجرد أداة سنية من طرف واشنطن والرياض تثير المخاوف ضد الشيعة في المنطقة وإيران على وجه التحديد. بالإضافة إلى ذلك فإن تغيير الحكومة في صنعاء يقوي موقف إيران في مفاوضاتها مع الغرب ويدعم مسيرة برنامجها النووي.
يبدو أن وحدة اليمن ليست مهددة فقط من جانب صعود المتمردين الشيعة، لكن أيضا مهددة بالجذور السنية المرتبطة بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب التي جاءت نتيجة لدمج فروع التنظيم في كل من السعودية واليمن في العام 2009, وهو واحد من أهم المعارضين لصعود الحوثيين في اليمن.
* اليمن حلقة الاستقرار الأضعف
الآن فإنه من الصعب إجراء المزيد من التوقعات, باعتبار أن اليمن قد أصبحت واحدة من الحلقات الضعيفة في "قوس عدم الاستقرار" العربي. إنه بلد متخلف وفقير يبلغ عدد سكانه 24 مليون نسمة، مع التكوين الديني والعرقي والقبلي المتنوع، الذي يعكس الأهمية الجيوسياسية بالغة الأهمية. ويبقى أن الصراعات الدينية والقبلية في اليمن يصعب التغلب عليها: الشيعة يفرضون أنفسهم في الواقع من أنهم ليسوا أقلية، بالإضافة إلى أن هنالك تبقى مشكلة الجنوب.
استغرق توحيد شمال وجنوب اليمن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) أكثر من 20 عاما، وكان ذلك في الواقع امتصاص للحاصل في الجنوب، الذي لا يزال غير متصالح مع قيادة البلد ويسعى إلى الاستقلال. اليوم، في جنوب اليمن، التي تعد موطنا لحوالي 2.5 مليون شخص، تثير المطالب بالانفصال مجددا إشكاليات تقلب المعادلة اليمنية رأسا على عقب. ويمكن لسيطرة الحوثيين على صنعاء أن تؤدي إلى انفصال جنوب اليمن. بالتالي، من الممكن أن يضطر اليمن مرغما إلى الذهاب ولفترة طويلة إلى معترك الحروب الأهلية.
على أية حال، ما حدث في اليمن يرجع إلى حد كبير إلى السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بحرصها على إدخال المتطرفين السنة إلى الساحة السياسية, في ذات الوقت الذي تقوم فيه واشنطن بدعم ملوك الخليج الذين هم أتباع الوهابية والسلفية والإسلام الديني الراديكالي الذي أفضى إلى تصدير الثورات الملونة في الخارج. إلى ذلك تتبنى الولايات المتحدة دعم أهل السنة ونشرها بما في ذلك ضد الشيعة وإيران الذين يقفون في معارضة السنة.
المفارقة تكمن في حقيقة أن المتطرفين السنة هم الذين قتلوا الجنود والدبلوماسيين في العراق وأفغانستان وليبيا. أما في 11 سبتمبر 2001، فهم من يتحملون مسؤولية تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك.
* هامش:
لوران بونيفيه/ فلاديمير سيمونوف
- لوموند ديبلوماتيك/ نيو إيسترن آوت لوك
- فلاديمير سيمونوف، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، دكتوراه في التاريخ، ويكتب تحليلات سياسية حصريا لمجلة "نافذة جديدة على الشرق".
- لوموند ديبلوماتيك مطبوعة توفر وجهات نظر المحللين السياسيين لأكثر القضايا إلحاحا في العالم, تهتم بكشف وابراز الحقائق الدولية وقضايا الصراعات لتعرف القارئ بما يحدث حقاً, وتركز بشكل كبير على تناول الاشكاليات والقضايا التي لا تصل إليها الأقلام والمطبوعات الأخرى.
- لوران بونيفيه طالب دكتوراه في العلوم السياسية في معهد باريس للدراسات السياسية، ويحظى بارتباطات مع المركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية في صنعاء، اليمن.
ترجمة: أمين الجرادي – صحيفة الناس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.