كنا قد تناولنا في الجزء السابق حيثيات تولي يزيد بن معاوية الحكم، والظروف التي جعلت الحسين رضي الله عنه يخرج من مكة قاصدًا العراق. نشير هنا إلى أن عددًا كبيرًا من الصحابة قد حاولوا منع الحسين رضي الله عنه من الخروج للعراق، وعلى رأسهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن الحنفية، أخ الحسين من أبيه، مستندين جميعهم إلى فكرة أن أهل العراق لا أمان ولا عهد لهم، وتجربة علي بن أبي طالب والحسن بن علي رضي الله عنهما ليست ببعيدة، ملخصين القول بعبارة: يا حسين، قلوب أهل العراق معك، وسيوفهم مع بني أمية. لكن الحسين رضي الله عنه أبى ذلك، وكانت رغبته في مجابهة الظلم والاستبداد وإنقاذ إسلام جده المصطفى صلى الله عليه وسلم كبيرة جدًّا، فقال: الله المستعان. طبعًا نتحدث هنا عن عصر لم تكن فيه وسائل اتصال حديثة، ولم يصل خبر مقتل مسلم بن عقيل إلى الحسين رضي الله عنه إلا بعد خروجه، وهو على أعتاب العراق، عندما وصل الحسين ومن معه إلى أرض كربلاء، سألهم: – ما هذه؟ أجابوه: – كربلاء. فقال: كرب وبلاء. وكان حينها قد علم بخذلان وخيانة أهل الكوفة له، ومقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، لكنه أبى إلا أن يواصل المسير، حتى وصل هو ومن معه إلى صحراء تسمى الطف قرب كربلاء، ليعترض الجيش الأموي طريقه، وكان قوامه أربعة آلاف رجل، وتقول بعض المصادر إنهم ثلاثون ألفًا والله أعلم، أما الحسين رضي الله عنه ومن معه فلم يكونوا سوى 72 مقاتلاً فقط! كما قام الأمويون بمنع الماء عن الحسين وصحبه، وتركوا ريحانة رسول الله ومن معه عطشى! أين أخلاق الإسلام التي أتى بها خاتم الأنبياء عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام من كل هذا؟ لما التقى الجمعان قال الحسين للجيش الأموي: – راجعوا أنفسكم وحاسبوها، هل يصلح لكم قتال مثلي؟ وأنا ابن بنت نبيكم، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ولأخي: "هذان سيدا شباب أهل الجنة". وحثهم على ترك أمر بن زياد والي الكوفة والانضمام إليه، لكن هذا أقرب للمستحيل، فكما أشرت إلى ذلك في الجزء الثاني، فالقوة والسلطة والمال والدهاء كلها بيد عبيد الله بن زياد وسيده يزيد في الشام، وهكذا فلم ينضم للحسين إلا عدد قليل جدًّا، منهم الحر التميمي الذي كان قائد مقدمة الجيش الأموي. نشب القتال يوم الجمعة العاشر من محرم، سنة 61 للهجرة، وبطبيعة الحال فنحن هنا لا نتحدث عن معركة بالمعنى المعروف والمتكافئ، ففارق القوى واضح وفاضح، فصار هم أصحاب الحسين، وعلى رأسهم أبو الفضل العباس بن علي، أخ الحسين، الموت بين يدي ابن بنت رسول الله. بدأ رماة الجيش الأموي يمطرون الحسين وأصحابه بوابل من السهام، فأصيب الكثير منهم، ثم اشتد القتال وانجلت الغبرة عن خمسين صريعًا من أصحاب الحسين، واستمرت رحى الحرب تدور في الميدان والأصحاب العطشى يتساقطون الواحد تلو الآخر، وتواصل الزحف نحو من بقي مع الحسين وأحاطوا بهم من جهات متعددة وأحرقوا الخيام، فراح من بقي من أصحاب الحسين وأهل بيته ينازلون الجيش الأموي، حتى قتل العباس الذي وصل إلى جزء من نهر الفرات وهم بالشرب، لكنه لم يستطع إيثارًا لأخيه الحسين، فقتله من أحاطوا به، وبقي الحسين رضي الله عنه وحده. تتفق كل المصادر على أن جنود العدو أحاطوا بالحسين، فأصابوه بسهم في نحره، وراحت ضربات الرماح والسيوف تمطر جسده، حتى أقبل عليه الملعون شمر بن ذي الجوشن قبحه الله وفصل رأسه عن جسده ليستشهد وعمره 56 سنة. ولم يبق أحد من نسل الحسين سوى ابنه علي بن الحسين المعروف بزين العابدين. من قتلى المعركة، أبناء علي بن أبي طالب: وهم إلى جانب الحسين: جعفر، والعباس، وأبو بكر، ومحمد، وعثمان. (ملحوظة سريعة: هذا رد على الخزعبلات التي كانت تقول أن علي بن أبي طالب كان على خلاف مع الخلفاء وكبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، فكيف سيكون على خلاف معهم وهو يسمي أبناءه بأسمائهم؟). قتل من أبناء الحسين: عبد الله وعلي الأكبر (علي الأكبر هذا غير علي زين العابدين الناجي الوحيد الذي تكلمت عنه، والذي تقول المصادر أنه كان مريضًا بالحمى في تلك المعركة ونجا بأعجوبة). قتل من أبناء الحسن: عبد الله والقاسم وأبو بكر. بطبيعة الحال، فالروايات والمصادر والتأويلات مختلفة وكثيرة، لكن الإجماع هو أن رأس الحسين قد قطع وتم إرساله مع نساء أهل بيت الحسين، وعلى رأسهن زينب بنت علي إلى الشام عند بلاط يزيد بن معاوية. أصل إلى هذه النقطة وأتوقف، فرد فعل يزيد بعد سبي نساء آل البيت موضع خلاف كبير بين علماء أهل السنة أنفسهم، ولا توجد رواية واحدة موحدة وعليها إجماع، لذلك أفضل عدم الخوض فيها. وهكذا كانت نهاية قصة كربلاء، وثورة الحسين رضي الله عنه وتضحيته بنفسه في سبيل تقويم مستقبل الإسلام الذي أخرجه هؤلاء عن مساره، وكانت دماؤه الزكية درسًا للمسلمين في التضحية والفداء ومجابهة الظلم والطغيان، رضي الله عنه هو وآل بيت رسول الله وصحابته أجمعين. في الختام، قد يسأل البعض عن مصير يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن، قد أتطرق لهذا في موضوع منفصل، فكما تعلمون، التاريخ مترابط، وكل حدث يقودك إلى حدث آخر.