كشفت مجلة "مونيتور" الأمريكية عن بوادر أزمة جديدة باتت تحلق في الأفق على صعيد العلاقات المصرية الأمريكية، بعدما اتهمت القاهرة، واشنطن بانتهاك حقوق الإنسان في التعامل مع المتظاهرين خلال احتجاجات شهدتها عدة ولايات أمريكية، على خلفية تبرئة هيئة المحلفين في مدينة فيرجسون بولاية ميزوري لرجل شرطة متهم بقتل شاب أمريكي أسود. وذكرت المجلة "أن هذه الأزمة جاءت بعد فترة من توتر العلاقات بين القاهرةوواشنطن إثر سقوط نظام الإخوان المسلمين وفض السلطات اعتصام رابعة العدوية والنهضة بالقوة، حيث اتخذت واشنطن بعض الخطوات العقابية تجاه الجيش المصري رفضًا لما وصفته بانتهاك حقوق المتظاهرين السلميين، وأعلنت وقف معظم المساعدات العسكرية للبلاد". وأضافت "مونيتور": "أن هذا التوتر الجديد في العلاقة المصرية الأمريكية يأتي في ظل التقارب الذي بات يسيطر على علاقة القاهرة وموسكو وبالتزامن مع الإعلان عن زيارة مرتقبة للرئيس الروسي للقاهرة". ولفتت إلى أنه "في الوقت الذي طالب فيه ساسة مصريون بالإسراع في تشكيل بعثة تقصي حقائق مصرية لرصد ما وصفوه بتجاوزات السلطات الأمريكية، وكيفية التعامل معهم باستخدام القوة المفرطة، أصدرت الخارجية المصرية بيانًا رسميًا لتوجيه اللوم لشرطة الولاياتالمتحدة في تعاملها مع المتظاهرين الرافضين تبرئة الشرطي المتهم بقتل الشاب الأمريكي الأسود، ومطالبتها للسلطات بضبط النفس". وأشارت إلى أن "بيان الخارجية المصرية طالب واشنطن أيضًا باحترام حق التجمع والتعبير السلمي عن الرأي، بل ووصف المتحدث باسم وزارة الداخلية هاني عبداللطيف تعامل قوات الشرطة مع المتظاهرين الأمريكيين في فيرجسون رفضًا لتبرئة الشرطي المتهم بقتل الشاب بأنه يتضمن استخدامًا مفرطًا للقوة، وكأنها تتعامل مع تجار سلاح ومسلحين آليين، وليس مع متظاهرين سلميين". وأوضحت "المونيتور" أن "الخارجية الأمريكية من جانبها رفضت مقارنة الأوضاع الحقوقية بأراضيها بما يحدث من قمع في مصر على حد قول ماري هارف، المتحدثة الرسمية، التي أكدت في ردها على القاهرة، أن الأمريكيين يتمتعون بحرية تعبير لا توجد في مصر، ويكفي أن واشنطن تعالج مشاكلها بشفافية". وأضافت أن "وسائل الإعلام الأمريكية أبرزت الانتقادات المصرية لأوضاع حقوق الإنسان بالولاياتالمتحدة على أنها لا تخرج عن المكايدة السياسية، خاصة أن بيان الخارجية استخدم نفس لغة الولاياتالمتحدة في حثها للقاهرة سابقًا على ضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين الإخوان". في هذا الإطار، نقلت عن المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق والتي أيدت تشكيل لجنة تقصي حقائق مصرية لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في الولاياتالمتحدة، قولها: "من حق منظمات حقوق الإنسان في أي مكان في العالم مراقبة ما يحدث في أي بلد من انتهاك وإلا لما كانت كل هذه السيول من التقارير التي تقدم عبر دول مختلفة عن دول ليست طرفًا فيها، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة نفسها". وأضافت: "تشكيل اللجنة المصرية المقترحة للتحقيق في انتهاكات حقوق المتظاهرين السلميين في فيرجسون الأمريكية يمكن أن يضم شخصيات مصرية مرموقة على المستوى الدولي، منهم قضاة جنائيون دوليون وشخصيات دولية، ولدينا الكفاءات التي تستطيع أن تؤدي هذه المهمة الحقوقية الخاصة بالتحقيق في انتهاكات السلطات الأمريكية لحقوق المتظاهرين السلميين في فيرجسون". وحول ما إذا كان مقترح تشكيل هذه اللجنة، يأتي ردًا على الانتقادات الأمريكية السابقة لأوضاع حقوق الإنسان بمصر، قالت الجبالي: "الأمر يختلف لأن في مصر كانت هناك "ثورة"، وتغيير لنظام حكم، وبالتالي انحياز الولاياتالمتحدةالأمريكية للحكم الإخواني الذي أسقطته "الثورة" هو ما أدى إلى التشكك في نوايا المنظمات الأمريكية. وأضاف "الأمر لا يشكل أي تهديد لمسار عودة العلاقات المصرية الأمريكية لسابق عهدها، بل بالعكس يعمل على التقارب بين الشعبين، لأن الشعوب هي التي تنتصر لبعضها البعض، وتلك العلاقة هي الباقية بينما الحكومات متغيرة والأنظمة تسقط". من جانبه، قال الكاتب الصحفي مصطفى بكري، صاحب مقترح تشكيل لجنة تقصي الحقائق المصرية لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان بالولاياتالمتحدةالأمريكية: "شاهدنا بأنفسنا انتهاكات حق الإنسان الأمريكي في التظاهرات الأخيرة، حتى لجان المحلفين لم تستطع أن تصدر حكمًا في مواجهة الضابط الذي اتهم بقتل أحد المواطنين السود، وهو ما أعطى إشارة للرأي العام بأن هناك تدخلا في القضاء الأمريكي". وأضاف "هذا يوجب بالفعل على منظمات حقوق الإنسان المصرية ومن بينها المجلس القومي لحقوق الإنسان أن تشكل لجنة لتستمع وتحقق في هذه الوقائع"، متسائلًا "هل ستسمح واشنطن لهذه اللجنة بأن تمارس عملها أم لا؟". وشدد بكري المعروف بتأييده لسلطة 3 يوليو على أن هذا الإجراء بتشكيل لجنة تقصي حقائق مصرية لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان بالولاياتالمتحدة ليس انتقامًا من النظام الأمريكي نظير انتقاداته لأوضاع حقوق الإنسان بمصر، لكنه إدراك للواقع الذي تعيشه الولاياتالمتحدةالأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي الحالي". في المقابل، كان لمنال الطيبي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، رأي آخر إذ قالت: "المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر ليس على استعداد في المرحلة الراهنة للتخلي عن مسؤولياته الداخلية لمراقبة حقوق الإنسان في دول أخرى في ظل ما تشهده الأوضاع في مصر". وأضافت: "الدعوة لتشكيل هذه اللجنة لا تخرج عن كونها تهريجًا سياسيًا من الداعين لها ولتوصيل رسالة انتقامية للنظام الأمريكي والمؤسسات الحقوقية الأمريكية، ردًا على انتقاداتها المتكررة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر في الفترة الأخيرة". وأردفت: "بالتأكيد لا أقبل كحقوقية تعامل الشرطة الأمريكية مع المتظاهرين، ورغم عدم معرفتي لحيثيات تبرئة الجندي الأمريكي المتهم بقتل الشاب صاحب البشرة السوداء، إلا أنه كان واضحًا وجود مظاهر عنصرية، وهناك مواطنون سود يشكون التمييز". ورأت "المونيتور" أن الاتهامات المصرية للإدارة الأمريكية بممارسة انتهاكات حقوقية ضد المتظاهرين في فيرجسون جاءت بمثابة رسالة سياسية أرادت بها القاهرة رد نفس الصفعة التي وجهتها إدارة الرئيس باراك أوباما ومنظمات المجتمع المدني الأمريكية للنظام المصري عقب 30 يونيو، وشنها حملات ضد ممارساته لإخماد مظاهرات الإخوان".