يسدل الستار على عام 2014، لينتهي معه أعمق وأكبر خلاف تشهده دول مجلس التعاون الخليجي في تاريخه، استمر 8 أشهر و10 أيام. الخلاف الأكثر تأثيرا في تاريخ الدول الخليجية بدأ في 5 مارس/ آذار الماضي بإعلان السعودية والإماراتوالبحرين سحب سفرائها من قطر، وانتهى في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بإعلان الدول الثلاث عودة سفرائها مجدداً، وتوجت تلك المصالحة بعقد قمة خليجية في الدوحة في 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري. ورجح مراقبون أن يكون الخلاف حول الانقلاب العسكري على الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، الذي ارتبط بعلاقات جيدة مع الدوحة، والتي انتقدت الإطاحة به، بينما دعمته بقية دول الخليج. وتحسنت العلاقات بين السعودية وقطر في الآونة الأخيرة. موجز الخلافات الخليجية وبدأت بوادر الخلافات الخليجية خلال هذا العام إثر خطبة للشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين انتقد فيها الإمارات في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، متهماً إياها بإيواء المرشح الرئاسي الأسبق أحمد شفيق، الذي وصفه بأنه «من رجال (الرئيس الأسبق) حسني مبارك». كما اتهم الشيخ القرضاوي الإمارات بمحاربة الحكام المسلمين قائلا: «الإمارات التي تقف ضد كل حكم إسلامي، وتعاقب أصحابه وتدخلهم السجون». وفي 21 فبراير عاود الشيخ القرضاوي في خطبة له، هجومه على الإمارات وخاطب حكامها قائلا: «أغضبكم مني سطران قلتهما عنكم، ماذا لو أفردت خطبة عن فضائحكم ومظالمكم» ، مشيرا إلى أنهم لا يطيقون 7 كلمات. وهاجم القرضاوي الحكّام الذين دفعوا مليارات وراء المليارات ليخرجوا مرسي الحاكم الذي اختاره الشعب، وأتوا بالعسكر الذين اكتسبوا آلاف الملايين من قوت الشعب، ولم يكتفوا بذلك بل سلبوا الناس كل حقوقهم من حرية وعدالة وديمقراطية. وعلى الرغم من تأكيد وزير خارجية قطر في 31 يناير/كانون الثاني أن ما قاله القرضاوي لا يمثل السياسة الخارجية القطرية، قامت أبوظبي في 2 فبراير/ شباط، باستدعاء فارس النعيمي سفير دولة قطربالإمارات وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية على خلفية ما وصفته ب «تطاول» القرضاوي. وأثارت تصريحات القرضاوي استياء واسعا في الامارات مع إنها ليست المرة الاولى التي يوجه فيها انتقادات لهذا البلد. وقال محللون سياسيون خليجيون إن سلوك وتصرفات حكومة أبوظبي، تجاه تصريحات فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والتي وصلت في سابقة خليجية لحد استدعاء السفير القطري ، وتقديم احتجاج رسمي له يعبر عن مأزق حقيقي وقع فيه حكام أبوظبي. وأضافوا إن تصريحات فضيلة الدكتور القرضاوي وجهت ضربة قاصمة لشرعية حكام أبوظبي، نظرا للمكانة والثقة الكبيرة التي يحظى بها الدكتور القرضاوي بين أهل الإمارات المتدينين بالفطرة . وأشاروا إلى أن تقارير وصلت لديوان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، من أجهزة أمنية عدة رصدت حالة من التململ والهمس في أوساط الإماراتيين بعد تصريحات الدكتور القرضاوي، بل تحدث البعض علنا عن مدى مشروعية العمل مع هذا النظام خاصة في بعض الأجهزة الأمنية وبعض قطاعات الجيش والحكومة الحساسة، وأنه لذلك أعطى محمد بن زايد تعليمات مشددة وعاجلة بإجراء بعض التغييرات في الأجهزة الأمنية ، ووضع خطة استبدال عاجل للقوات الإماراتية في أفغانستان لضمان ولاء كل عناصرها. وأوضحوا أن هذه التقارير أصابت ولي عهد أبوظبي بحالة من الهلع ،حيث طلب من وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش إستدعاء السفير القطري وتوجيه احتجاج رسمي لدولة قطر على هذه التصريحات التي اعتبرها تهدد شرعية حكم آل نهيان جميعا، وتضعهم في حرب "شرعية" مع شعب الامارات لأول مرة بالتاريخ، وهو ما رآه هؤلاء المحللون يعكس "هشاشة نظام الحكم في أبوظبي والذي يخشى خطبة جمعة" حسب تعبيرهم . ولم يمر أكثر من شهر على تصريحات القرضاوي التي فجّرت الأزمة، حتى أعلنت السعودية والإماراتوالبحرين، في 5 مارس/ آذار، سحب سفرائهم من قطر، مبررين ذلك بعدم التزام قطر بالاتفاق المبرم في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في العاصمة السعودية الرياض، الذي يقضي ب «الالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس، بشكل مباشر أو غير مباشر». وفي المقابل، أعربت قطر، في بيان أصدرته في اليوم نفسه عن أسفها لسحب السعودية والإماراتوالبحرين سفراءها من الدوحة، وقالت أنها لن ترد بالمثل، ونفت اتهام تلك الدول بالتدخل في شؤون الخليج، مؤكدة أن موقفها جاء بسبب اختلاف في المواقف حول قضايا واقعة خارج دول مجلس التعاون. وفي 17 أبريل/ نيسان ما بدأت جهود دبلوماسية كويتية، وتوجت باجتماع وزاري خليجي عقد بالرياض، أعلن خلاله وزراء خارجية دول الخليج موافقة دولهم على آلية تنفيذ وثيقة الرياض، في إشارة إلى الاتفاق المبرم في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013. وفي 3 مايو/ آيار عقد وزراء خارجية دول الخليج اجتماعا لمناقشة التقرير الأول الذي رفعته اللجنة المكلفة بمتابعة تنفيذ آلية اتفاق الرياض، تم الاتفاق خلاله على استمرار اللجنة في عملها للحفاظ على أمن واستقرار دول المجلس". وبعد نحو شهرين من هذا الاجتماع، تم توقيف اثنين من المواطنين القطريين في الإمارات يوم الجمعة الموافق 27 يونيو/حزيران 2014، دون أن يتم إبلاغقطر رسمياً من قبل السلطات الإماراتية بما حدث لهم، فيما كانت تعد أزمة خليجية خلال هذا العام. وجاء ذلك بعد يوم من إعلان صحيفة «الخليج» الإماراتية إن الموقوفين القطريين في الإمارات هم «عناصر استخباراتية قطرية تعمل على أرض دولة الإمارات، ويتم التحقيق معها حالياً»، فيما أكدت الصحف القطرية أنه تم اعتقال القطريين من دون ارتكابهم أي جرم. وفي 22 يوليو/ تموز، وفي إطار جهود احتواء الأزمة، وعلى خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة آنذاك، قام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بزيارة للسعودية استمرت ساعات، والتقى خلالها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. وجرى خلال اللقاء تناول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث ومستجدات، وفي مقدمتها تطورات الأوضاع في فلسطين، لا سيما قطاع غزة، وكان هذا اللقاء الأول من نوعه بين الزعيمين منذ أزمة سحب السفراء. وفي أعقاب زيارة أمير قطر، بدأت بودار تقارب بين السعودية وقطر، كللت في 5 أغسطس/ آب بزيارة الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، وزير الحرس الوطني السعودي للدوحة، في أول زيارة من نوعها لمسؤول سعودي لقطر، منذ أزمة سحب السفراء. ومع بدء التقارب السعودي القطري، اندلعت أزمة جديدة في 6 أغسطس/ آب على خلفية اتهام البحرينلقطر بتجنيس بعض مواطنيها دون مراعاة قوانينها، وهو الاتهام الذي أعربت قطر عن استغرابها منه. وبالتوازي مع ذلك بدأت جهود كويتية لحلحلة الأزمة الخليجية، حيث قام أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في 13 أكتوبر/تشرين الأول بزيارة إلى العاصمة الإماراتيةأبوظبي، التقى خلالها كلاً من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفي اليوم نفسه عقد ثاني لقاء بين العاهل السعودي وأمير قطر خلال 3 شهور، جرى خلال اللقاء بحث أوجه التعاون بين البلدين، إضافة إلى مجمل الأحداث والتطورات التي تشهدها الساحات الإسلامية والعربية والدولية. الجهود الكويتية لحل الأزمة الخليجية تسارعت خطواتها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، حيث قام أمير الكويت بجولة خليجية في 7 من ذلك الشهر، زار خلالها الإمارات ثم قطر ثم البحرين، أعقبها وزير خارجيته في اليوم التالي بزيارة لكل من الرياض ومسقط. وفي 16 نوفمبر/ تشرين الثاني، توجت جهود الكويت والسعودية، بعقد قمة خليجية في الرياض، أعلنت خلالها كل من السعودية والإماراتوالبحرين "عودة سفرائها إلى دولة قطر"، بعد نحو 8 شهور من سحبهم، وذلك بموجب اتفاق جديد تحت عنوان "اتفاق الرياض التكميلي". وفي ترجمة عملية للمصالحة، قام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي في 28 نوفمبر/تشرين الثاني بأول زيارة له للدوحة منذ الأزمة الخليجية، أجرى خلالها مباحثات مع أمير قطر، وخلال تلك الفترة توالى توافد سفراء السعودية ثم البحرين ثم الإمارات، معلنين انتهاء الأزمة بشكل كامل. وتوجت المصالحة الخليجية بعقد قمة خليجية بالدوحة في 9 ديسمبر/كانون الأول، أكد خلالها أمير قطر، الذي ترأس القمة، أنه إزاء التحديات والمخاطر التي تحيط بنا من كل جانب، لا يجوز لنا أن ننشغل بخلافات جانبية حول التفاصيل. وقال أمير قطر في كلمته: «لا شك أن الاتحاد الخليجي الذي تضمنته مبادرة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز (عام 2011) سيظل هدفاً سامياً ومنه إلى الاتحاد العربي». وأشار إلى أن القمة تنطلق في ظل ظروف دولية وإقليمية بالغة التعقيد والدقة، «تفرض علينا مسؤوليات جساماً، وتضعنا أمام تحدي العمل على قدر هذه المسؤوليات». وأضاف: «وسبيلنا في ذلك وحدة الصف والهدف، وبذل مزيد من الجهود للنهوض بعملنا المشترك والارتقاء به إلى مستوى الطموح». وأعرب عن أمله أن «تؤسس هذه القمة لانطلاقة جديدة في العلاقات الخليجية عبر تعزيز روح التآخي والتضامن». وفي البيان الختامي لقمة الدوحة، أكد قادة دول الخليج على موقفهم الثابت من دعم مصر وبرنامج عبد الفتاح السيسي المتمثل في خارطة الطريق، مؤكدين وقوفهم التام مع مصر حكومة وشعبا في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها. وخارطة الطريق تم الإعلان عنها في 8 يوليو/ تموز 2013 عقب الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي من قبل المشير عبدالفتاح السيسي، وتضمنت أيضا إعداد دستور جديد للبلاد (تم في يناير /كانون ثان الماضي)، وانتخابات رئاسية (تمت في يونيو /حزيران الماضي)، والانتخابات البرلمانية لم يتم تحديد موعد لها. وأكد البيان مساندة المجلس (قادة الخليج) الكاملة ووقوفه التام مع مصر حكومة وشعبا في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها. وفي 10 ديسمبر/كانون أول أعلن الديوان الملكي السعودي أن قطر ومصر استجابتا لمبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز للإصلاح بينهما، وتوطيد العلاقات بينهما وتوحيد الكلمة وإزالة ما يدعو إلى إثارة النزاع والشقاق بينهما. وبتأكيدات زعماء الخليج بتعزيز روح التآخي والتضامن، يستقبل الخليجيون عام 2015، على أمل ألا يكون كسابقه، وأن تنتهي الخلافات الخليجية التي شهدها عام 2014 بلا رجعة.