قبل الدخول في الموضوع من المهم التأكيد على أن مدينة رداع بمديرياتها الست كانت، قبل أن تسيطر عليها مليشيا جماعة الحوثي المسلحة، أهدأ مما هي عليه الآن، رغم أنها من أهم معاقل تنظيم القاعدة. ويمكن أن ينسحب هذا على باقي المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي المسلحة، بما فيها تلك التي لا تواجد لتنظيم القاعدة فيها، رغم أن مناطق سيطرة الجماعة أصبحت جاذبة للتنظيم، فلم نكن نسمع بعمليات في محافظة الحديدة وفي محافظة إب قبل أن تستلمهما جماعة الحوثي. كما إن تنظيم القاعدة إن لم يتمكن من الوصول إلى منطقة تسيطر عليها جماعة الحوثي، ستخلق الجماعة قاعدة من أبناء المنطقة بسلوكها الطائفي العدائي، كتفجير المساجد والمدارس ودور القرآن، على غرار ما حدث في مديرية أرحب أخيرا. ما يعني أن كل عنف يجري في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، حتى لو لم تكن الجماعة منفذا مباشرا له، أو كان يستهدفها، فإنها المسئولة عنه، لأن وجودها أوجد هذا العنف. واتخاذ الجماعة من أعمال العنف حجة للاستمرار، بحجة الحفاظ على الأمن، لن يحفظ الأمن بل سيسهم في تنامي العنف، لأن وجودها، في حد ذاته، أبرز عوامل العنف واستمراره. وإذا كانت الجماعة عاجزة عن حماية مسلحيها من أعمال العنف، فإنها عن حماية غيرهم من المواطنين أعجز، رغم أن معظم أعمال العنف الذي يطال المواطنين مصدره هذه الجماعة، وما ليست مصدره منه تكون سببه. وما حدث خلال الأشهر الأخيرة، في عدد من المحافظات اليمنية، في ظل سيطرة الجماعة، يؤكد هذه الحقيقة. وهذا ليس اتهاما مسبَّقا للجماعة بالوقوف وراء جريمة قتل طالبات مدرسة الخنساء في مدينة رداع، وإنما تأكيد على أن الجماعة تتحمل مسئولية كل عملية عنف وقعت في مناطق فرضت الجماعة نفسها كبديل عن الدولة. توضيح متأخر حصل الحوثيون على ما يكفي من الوقت لتأكيد وقوف تنظيم القاعدة وراء عملية قتل الطالبات في رداع، فلم يصدر عن التنظيم أي توضيح إلا بعد ثلاثة أيام من وقوع الجريمة. وقد ساهم تأخر توضيح التنظيم في اعتماد معظم الناس، ومعظم وسائل الإعلام، على الرواية التي أوردتها جماعة الحوثي، رغم وجود تشكيك في الرواية أو في بعض تفاصيلها، خصوصا ما يتعلق منها بتعمد القاعدة استهداف الطالبات. وعلى ضوء هذه الرواية جاءت الإدانات، من جهات في الداخل وفي الخارج، رغم وجود تسريبات من مصادر مقربة من تنظيم القاعدة تنفي صلته بها وتوجه التهمة لجماعة الحوثي. ولغرض تثبيت هذه الرواية، وجعلها أكثر تداولا، هاجمت الجماعة كل وسيلة إعلامية، وكل إعلامي، تتناول/ يتناول الحادثة بعيدا عن هذه الرواية أو يشكك فيها. ولم يسلم من هجوم جماعة الحوثي حتى الإعلاميين الذين اقتنعوا بوقوف القاعدة وراء العملية وحملوا جماعة الحوثي جزءا من المسئولية، كونها غير مسئولة عن محاربة الإرهاب. استدعاء جريمة مستشفى العرضي برغم أن جريمة مستشفى العرضي بمجمع وزارة الدفاع في العاصمة صنعاء، كانت أهم وأسرع ما يمكن استحضاره للحديث عن جرائم القاعدة، إلا أنها كانت تُستدعى هنا للتدليل على أن القاعدة لا تكذب، ولانتظار ما سيصدر عنها حول جريمة قتل الطالبات في رداع. وقد تكون المرة الأولى التي لا يزعج فيها تنظيم القاعدة الاستدعاء العام لهذه الجريمة. وصاحب استدعاء هذه الجريمة استدعاء عبارة استشهد بها الكاتب والمحلل السياسي اليمني، د. محمد جميح، تقول إن الحوثيين "يكذبون كما يتنفسون"، للحث على التأني في تصديق رواية جماعة الحوثي حول جريمة طالبات مدرسة الخنساء. القاعدة تنفي بعد ثلاثة أيام من وقوع جريمة قتل الطالبات نفى تنظيم القاعدة وقوفه وراء الجريمة، واتهم جماعة الحوثي بالوقوف وراءها، كما ساق بعض القرائن التي ترجح ذلك، منها أنه قطع الطرق المؤدية إلى مكان العملية التي كانت تستهدف منزل قيادي حوثي قبل تنفيذها بساعة، وأن آثار رصاص وُجدت في أجساد بعض الطالبات، وأن الحوثيين منعوا أسر الطالبات من الإدلاء بأية معلومات لوسائل الإعلام عن الحادثة، بالإضافة إلى نقله عن شهود عيان روايات تدعم ما أراد تأكيده. وبرغم أن دلائل تنظيم القاعدة كانت عبارة عن قرائن ولم تكن أدلة دامغة، إلا أنه لم يصدر عن جماعة الحوثي أي رد على ما جاء في بيان التنظيم، حتى لا تساعد على نشره في أوساط المواطنين الذين سيصدقون رواية التنظيم وليس تكذيب الجماعة لما جاء فيها. واستمرت جماعة الحوثي في التعامل مع روايتها الرسمية للحادثة وفي ابتكار ما يمكن أن يدعمها بصورة تثير كثيرا من الشكوك والتساؤلات. روايتان رسميتان وبعد تأكيد جماعة الحوثي وقوف تنظيم القاعدة وراء جريمة قتل الطالبات في رداع، وتكذيب التنظيم وقوفه وراءها واتهام جماعة الحوثي بذلك، باتت لدينا روايتان رسميتان للعملية، وبات البحث عن قرائن من خارج الروايتين الرسميتين أمرا ملحا؛ للوصول إلى نتيجة مبنية على حقائق أو على قرائن قوية، ولو من طريقة تناول الطرفين للجريمة. مع العلم أن جماعة الحوثي أضعفت موقفها حين ادعت أن تنظيم القاعدة استهدف الطالبات ابتداء، لأنهن مجرد طالبات ولأنه مجرد قاتل، وهو ما يكذبه واقع التنظيم تماما، أما تنظيم القاعدة فقد ورد في بيانه ما يشير إلى أن قتل الحوثيين للطالبات كان عن طريق الخطأ، حين ظن مسلحوه أن الباص الذي كان يقلهن سيارة مفخخة أخرى، وبهذا القرب من المنطق استطاع التنظيم أن يعزز موقفه. قرائن ولكي تنأى جماعة الحوثي بنفسها بشكل كلي، ولو كمتسببة في جريمة يقف وراءها آخرون، هاجمت بشدة وسائل الإعلام التي قالت إن عملية القاعدة، التي تسببت في قتل الطالبات، كانت تستهدف مقرا لمسلحي جماعة الحوثي في وسط مدينة رداع، وعلى رأس وسائل الإعلام التي هاجمتها الجماعة، قناتا الجزيرة والعربية. وهذا الهجوم العنيف، الذي وصل حد الحث على الخروج في مسيرات إلى مكتب القناتين للمطالبة بإغلاقهما، كان بمثابة رسالة تحذير لكل وسائل الإعلام من التعامل مع أية روايات للحادثة تناقض رواية جماعة الحوثي، لأن الجماعة، على ما يبدو، كانت تتوقع توضيحا من القاعدة. ولغرض تأكيد أن المدارس وطلابها باتت هدفا للأعمال الإرهابية، وأن جريمة رداع كانت البداية، أعلنت جماعة الحوثي، الأسبوع الماضي، أن لجانها الشعبية عثرت على عبوات ناسفة بالقرب من مدرستي أروى وبغداد في العاصمة صنعاء. وهذه خطوة خطيرة قد تتبعها خطوات أخطر، كاستهداف طلاب وطالبات مدارس، في العاصمة صنعاء وغيرها، بعمليات لتأكيد صلة تنظيم القاعدة بجريمة مشابهة. وللغرض ذاته، أقامت جماعة الحوثي، الأسبوع الماضي، مراسم تشييع مهيبة للطالبات اللاتي سقطن خلال عملية رداع التي كانت تستهدف مقرا لمسلحيهم. وبخصوص تنظيم القاعدة لا يوجد ما يرجح وقوفه وراء الجريمة سوى تأخر توضيحه، وكذا اعتماده على قرائن وليس على أدلة، لكن التنظيم أعلن مسئوليته عن جريمة مستشفى العرضي في مجمع وزارة الدفاع بعد أكثر من أسبوع، على أن التأخر في التعامل مع عمليات كهذه أكثر منطقية من المسارعة في توجيه الاتهام لآخرين. والمؤكد في كل هذا هو أن لا أحد استهدف الطالبات لأنهن طالبات، وأن استهدافهن، بغض النظر عن الطرف الذي يقف خلفه، تم عن طريق الخطأ، وأن وجود جماعة الحوثي في رداع، بحجة محاربة الإرهاب، يحملها المسئولية كاملة عما حدث، وأن الوقوف إلى جانب الطالبات، وإلى جانب من قد يقتلون مستقبلا ممن لا علاقة لهم بهذه الحرب، يستدعي مغادرة مسلحي جماعة الحوثي تلك المناطق، أما تنظيم القاعدة فإن إخراجه ومحاربته مسئولية الدولة التي تجهز عليها جماعة الحوثي ليل نهار، وهو ما يعني أن جماعة الحوثي لا هي أبقت على دولة قوية تحارب الإرهاب ولا هي كانت دولة قوية لتحاربه، وأن الجماعة سبب رئيسي في حصول الإرهاب على أية مكاسب مستقبلا. * نقلا عن صحيفة الناس