حتى العام 2010م لم يكن لجماعة الحوثي أي تأثير في المشهد السياسي اليمني كما هي عليه اليوم، فقد كانت عبارة عن جماعة تلاحقها صفة التمرد، ومحصورة في بعض مناطق محافظة صعدة، ويمارس أنصارها معتقداتهم وشعائرهم في ظل وجود الدولة وسلطتها المحلية. وخلال الحروب الست التي خاضها نظام صالح ضد جماعة الحوثيين في محافظة صعدة، لم يكن أحد حينها يعرف ما الذي يريده الحوثيون؟ وإلى ماذا يتطلعون؟.. وقتها كان الحوثيون يعلقون على هذا التساؤل بالقول "نحن ندافع عن أنفسنا"، وظل هذا الرد هو الجواب السهل والعملي لقادة الحركة، وهم يبررون للحرب التي خاضتها الدولة معهم، لكن الوقائع على الأرض كانت تشير وتؤكد أن للجماعة أهدافها ومغازيها ومشروعها الذي تبحث عنه وتناضل لأجله. ومن خلال مقارنة بسيطة بين نطاق جغرافيا الحرب الأولى والحرب السادسة، تتجلى بوضوح أهداف ومغازي حركة الحوثي، فالحرب الأولى اقتصرت على عزلة مران التابعة لمديرية حيدان، أما السادسة توسعت لتشمل العديد من مديريات صعدة، وامتدت إلى بعض الأجزاء من محافظة عمران، واتسع نطاقها إلى المناطق الحدودية مع المملكة العربية السعودية، عندما اشتبكت مع حرس الحدود السعودي، ومع كل توسع كانت الحركة تفرض نفسها لتحل محل الدولة، وتقوم بوظائف هي من صميم عمل الدولة، كإقامة المحاكم لحل النزاعات، وإسناد مسؤولية تنفيذ الاحكام الصادرة عنها لعناصرها، وإجبار المواطنين على تسليم الواجبات لخزينتها وليس للدولة. بدايات الظهور عندما اندلعت ثورة 2011م ضد نظام الرئيس السابق صالح، انخرطت الجماعة في صفوف الثورة مثلها مثل أي مكون سياسي آخر، وخرج المواطنون في محافظة صعدة يطالبون بإسقاط النظام كنظرائهم في مختلف محافظات الجمهورية اليمنية، وقوبل وجود الجماعة في الصف الثوري بالارتياح، باعتبار ذلك أحد أهداف الثورة الشعبية التي جاءت لتحقيق المساواة والعدل، ومحطة تأريخية لإنصاف محافظة صعدة من مظلوميتها، بعد ظهور ما يُعرف "قضية صعدة". وجدت الجماعة في الثورة فرصة عظيمة للخروج من قبوها، وحالة الحصار التي فُرضت عليها، فالتحقت بساحات التغيير وميادين الثورة بمختلف المحافظات، وقُوبل حضورها بالترحاب أملا في أن تكون مساهماً فاعلاً في الدولة القادمة التي ينتظرها اليمنيون وثاروا لأجلها. وحين تم التوقيع على اتفاقية نقل السلطة في العاصمة السعودية الرياض، بين صالح وأحزاب المعارضة في ال23 من نوفمبر 2011م بموجب المبادرة الخليجية، لم تكن جماعة الحوثي أحد الأطراف الموقعة، نظرا لعدم امتلاكها حينذاك ما يؤهلها كي تكون طرفاً مؤثراً في المعادلة السياسية اليمنية، لكن ذلك لم يمنعها من إعلان رفضها للمبادرة وكلما تمخض عنها جملة وتفصيلا، معتبرة أنها خيانة للثورة ودماء الشهداء، وبسبب ذلك الموقف ظلت الجماعة بعيدة عن الاتفاقات السياسية التي تمخضت عن المبادرة، بما فيها تشكيل حكومة الوفاق الوطني والانتخابات الرئاسية التوافقية، ولذلك رفضت التصويت على انتخاب هادي، ومنعت الناخبين من الإدلاء بأصواتهم، في محافظة صعدة، وخلت حكومة باسندوة من أي تمثيل للجماعة بعد رفضها وتمنعها من المشاركة فيها. وفي سبيل موقفها ذلك تحولت إلى معارضة رافضة للحكومة، وحشدت في سبيل ذلك الهدف كل طاقاتها وجهودها، مستغلة حالة التذمر لدى شريحة واسعة من الثوار الشباب الرافضين للمبادرة الخليجية، وسعت لاحتوائهم واستثمار سخطهم لتقوية مداميك وجودها، وتكثيف نشاطها الموجه ضد حكومة الوفاق. وعزز من دورها تقاربها مع صالح الذي تفرغ لإجهاض المشهد السياسي بعد خروجه من السلطة، ويثبت التسلسل الزمني لصعود الحوثيين في اليمن، أنهم لم يكتسبوا أي حضور ميداني وثقل سياسي وشعبي إلا بعد تخلي الرئيس السابق عن الحكم، فالجماعة وجدت في نفسها طاقة لمعارضة الحكومة، بعد دخول أحزاب المعارضة الأساسية في شراكة سياسية لإدارة الدولة مع حزب المؤتمر الشعبي العام، أما صالح فقد وجد في الجماعة الأداة الأنسب للانتقام من الخصوم الذين ثاروا ضده أو انقلبوا عليه حسب تعبيره. أمام ذلك الوضع توحدت قناعة الطرفين، وجمعهما قاسم مشترك وهو معارضة حكومة الوفاق الوطني، ونجح صالح في جر جماعة الحوثي نحو إبطه، وانصهر معها في جبهة واحدة، ولم يكن ذلك التحالف خفياً على الأرض، وبدأت ملامحه تتضح بتوحد الموقف الإعلامي والسياسي للطرفين تجاه الأحداث المختلفة، وفي مقدمتها أداء حكومة الوفاق الوطني التي كان حزب صالح مشاركا في نصف مقاعدها، ثم تطور ذلك التحالف ليتحول إلى مساندة ميدانية عملية من صالح وحزبه بالتزامن مع الإجراءات التي اتخذها هادي لتفكيك نفوذ أسرة صالح في السلك العسكري والمدني، ومع التحركات الإيرانية لدعم جماعة الحوثي بالمال والسلاح، وتحول طهران لتصبح مركز استقطاب وإعداد لصناعة الحركة الحوثية وتأهيلها. فرصة مؤتمر الحوار عندما بدأت فعاليات مؤتمر الحوار الوطني رفضت الجماعة المشاركة في فعالياته، وبعد جهود ومفاوضات قادها جمال بنعمر تراجعت عن موقفها وعادت لتلتحق في لجان المؤتمر المختلفة. ومثل مؤتمر الحوار الفرصة الثانية التي ساعدت الجماعة على النمو والتشكل، واستطاعت من خلاله أن تحصل على مكاسب جديدة مكنتها من التوسع السياسي والبناء التنظيمي الذي يحلو لها، فمن خلال النسبة المخصصة لها من الأعضاء المشاركين في المؤتمر، عملت الجماعة على استقطاب العديد من الشخصيات الجديدة من خارج صفها لترشحهم كممثلين عنها في المؤتمر، أملا في إغرائهم بالانضواء في إطارها، واحتوائهم داخل الجماعة خصوصا تلك القيادات التي تنتمي للأسر الزيدية وتشغل مواقع رفيعة في مختلف قطاعات الدولة. استغلت الجماعة هذه الفرصة لتعمل على إحتواء أكبر عدد من تلك الشخصيات، وتضمهم نحو مشروعها، وبدأت تعمل على إحياء الإرث السلالي كأرضية مشتركة لتلك الأسر، وعمدت لتحويل الجماعة إلى محضن وكيان سياسي جديد يعبر عنهم، وينصهروا داخله في إطار حركة دينية سياسية لاستعادة سلطة الحكم التي فقدوها، ومن الجدير بالذكر هنا أن جماعة الحوثي ظلت بهذه التسمية التي ترتبط باسم مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي، وخلال مؤتمر الحوار الوطني أطلقت الجماعة على نفسها اسم "أنصار الله"، وهذا الاسم لا يعدو عن كونه اسماً سياسياً فقط، أما على المستوى الجماهيري والفكري فإن الاسم الطاغي هو ذلك الاسم الذي عُرفت به ولازمها منذ تشكلها كجماعة "الحوثي"، أو "الحوثيين". تلك التسمية الجديدة فرضتها مقتضيات المرحلة التي مرت بها الجماعة، ورغبتها في توسيع دائرة الانتماء لها، وتجاوز تهمة التمرد التي التصقت بها منذ الحرب الأولى في 2004م، وتخفيف حدة التذمر داخل الأسر الزيدية التي يرى بعضها أن الاسرة الحوثية ليست جديرة بزعامة البيت الزيدي، مع وجود أسر أحق بالزعامة والصدارة منها. ومثلما نقل مؤتمر الحوار الوطني الحوثيين من دائرة الجماعة الصغيرة المتمردة إلى التنظيم العام، سعت الجماعة إلى صبغ حركتها بالصبغة المذهبية السلالية، التي تجمع في إطارها كل المنتمين للمذهب الزيدي المؤمنين بأفكارها وتوجهاتها، وعملت على توزيعهم على مختلف المواقع القيادية والمفصلية داخل الجماعة أو في المناصب الرسمية، وفشلت في التحول إلى حزب سياسي عام يستوعب الجميع بغض النظر عن السلالة أو المذهب أو الانتماء والجغرافيا. وخلال مشاركتها في المؤتمر حصلت الجماعة رغم حداثة تجربتها السياسية على امتيازات تقارب ما حصلت عليه بعض الأحزاب العريقة في العمل السياسي، وفي الوقت الذي كانت فيه القوى الثورية منشغلة بعملية الانتقال السياسي للسلطة، والتهيئة لاستكمال البنود التي نصت عليها المبادرة الخليجية، ومؤتمر الحوار الوطني، كانت الجماعة الحوثية قد حصلت على ما يؤهلها لتصبح لاعباً أساسيا في المشهد اليمني، مستفيدة من المتغيرات التي طرأت على المستوى الإقليمي، خصوصاً في مصر التي تعرضت تجربتها السياسية للنكسة بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين هناك. وبينما كانت جماعة الحوثي تشارك الأطراف الاخرى وجهات النظر حول القضايا التي تضمنها جدول مؤتمر الحوار، كانت تناقض نفسها ميدانياً عندما بدأت بالتوسع وشن الحروب والغارات المسلحة على المحافظات المجاورة، وحملات التضييق على سلفيي دماج والتي انتهت بترحيلهم من محافظة صعدة. ولم يكد حبر مؤتمر الحوار الوطني وما تضمنه من توصيات يجف، حتى بدأت الجماعة بالتوسع، وإثارة الخلافات وافتعالها مع الخصوم، وكانت النتيجة سقوط محافظة عمران بعد مقتل قائد اللواء 310 العميد حميد القشيبي، وتخلي الدولة عن مسؤوليتها، عندما وضعت الجيش في خانة الحياد، ومنح ذلك السقوط الجماعة نفوذا إضافياً برعاية رسمية، ودفعها للتقدم نحو العاصمة ومحاصرتها بحجة إسقاط قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية الذي أعلنه هادي في ال30 من يونيو الماضي.