اكتمل انقلاب الحوثيين على ثورة 2011 في اليمن يوم الجمعة الماضي بالإعلان الدستوري الذي أصدروه وجعل منهم وحدهم مناط السلطة في اليمن، وكان ذلك نتيجة طبيعية لتطورات وقعت منذ شهور بدءاً بسقوط صعدة وعمران وغيرهما في أيديهم، مروراً بإحكام الحصار حول صنعاء بالمظاهرات والاعتصامات بغرض إسقاط الحكومة ثم اقتحامها في 21 سبتمبر الماضي. وكذلك نتيجة طبيعية لتواطؤ علي عبدالله صالح ومؤيديه العسكريين والقبليين، ونتيجة طبيعية لسيطرة الحوثيين بعد اقتحامهم صنعاء على كل مفاصل الدولة فيها وتمددهم خارجها، ونتيجة طبيعية لاستيلائهم على القصر الرئاسي بالطريقة نفسها التي استولوا بها على صنعاء. ونتيجة طبيعية للظروف الإقليمية والعالمية التي أحاطت بمخططهم من قوة إقليمية رئيسية تدعمهم إلى نظام عربي منكفئ على ذاته يحاول أن يدافع عن بقائه، إلى قوة عالمية مرتبكة لغياب رؤيتها الاستراتيجية وضائعة بين محاولات التفاهم مع خصمها الإقليمي اللدود ومواجهة «القاعدة» و«داعش» غير ملتفتة إلى الآثار السلبية لهذا الارتباك على أصدقائها في المنطقة. صدر الإعلان الحوثي بعد ساعات من انهيار المفاوضات مع القوى السياسية بعد اشتراط حزب «التجمع اليمني للإصلاح» ترتيب الوضع الأمني بصنعاء وانسحاب مسلحي الحوثيين الذين يسيطرون على كل مفاصل الدولة وهو ما رفضوه وأدى ذلك إلى تأجيل المفاوضات إلى السبت غير أنهم سارعوا إلى إعلانهم الدستوري الذي يرمي إلى إحكام سيطرتهم على اليمن بحجة أن التوافق على حل وصل إلى طريق مسدود. وقد تضمن الإعلان حل مجلس النواب وتشكيل مجلس وطني بديل من 551 عضواً يقوم بانتخاب مجلس للرئاسة من خمسة أعضاء لإدارة البلاد تحت رقابة اللجنة الثورية العليا لعامين انتقاليين تنفذ خلالهما مخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي تم التوصل إليه عقب سيطرتهم على صنعاء. وقضى الإعلان بأن يكلف مجلس الرئاسة بتشكيل حكومة جديدة كما منح اللجنة الثورية صلاحية مطلقة للموافقة على اختيار أعضاء المجلسين الوطني والرئاسي والرقابة المباشرة على أداء الحكومة واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد كل التهديدات. وأشار الإعلان إلى صدور إعلان دستوري مكمل من قبل اللجنة الثورية أيضاً يحدد مهمات المجلسين واختصاصاتهما كما أكد حماية الحقوق والحريات وحسن الجوار بين اليمن والدول الأخرى. لا يحتاج الإعلان جهداً لفهم مراميه فهو يضع اليمن بكل مؤسساته التنفيذية والتشريعية في قبضة الحوثيين، فأعضاء المجلس الوطني سيتم اختيارهم بالتعيين وليس بالانتخاب وستكون الكلمة العليا في هذا الصدد للقيادة الحوثية بطبيعة الحال، وبالتالي لا يحتاج الأمر جهداً للتنبؤ بالنحو الذي سيأتي عليه المجلس الرئاسي أو الحكومة الجديدة ناهيك عن أن هذا كله سيجري تحت رقابة اللجنة الثورية!. ويعني هذا أن الحوثيين يحاولون ابتلاع ما يزيد بكثير على طاقة معدتهم على الهضم، وسيحاولون بطبيعة الحال التوصل إلى تفاهمات مع القوى السياسية إن لم يكونوا قد أنجزوا بعض هذه التفاهمات بالفعل، غير أنهم لن ينجحوا في هذا إلا إذا عادوا إلى حجمهم الطبيعي كفصيل سياسي يمني ضمن فصائل عديدة وهو ما يتناقض مع سلوكهم حتى الآن، وقد بادر شباب ثورة 2011 بالتظاهر ضد الخطوة الحوثية وإن كان الحوثيون قد ردوا بالعنف، وأصدر «شباب ثورة فبراير» بياناً اعتبر صنعاء عاصمة محتلة من ميليشيات طائفية مسلحة اغتصبت السلطة وقوضت الدولة اليمنية. وأعلن حزبا «المؤتمر الشعبي العام» و«التجمع اليمني للإصلاح» اعتراضهما وأولهما تواطأ بقيادة الرئيس السابق مع الحوثيين فهل هي حيلة جديدة أم أنه بدأ يتجرع كأس السم الذي سقاه الرئيس عبد ربه منصور هادي؟ والثاني دهمته الأحداث ولا يدري أحد ماذا بقي في جعبته، وحتى الآن فإن المؤشرات قوية على أن القوات المسلحة اليمنية قد سلب الحوثيون الكثير من أسلحتها طوعاً أو كرهاً ناهيك عن الموقف السياسي لقادتها الذين ربما تكون الصفقة قد شملت بعضهم على الأقل! وثمة علامات استفهام حول موقف الحراك الجنوبي ما بين الاعتراض على ما وقع غير أن هذا لن يوظف بالضرورة في خدمة اليمن المستقر الموحد وإنما قد يكون ذريعة للانفصال. كما لا ننسى أن الحوثيين قد سبقت لهم مغازلة الحراك والنفاذ إلى بعض فصائله وأذكر هنا بالدعم الإيراني القديم لأهم المطالبين بالانفصال، أما القبائل فقد أرهقت الدولة اليمنية طويلاً ولكن صوتها ما زال غير مسموع حتى الآن باستثناءات قليلة. وقد اعترض مجلس التعاون الخليجي ومجلس الأمن وكذلك الولاياتالمتحدة أخيراً ولكن كل هذه الاعتراضات لم تختبر حتى الآن على محك التأثير الفعلي. لقد هان اليمن على قادته فتوزعوا ما بين مغلبين لمصالحهم السياسية بل الشخصية الضيقة، ومختبئين أملاً في تفادي الإعصار وقلة حاولت أن تتقي الله في وطنها وشعبها، غير أن هذه القلة تعمل في ظل ظروف بالغة الصعوبة ولا تلقى دعماً خارجياً يقارن بما يحصل عليه الحوثيون من إيران، فهل يهون اليمن على شعبه وشبابه أيضاً؟ وهل يواصل العرب سكوتهم عن تقدم المشروع الإيراني في وطنهم؟