يخطىء من يصور المعركة الجارية فى اليمن ،على انها مجرد معركة بين شرعية الرئيس هادى والحركة والسلطة الانقلابية للحوثيين . فجوهر المعركة ليس كذلك ،اذ هى معركة اعمق واوسع واشد شمولا ،لا يشكل الصراع الجارى حول شرعية الرئيس وعدم مشروعية انقلاب الحوثيين ،الا مظهرا وجانبا من جوانب المعركة ،وربما ليس الاهم . ومثل هذا التوصيف غير الدقيق او غير الكامل او الجزئى ،قد يشكل خطرا شديدا على امكانية تحقيق الانتصار فى المعركة ،اذ هو يعطى الحوثيين فرصة للمناورة والمخادعه وتشكيل تحالفات هنا وهناك ،وهو من قبل ومن بعد لا يمكن الشعب اليمنى وقواه الفكرية والسياسية من صياغة رؤية وخطة استراتيجية تتناسب مع طبيعة المعركة وجوهرها الاساس. وتحديد طبيعة المعركه –سؤال التوصيف-ليس عملا ثقافيا او فكريا يحقق متعة عقلية للكاتب او القارىء بفك طلاسم المعارك وثبر جوهرها واغوارها ،بل هو الجوهر الذى تتحدد على اساه استراتيجيات الصراع بكافة تفاصيلها الدقيقة. ومن يصل الى تحديد صحيح لطبيعة المعركه ،هو من يستطيع خوض المعركه بشكل صحيح ،ومن يفعل غير ذلك ،فهو يخوض الصراع فى اتجاهات ثانوية ،يركز خصمه جهوده الشاملة ليحقق اهداف ابعد مدى تحقق له التغيير الشامل للمعادلات . لقد جرى الوقوع فى مثل هذا الخطا ،حين جرى وضع رؤى وخطط استراتيجيات مواجهة الغزو والاحتلال البريطانى لفلسطين ،واعلان الوصاية الدولية هناك ،وحين جرى اعلان قيام الكيان الصهيونى . لم يدرك العرب والمسلمون انهم امام حرب صفرية فى المكان وانها فى جوهرها جوهرها عقائدية وحضارية ،وان استراتيجيات المواجهة يجب ان تحدد على هذا الاساس،فيما كان الخصوم قد حددوا هذا الطابع للمعركة وحددوا استراتيجياتهم على هذا الاساس ،بدءا من التحالفات الدولية وحتى اساليب الصراع. كان العرب يبحثون عن قضيتهم فى الاروقة الدولية- او لدى الدول صاحبة القرار العقائدى والحضارى فى ابادة السكان العرب وهويتهم وحضارتهم- او فى حوار الاديان او من خلال استخدام سلاح اقل كفاءة مما لدى خصومهم..الخ . وجرى نفس الامر فى فهم الاحتلال الامريكى للعراق .فتصور البعض انها عملية غزو تستهدف السيطرة على النفط ،وتصور اخرون المعركة محاولة لتغيير التوازنات لمصلحة الكيان الصهيونى ،وهناك من جمع بين الامرين ،واضاف ابعادا تتعلق برؤية امريكية تسعى لاقرار الديموقراطية كنمط معتمد فى نظام دولى جديد . لكن الاحداث اثبتت ان الغزو والاحتلال جاء صراعا عقائديا ونمطا من انماط الابادة وكسر الشوكة العقائدية والحضارية للمسلمين (السنه) ومواجهة التحولات الجارية لاستعادة مجد ودور الحضارة الاسلامية ..الخ . ولايضاح الامر اكثر –ارتباطا باللحظة والموضوع-فقد راينا منذ ايام ،كيف حدد على يونس مستشار الرئيس الايرانى ،طبيعة المعركة التى تخوضها ايران ضد المسلمين والعرب ،اذ تحدث عن حرب هوية تخوضها ايران لاستعادة العراق الذى سيطر عليه المسلمون عند الفتح الاسلامى ،وعن حرب تاريخية حضارية تخوضها ايران ضد من سماهم المتطرفين فى العالم الاسلامى من عثمانيين جدد وتكفيريين ووهابيين ،وعن حرب لاعادة تشكيل امبراطورية فارسية تهيمن على كل دول الشرق الاوسط (لم يستثن احد). هذا التحيد لطبيعة المعركه هو ما تاسست عليه استراتيجية ايران ،لاعادة بناء الامبراطورية الفارسية الحديثة.ولذا راينا خطة –اخذت وقتها- لتحويل التشيع الراكد الى مسيس ،وتغيير الفكرة العقائدية الى الاثنى عشرية ،لجعل ولاية الفقيه (فى ايران) هى المرجعية العليا التى لا قرار لشيعى (فى العالم) اعلى منها ،وليس لاحد الا الولاء لها والانصياع لقرارها باعتباره امرا عقيديا . وراينا كيف جرى نقل التشيع من الحالة السياسية-العقائدية الجديدة الى الخانة العسكرية وصولا الى مرحلة المواجهة المسلحه مع جيوش الدول وحركاتها السياسية . وبناء على هذا الوضوح جرى التحالف المخطط مع الولاياتالمتحدة فى عمليات الاحتلال والحرب التفكيكية للدول وعلى السنة العرب فى كل الاقليم (قاتلت ايران وميلشياتها العراقية ضد المقاومة العراقية واعتبرتها خطرا عليها) وفى افغانستان..الخ. لقد جرت المشاركة والقيادة والادارة لحرب السنة فى العراقوسوريا بعد تفكيك الدول القائمة ،كما جرى وتجرى اعمال احتلال الارض وقهر الشعوب وشيطنة الحركات الاسلامية السنية واقامة التحالفات مع كل الاقليات فى العالم الاسلامى ..الخ . اذن ما هى طبيعة المعركه الجارية بين الشعب اليمنى والحوثيين ؟.يمكن وصف المعركة الجارية هناك ،بانها بين الشعب اليمنى والحوثيين ،وهذا هو الوصف الادق ،اذ نحن امام تغيير لهوية المجتمع من قبل فئة متحولة على صعيد هويتها العقائدية والفكرية.ويجب القول بان المعركة الجوهرية فى اليمن ،تتعلق بهوية اليمن وانتماءه ،وهى معركه يخوضها الشعب اليمنى فى مواجهة نقل اليمن من الجسد العربى الى الامبراطورية الفارسية. لقد انتقل قطاع من الشعب اليمنى حالة التشيع اليمنية القديمة، الى وضعية الحركة الحوثية ،التى باتت مرتبطة بولاية الفقيه الايرانى ،وتريد نقل المجتمع الى تلك الحالة .لقد تحولت الحركة الحوثية للنمط السياسى النشط والى الوضع العسكرى القتالى خلال حكم على عبد الله صالح ،ضمن نشاطها لنقل التشيع "الايرانى" الى داخل اليمن وتعميقه خطوة خطوة . لقد نشطت لتحقيق هذا الهدف خلال مرحلة العمل السياسى وخلال الحروب الستة ضد الجيش اليمنى ،وما اللجان الشعبية والثورية –فى المرحلة الاخيرة الراهنة-الا الباسيج الايرانى وهى المرادف الان للحشد الطائفى المقاتل فى العراق وللقوات والمجموعات الحماية الشعبية فى سوريا .وذاك عنوان مرحلة للخطة الايرانية فى الاقليم كله . وهنا فنحن امام خطة استراتيجية تتحرك للسيطرة على مناطق او مواقع او مؤسسات وصراع يجرى مرة ضد صالح ومرة بالتحالف معه (مراجعة تجربة تحالفات حزب الله فى لبنان مهمة هنا) وحوارات ومفاوضات ،وقد تجرى الامور غدا باتجاه الحرب او التقسيم ..الخ . وكل تلك مظاهر لخطة نقل اليمن من هوية وانتماء الى اخرى .وهو ما يتطلب خطة استراتيجية على هذا المستوى ،تربط بين شرعية هادى وبناء اليمن العربى الاسلامى . خطة تعمق الهوية وتحشد الشعب حولها ولا تتساهل بشانها فى هذه المفاوضات او تلك ،كما لا يجرى خوض المعارك العسكرية هناك –كما هو جار الان او وفق ما تتطور اليه الاحداث –الا ضمن تلك الرؤية .الرؤية الحضارية الشاملة لطبيعة المعركة الجارية . لا نقصد هنا اذن ،عدم الاهتمام بمعركة شرعية الرئيس بطبيعة الحال ،لكن ما نقصده ان يجرى خوض المعركة (معركة الرئاسة والشرعية) وفق ادراك انها احد جوانب الصراع وليست كل الصراع او هى مبنية على شرعية الهوية لا شرعية الانتخاب بالمعنى العددى والتصويتى ،حتى يمكن القول بان عودة الجامعات والمدارس الاسلامية والمؤسسات الاهلية التى خربت ودمرت ليست اقل شانا من عودة الديموقراطية . وان حشد الشعب اليمنى وتوعيته بابعاد معركة الهوية ليس اقل اهمية من حشد القبائل لدعم الرئيس او للقتال ضد الحوتيين. وان اعادة بناء الجيش اليمنى على اسس عقائدية واضحه قد يكون فى نفس مستوى تسليح هذا الجيش ..الخ. وهنا تاتى الاهمية الفائقة للتحالف السياسى المجتمعى الذى اعلن عنوانا للمواجهة مع التشيع العسكرى للحوثيين.