الشهيد اللواء الغماري.. توج دوره الجهادي على طريق القدس    وزير الدفاع : الشهيد الغماري بذل كل جهده ووقته في عمله الجهادي العظيم    في خطابه التعبوي المهم .. قائد الثورة: الشهيد الغماري أسهم بدور كبير في معركة إسناد غزة    العمل الإنساني.. بين الشعار والغِطاء الاستخباراتي    جمعت بين الدقة و الفاعلية والكلفة: الطائرات المسيّرة .. تكتيكات حديثة غيرت التوازنات وقواعد الاشتباك    فيما تم تدمير 300 لغم من مخلفات العدوان .. المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام يبحث توسيع الشراكة والتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر    الاتحاد السياحي اليمني يكشف عن فساد في مجلس الترويج السياحي    قراءة تحليلية لنص "رغبة في التحليق" ل"أحمد سيف حاشد"    لجين الوزير.. مهندسة إنتاج حيواني حوَّلت التحديات إلى فرص    سامي غالب يطالب الداخلية والنيابة بعدن بايضاح أسباب اعتقال الكابتن طيار محمد المتوكل    "البريميرليغ": يونايتد يواصل صحوته ويلحق الهزيمة الرابعة توالياً بليفربول    روسيا تحقق مكاسب قدرها 142 مليار دولار من الذهب خلال عامين    قافلة من وادي حضرموت تصل إلى الضالع دعماً للمقاتلين وتجسيداً لوحدة الصف الجنوبي    بالخريطة .. المرور يعلن اغلاق شارع هام بصنعاء !    الإمارات شعلة العلم في سماء الجنوب .. من بناء المدارس إلى ابتعاث العقول.. بصمات لا تُمحى في مسيرة التعليم الجنوبي    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة المناضل والأكاديمي محمد الظاهري    ويستمر العذاب.. الكهرباء سلاحٌ سياسي لتركيع سكان عدن    اليمنيون يستعدون لوداع كبير يليق بالشهيد القائد الغماري    أبعدوا الألعاب الشعبية عن الأندية!    جهة مجهولة تشتري أوراق أشجار الراك في حضرموت    رئيس تنفيذية انتقالي لحج الحالمي يُعزي الشيخ نائف العكيمي في وفاة والده    الكثيري يؤكد دعم الانتقالي لتطوير منظومة النقل البحري ويشيد بجهود هيئة الشؤون البحرية بالمكلا    وزارة الإعلام تُكرم الفائزين بمسابقة أجمل صورة للعلم اليمني    اليمن تحقق ذهبيتين في فئة الناشئين بالبطولة العربية للجودو في العراق    السامعي: عقولنا منفتحة للحوار وأيدينا ممدودة لكل أبناء الوطن    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    الأرصاد ينبه من الأجواء الباردة على المرتفعات ويتوقع هطول أمطار على بعض المحافظات    حين تتزين الثورة بالترف... تموت الفكرة وتُباع القضية    اجتماع موسع للامناء الشرعيين لمناقشة آلية تفعيل وتنفيذ وثيقة تيسير الزواج في البيضاء    عدن.. مصلحة الجمارك توضح حول رفع سعر الدولار الجمركي    الأرصاد يكشف عن تكوّن منطقة ضغط جوي منخفض فوق جنوب شرق بحر العرب    700 طالب وطالبة يؤدون اختباراتهم في المعهد العالي لتأهيل المعلمين بذمار وفرعيه    البايرن يخطف «الكلاسيكر» ويوقف سلسلة دورتموند    كلاسيكو النصر والاتحاد بصافرة محلية    أتلتيكو يتخطى أوساسونا.. وبيتس يعود بالتعادل    دعوة هامة إلى لمّ الشمل الجنوبي: "الوحدة والوعي هما سلاحنا الأقوى"    كونفدرالية بين اليمن والجنوب.. وسعي عربي للقاء بين الانتقالي والحوثيين    إشادة بتمكن عامر بن حبيش في احتواء توتر أمني بمنفذ الوديعة    سياسة التجويع لا تبني عدالة: حين يتحول القاضي من حارسٍ للحق إلى ضحيةٍ للسلطة    ساري يضغط بقوة لضم انسيني الى لاتسيو    اسبيدس توضح حول انفجار سفينة غاز مسال قبالة سواحل اليمن    ارسنال يتصدر البريميرليج من جديد    الدوري الايطالي: الانتر يجر روما للهزيمة في الأولمبيكو    قراءة تحليلية لنص "العيب المعوَّق للمعرفة" ل"أحمد سيف حاشد"    هيئة الآثار تدعو للتعرف على متاحف اليمن عبر موقعها الإلكتروني    السقاف يزور الشاعر المخضرم عبدالله عبدالكريم للاطمئنان على صحته    حضرموت بحاجة إلى مرجعية دينية بحجم السيد "الحداد"    لو فيها خير ما تركها يهودي    المداني خلفا للغماري .. بعضاً مما قاله خصمه اللدود عفاش في الحروب الست    هيئة الكتاب تصدر كتاب "مفهوم الشرق الأوسط الجديد"    إشهار منصة إرث حضرموت كأول منصة رقمية لتوثيق التراث والتاريخ والثقافة    اليمن انموذجا..أين تذهب أموال المانحين؟    ابتكار قرنية شفافة يقدم حلا لأزمة نقص التبرعات العالمية    معهد امريكي: شواء اللحوم يزيد خطر الاصابة بالسرطان    متى يبدأ شهر رمضان 2026/1447؟    أبناء وبنات الشيباني يصدرون بيان ثاني بشأن تجاوزات ومغالطات اخيهم الشيباني    الرمان... الفاكهة الأغنى بالفوائد الصحية عصيره يخفض ضغط الدم... وبذوره لها خصائص مضادة للالتهابات    ما فوائد تناول المغنيسيوم وفيتامين «بي-6» معاً؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاصفة الفوضى السياسيّة في اليمن
نشر في الخبر يوم 03 - 04 - 2015

دخلت اليمن أتون صراع إقليميّ بشدّة منذ سقوط العاصمة في أيلول/سبتمبر الماضي في يدّ الحوثيّين، ووصل الوضع السياسيّ إلى أفق مسدود، باستقالة رئيس الدولة ورئيس الوزراء في كانون الثاني/يناير الماضي، وثمّ بالفشل الكامل في الوصول إلى تسوية داخليّة، بينما استمرّ تمدّد الحوثيّ عسكريّاً.
تحوّل اليمن إلى ساحة عمليّات عسكريّة مسلّحة لتحالف واسع من عشر دول هي كلّ دول الخليج، ما عدا سلطنة عمان، إضافة إلى الأردن ومصر والسودان والمغرب ومعها باكستان، ممّا يكشف عن حجم القلق من التمدّد الإيرانيّ. فهل هناك ما كان يبرّر هذا القلق؟
للمسألة أبعاد عدّة أوّلها متعلّق بالحوثي، وخفّته المستهترة بالتعامل مع السعوديّة ومصالحها في اليمن، حيث لم يحاول الحوثي طمأنة مخاوفها، ثم تجاوز ذلك بتمكين إيران من أمور حيويّة في اليمن، مثل تسليم ميناء الحديدة في 13 آذار –ثاني أكبر ميناء في اليمن- إلى شركة إيرانيّة.
وانتقل الحوثي إلى مرحلة الاستفزاز من خلال مناوراته العسكريّة على حدود السعوديّة، وتصريحات قيادات الصفّ الأوّل المعادية للسعوديّة إلى درجة هزليّة، مثل الحديث عن اجتياح الرياض قريباً.
وأخيراً، أغلق الباب ورفض دعوات الحوار في الرياض ثم الدوحة.
البعد الثاني هو صراع الأجنحة داخل المملكة العربيّة السعوديّة، وهذا واضح من خلال إشارة حسن نصر الله في خطابه في 27 آذار عن محاولات الحوثيّين التواصل مع السعوديّة لطمأنتها، لكنّ هذه المحاولات انقطعت بعد تولّي القيادة الجديدة للحكم، خصوصاً لو علمنا أنّ وزير الدفاع السعودي الحالي هو ابن الملك سلمان وعمره لا يتجاوز الثلاثين وهو بهذه الحرب يقوي موقفه كوريث محتمل لوالده بحكم إن الجيل الاول من ابناء الملك عبدالعزيز سعود انتهى واخرهم سلمان واخيه ولي العهد ولا بد من الانتقال للجيل الثاني في الأسرة المالكة وهو جيل الابناء الذي يعد سلمان احدهم.
البعد الثالث هو خطأ الحسابات الإيرانيّة التي اعتمدت على حليف جامح وصعوده المفاجئ، ولأنّه مفاجئ فهو ليس دليلاً على قوّته الحقيقيّة، بل على ظروف سياسيّة وقتيّة ومرتبطة في شكل كبير بحليف موقّت هو الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
لم تحاول إيران تهدئة جموح الحوثي العسكريّ، وتصوّرت واهمة أنّ هناك إمكانيّة لفرض سلطته على اليمنيّين بالسلاح. ويبدو جليّاً من خلال تعليقات المحلّلين والسياسيّين الإيرانيّين أنّ هناك جهلاً واضحاً لحجم تعقيدات الوضع السياسيّ والاجتماعيّ في اليمن.
تجاهلت إيران المتلهّفة إلى بناء مساحة نفوذ جديدة في اليمن أنّ النفوذ السعوديّ تراكم عبر سنوات طويلة وضمن أدوات متعدّدة لم يكن السلاح والدين أبرزها أو الأدوات الوحيدة، كما فعلت إيران التي دخلت اليمن بخشونة من دون وجود أيّ قوّة ناعمة، بينما كانت السعوديّة بكلّ تدخّلها الحريص على إضعاف الدولة اليمنيّة، تعتمد أدوات ناعمة وخشنة عدّة، وربّما أبرز أدواتها الناعمة أنّها كانت دولة مضيفة لجالية يمنيّة كبيرة على امتداد عقود طويلة، تضمّ حاليّاً قرابة المليوني شخص، ولذلك تأثير اقتصاديّ وثقافي كبير وليس سهلاً على اليمنيّين.
كما أنّ النفوذ السعوديّ داخل اليمن بكلّ ما ضخّته الدولة السعوديّة من أموال ليس بالمطلق، فالسعوديّة خسرت مرّات عدّة في اليمن، عندما ساندت مثلاً النظام الملكيّ- الإماميّ في الستّينيّات، وانتصر الطرف الجمهوريّ، ثم دعمت مطالب الانفصال من الحزب الاشتراكيّ في عام 1994، وكسب الطرف الثاني، وما بينهما الكثير مثل نشوء جمهوريّة شيوعيّة في الجنوب (1970- 1990)، ووقوف اليمن في صفّ العراق أثناء احتلال الكويت، وغيرها من أمور تكشف أنّ مسألة النفوذ السعوديّ المطلق وهم حقيقيّ في بلد معقّد مثل اليمن، حيث يمكن للمال استئجار أطراف وشخصيّات لكن ليس شراؤها، أي أنّ الولاءات وموازين القوى تتقلّب في استمرار.
وتعرّض الإيرانيّون إلى عمليّة تضليل واسعة من قبل حلفائهم الذين قالوا لهم إنّ الإمامة الزيديّة حكمت اليمن لمدّة ألف عام، ولها إرث سياسيّ طويل يمكن إحياؤه، وهذه معلومة تاريخيّة شائعة لكنّها ليست صحيحة، كما أنّ هناك حقائق حيويّة مثل سقوط النظام الإماميّ في الستينيّات، الذي خلّف وراءه ثأرات تاريخيّة تتذكّرها المجتمعات المحليّة، التي تخشى من أيّ امتدادات لهذا النظام.
كذلك، فإنّ ثورة 2011، قامت لإسقاط نظام لليمنيّين حساسية كبيرة ضدّ خلفيّته المناطقيّة المرتبطة بشمال صنعاء، وهي المناطق الزيديّة نفسها.
ويفسّر ذلك الحراك الشعبيّ الواسع الذي شهدته المحافظات اليمنيّة ضدّ الحوثيّين منذسقوط العاصمة في 21 أيلول 2014، وشمل محافظات زيديّة أصيلة مثل ذمار.
لم يكن تعويل الحوثيّين على مخزون مشاعر كراهية اليمنيّين ضدّ السعوديّة التي وقفت حجر عثرة أمام ثوراتهم في العامين 1962 و2011 وكلّ تطلّعاتهم للتغيير وبناء دولة قويّة، كافياً بعد عشرة أشهر على شنّ حروب متواصلة ضدّ اليمنيّين، آخرها إعلان التعبئة العامّة لاجتياح محافظات جنوبيّة، ولم تصبح شعاراتهم الشعبويّة ضدّ الفساد ومراكز القوى جذّابة للكثيرين بعد تعاملهم الإقصائيّ والقمعيّ مع الجميع، حتّى صارت خشية الكثير من اليمنيّين من الحوثيّين تتجاوز خشيتهم من تدخّل خارجيّ، خصوصاً أنّ الحوثي لم يتردّد في استخدام الطيران ضدّ اليمنيّين، ومحافظة البيضاء مثال حيّ على ذلك.
لذا، فإنّ الدعم الشعبيّ لهذا التدخّل في بعض المحافظات الجنوبيّة والشرقيّة كبير بالفعل.
تسعى السعوديّة من خلال هذه المعركة إلى تدمير قوّة صالح والانتقام منه، لأنّها تشعر تجاهه بالثأر الشخصيّ، بعدما انقلب عليها وتحالف مع الحوثي.
وهذا هو الأقرب إلى واقع الأمور لأنّ الضربات لا يمكن أن تطال ميليشيا مثل الحوثي، فلا شيء تخسره، وترى أنّ مجرّد بقائها انتصار، والضربة ستنجح فقط بتجريدها من قوّتها الزائدة وإعادتها إلى ميليشيا محدودة القوّة العسكريّة. بل الضربات هي في الواقع حملة تستهدف الجيش اليمنيّ بكلّ معسكراته وأسلحته، والذي تمتلك أميركا كلّ المعلومات الاستخباراتيّة الكافية عنه.
كان العامل الحاسم للتدخل العسكريّ هو تجاهل الحوثيّين كلّ التحذيرات الدوليّة من التمدّد نحو المحافظات الجنوبيّة والسيطرة على باب المندب، ممّا رفع عنهم أيّ غطاء دعم دوليّ.
فحتّى إيران لن تتمكّن من الدفاع عنهم طويلاً بمفردها، لذا فإن النتائج العسكري للمعركة سوف تحسم لصالح الطرف الاقوى المملكة العربية السعودية وتحالفها لأنها تواجه الجيش اليمني وهو في الغالب قوة صالح العسكرية مضاف لها قوة الحوثي العسكرية، وكليهما يشكلان قوة عسكرية أضعف بكثير من السعوية، اضافة إلا إن قوة صالح- الحوثي العسكرية لا تحظى بأي دعم شعبي خارج صنعاء واقصى الشمال، حيث يؤيد الضربات العسكرية السعودية شريحة واسعة من الشعب اليمني، تحديداً في المحافظات الجنوبية والشرقية. هذا غير الدعم الدولي الواسع للسعودية في تدخلها العسكري. لكنّ كلفة هذه العمليّة على اليمن سياسيّاً وإنسانيّاً باهظة جدّاً.
فالتدخّل سوف يسفر عن دمار القوّة العسكريّة النظاميّة، ممّا سيفرض واقعاً سياسيّاً فوضويّاً في ظلّ غياب أيّ قوّة عسكريّة مرجّحة تستطيع فرض سلطتها، كذلك مع وجود الحوثي في الشمال كميليشيا تظلّ هي الأكثر تدريباً وتنظيماً، ونواة ميليشيا قبليّة في مأرب، ونواة أخرى لميليشيات اللجان الشعبيّة في عدن، ممّا سيخلق حالة فوضى سياسيّة عارمة في اليمن.
الفوضى السياسيّة في بلد مساحته نصف ميلون كم2 ويقطنه 25 مليون نسمة، بعد دمار البنية التحتيّة ومقتل الكثير من المدنيّين في الغارات العنيفة، سوف تستنزف السعوديّة في مرحلة ما بعد المعركة، حيث ستظلّ إيران قادرة على إيجاد مساحات جديدة للتدخّل في اليمن وإدخال السعوديّة في دوّامة تلو الأخرى.
معركة عاصفة الحزم نتائجها محسومة عسكريّاً، لكن سياسيّاً، لن يكسب منها أحد داخليّاً أو خارجيّاً، وسوف تؤسّس إلى حالة فوضى طويلة الأمد في بلد كاليمن، مشاكله وتعقيداته كثيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.