الفوضى في الشرق الأوسط تعد عرضاً جيوسياسياً جانبياً عندما توضع على خلفية إعادة ترتيب العلاقات بين القوى العظمى، خصوصا حينما يتم النقاش حول مستقبل القوة الأميركية عام 2050 في ظل شكوك الحلفاء والخصوم بأن تبقى الولاياتالمتحدة في السير في نفس المسار. رغم أن هناك من يرى بأن مكونات القوة الأميركية، منها الجغرافيا، والديموغرافيا، والموارد، والحيوية الاقتصادية، والبراعة التكنولوجية، والقوة العسكرية، والحيوية الاقتصادية وغيرها تجعل الولاياتالمتحدة لا تزال تمسك بزمام القيادة حتى الآن وحتى في المستقبل المنظور، رغم ما أصابها من ركود سياسي. ما يجعل الولاياتالمتحدة تتخذ من آسيا نظرة طويلة الأجل من أجل ضمان استمرار قوتها جعلها تقدم على توقيع اتفاقية تعاون عسكري مع اليابان، ما يعني أن تراجع أميركا سابق لأوانه، وتلك الاتفاقية تثبت بأن الولاياتالمتحدة لم تغادر أصلاً، بل هي منشغلة بنهج جديد للتعامل مع الاضطرابات العالمية التي تعد الأكثر عنفا منذ قرون. تركز الولاياتالمتحدة على التعاون والتنافس والصراع في العلاقة مع القوة الصينية الصاعدة، وتراجع استراتيجيتها تجاه الصين، بهدف احتفاظ وسيطرة الولاياتالمتحدة على شرقي آسيا، التي تعتبره الصين الحديقة الخلفية لها، وتطالب الغرب والولاياتالمتحدة، بأنه قد حان الوقت ليتخلص الغرب من معتقداته القديمة. لذلك اتجه أوباما إلى أن يأخذ من واقعية كيسنجر، في التعامل مع الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ويمنح العون في آن معاً لكلا الجانبين في الانقسام المتسع بين السنة والشيعة، ويستخدم ورقة داعش لتعزيز نظريته تلك، لكن أتت عاصفة الحزم التي قادتها السعودية مناهضة لاستراتيجية أوباما في المنطقة. بعد تقديم أوباما فصلاً جديداً من العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، بعد إلقاء خطابه في القاهرة عام 2009، انتقل أوباما اليوم إلى مرحلة جديدة، وهي عقد صفقة نووية مع إيران، لكنه لا يتحدث عن رعاية إيران للإرهاب في الخارج والقمع في الداخل، وتركيزه منصب فقط على الحد من طموحات إيران النووية، بل لا توجد حتى إشارة قاطعة إلى وقف برنامج إيران النووي. لكن البعض يعتبر الخطوة التي استعارها أوباما من كيسنجر لا تنسجم إلى حد كبير مع استراتيجية كيسنجر التي استخدمها عام 1972، عندما صدم العالم بعدما حقق تقارب مع الصين في عهد ماو تسي تونج تقارب يفتقد للحس الأخلاقي، حيث كان بيان شنغهاي لم يأت على ذكر معسكرات الاعتقال الخاصة بالرئيس ماو تسي، ولم يطالب الصين بإنهاء مغامراتها في العالم الثالث، بل كان تركيز كيسنجر على فصل بكين عن المحور السوفياتي لخدمة المصالح الأميركية، من أجل انتصار الغرب في الحرب الباردة. عندما يقدم أوباما دعمه بإنشاء قوة عربية، على الأقل يراها أنها كافية لإقناع دول الخليج بالعدول عن التفكير في أي برامج نووية خاصة بهم، خصوصاً السعودية التي لديها تعاون كبير مع باكستان، يمكن أن تحصل على السلاح النووي من الباكستان، بعدما كان أوباما يهدئ من روع الخليجيين حيال توقيع الاتفاق النووي مع إيران، عندما لمح في أكثر من خطاب وفي أكثر من مرة بأن العرب أيضا حق في تخصيب اليورانيوم مثلما هو حق إيران، واليوم يتراجع أوباما عن مواقفه التي ألمح فيها، ما يعني أن دول الخليج لم تعد تثق في مواقف أوباما المتناقضة والغامضة، ولكن عليها أن تسرع في تشكيل تلك القوة العربية المشتركة لتكون أمراً واقعاً. خصوصاً وأن دول الخليج ترى في أوباما أحيانا لا يتطابق الكلام مع الواقع، وهناك أمثلة عديدة منها عدم وفائه والتزامه بأمن العراق بعد سحبه القوات الأميركية من العراق، ولم يفعل أوباما اتفاقية بودابست عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم والموقعة عام 1994 التي نصت على إلزام كل من روسيا وبريطانيا والولاياتالمتحدة بحماية ضمان وسلامة حدود أوكرانيا مقابل تخليها عن أسلحتها النووية. كما إن دعم أوباما تشكيل تلك القوة العربية المشتركة نهج كلاسيكي لميزان القوة في التعامل مع الشرق الأوسط حتى يتفرغ أوباما لمحور آسيا لمواجهة المارد الصين، رغم انقسام العرب، لكن أعطت عاصفة الحزم الجامعة العربية قوة في الموافقة على إنشاء قوة عربية مشتركة، أصابت العالم بالذهول، خصوصا بعدما ذهب التنسيق العسكري العربي تاريخياً عبر أدراج الرياح. لكن دول الخليج بقيادة السعودية ومصر مصرة على وضع حجر الأساس لتلك القوة العسكرية المشتركة وهي تسابق الزمن، لأن العرب مقتنعون بأن الخطط الإمبراطورية الإيرانية في المنطقة سوف تتأكد بعقد الاتفاق النووي. كما تدرك دول الخليج أن طلب ضمانات في قمة كامب ديفيد التي عقدت لن تحصل، ولكن كانت تريد أن تحصل على ضمان وتأكيد تحقيق تشكيل قوة عربية مشتركة، لأن ضمان الضمانات غير ممكن، بل حتى الاتفاقات طويلة الأجل التي يوقعها أوباما مع إيران ومع دول الخليج، يمكن أن يتم مراجعتها مرة أخرى بعد مقدم الرئيس الأميركي الجديد، مثلما نقض أوباما تعهدات سلفه بوش ببناء مستوطنات إسرائيلية داخل الضفة الغربية، لكن أوباما نقضها عام 2009، واليوم يهدد العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ توم كوتون ملالي طهران بأن الاتفاق الذي يتوصل إليه أوباما معهم سيتم إلغاؤه ما لم يتم اعتماده من قبل الكونغرس. أصبحت واشنطنوطهران محل تركيز الغضب والقلق العربي، ولن يثق العرب في أي اتفاقات، أو في أي ضمانات، وهي بمثابة صحوة عربية، خصوصا عندما تشاهد الكارثة في سوريا بعدما تخلى أوباما عن خطوطه الحمراء، ما يثير مزيد من التهديد في المنطقة العربية. العرب مثلهم مثل أي قوة أخرى في العالم، هم من لهم حق المصير، وهم متفقون بأنهم يواجهون أزمة لا تحتمل وتحديات مزدوجة، وليس من سبيل للاعتماد على الولاياتالمتحدة أو غيرها، ولا من سبيل آخر غير تأسيس قوة عربية مشتركة تضطلع بمهام سريعة وفعالة. وسيشهد تشكيل تلك القوات محطات صعبة نظرا لتفاوت نظم الاتصالات والتنظيم والإمدادات والعقائد وغيرها من محطات، رغم ذلك تصر دول الخليج ومصر تجاوز كل تلك المحطات وكل تلك الصعاب، وهي أقل تحد من التحديات التي تواجه الأمة العربية، خصوصا وأن المنطقة مقبلة على مرحلة ما بعد أميركا، فعليهم التحرك سريعاً للدفاع عن مصالحهم، فلا بديل للتكامل العسكري العربي الذي أصبح أمراً حتمياً لا محيد عنه.