انتقل إلى رحمة الله تعالى اليوم الخميس وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية.. وفارس الدبلوماسية السعودية، ورئيسها لأربعة عقود متواصلة، وأقدم وزير خارجية في العالم، سياسي من طراز فريد، عاصر 4 ملوك، قبل أن يطلب إعفاءه من منصب وزير الخارجية، لأسباب صحية، لعب دوراً مهماً في تشكيل موقف المملكة من كثير من الأزمات التي تؤثر بالشرق الأوسط. وشهدت السنوات ال40 التي شغل فيها منصب رئيس الدبلوماسية السعودية، غزواً إسرائيلياً للبنان في الأعوام 1987 و1982 و2006 وانتفاضتين فلسطينيتين في 1987 و2000 والحرب العراقيةالإيرانية في 1980 والاجتياح العراقي للكويت عام 1990 واحتلال قوات التحالف العراق بقيادة الولاياتالمتحدة عام 2003. وعلى الرغم من الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، فإن سعود الفيصل يترك العالم العربي في وضع محفوف بالمخاطر أكثر من أي مرحلة في العقود الأخيرة، مع وجود حرب أهلية في سورياوالعراق، وفوضى في اليمن وليبيا، وتهديد من تنظيم الدولة "داعش" .. سُئل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، عن الرجل الذي يخشاه، فقال "سعود الفيصل، أدهى من قابلت في حياتي، فحينما كنت في حرب مع إيران جعل العالم معي، وبعد أن دخلت الكويت قلب العالم ضدي، وكل ذلك يكون في مؤتمر صحافي واحد، ولو كان لدي رجل كسعود الفيصل لحكمت العالم". قال عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية السعودية أسامة النقلي إن "التاريخ أقوى من أي كلمة تقال في حق الرجل ومواقفه". وولد الأمير سعود في منطقة الطائف عام 1940 وحصل على إجازة في الاقتصاد من جامعة برينستون الأمريكية في 1964. ثم قضى أعواماً في وزارة البترول تحت رعاية وزير البترول أحمد زكي يماني والأمير سعود متزوج وله 3 أبناء و3 بنات. وعين الأمير سعود وزيراً للخارجية في أكتوبر 1975، في ظل ظروف صعبة، بعد 7 أشهر من اغتيال والده الملك فيصل، ولعب بعد ذلك دوراً كبيراً في الجهود التي أفضت إلى وضع حد للحرب اللبنانية بين 1975 و1990 خصوصاً مع التوصل إلى اتفاق الطائف في 1989. وعندما عين الأمير سعود في ذلك الوقت، تمثلت العوامل المهيمنة على المنطقة في مساجلات الحرب الباردة ومنافساتها وبدا أن القومية العربية والاتجاهات العلمانية هي التي تحمل في طياتها وعود المستقبل. ولم تكن مصر وإسرائيل وقعتا معاهدة السلام وكان ياسر عرفات يقود منظمة التحرير الفلسطينية من مخيمات اللاجئين في لبنان وكان شاه إيران على عرشه قبل ان تطيحه الثورة، أما في العراق فكان صدام حسين يخطط للوصول إلى الحكم. وقاد الدبلوماسي المحنك سياسة السعودية الخارجية إبان الحرب العراقيةالإيرانية بين 1980 و1988، ومع الغزو العراقي للكويت في 1990 وخلال حرب الخليج التي تبعته عام 1991 وصولاً إلى تحرير الكويت من قبل تحالف دولي قادته الولاياتالمتحدة. وهيمنت علاقة الرياض بصدام على فترات طويلة من السياسة الخارجية السعودية في ظل الأمير سعود وتحولت من التأييد الحذر خلال الحرب العراقيةالإيرانية إلى العداء الشديد بعد اجتياح الكويت. مواقف سعود الفيصل من الصعب محوها من الذاكرة أو من تاريخ الشعوب، فقد خاض سموه معارك سياسية كبيرة ممثلاً لبلاده ومدافعاً عنها، وعاش كل مراحل الأزمات والمشاكل العربية ولديه تفاصيل كثيرة ومهمة عن خفايا العلاقات الخليجية الخليجية وقصص الصراع العربي العربي، ولعب أدواراً تاريخية مهمة، وشارك في اتخاذ الكثير من القرارات المصيرية التي كان لها تأثير كبير على سياسة المملكة العربية السعودية الداخلية والخارجية وفي مستقبل العمل العربي المشترك؛ فكان بحق أمير الدبلوماسية العربية وفارسها المحنَّك.